كابول – قبل بزوغ الفجر بقليل، يتجمع مئات الرجال كل يوم عند التقاطعات الرئيسية في العاصمة كابول وغيرها من المدن الأفغانية. بعضهم على عكازه، وبعضهم الآخر يحمل أدوات بدائية للعمل كالرفش أو المعول.
غالبيتهم في ثياب رثة، لكنهم جميعاً ينشدون عملاً ولو ليوم واحد لجمع بضع دولارات قد تفي لعدة أيام. ومن ثم يأتي أرباب العمل تجول أعينهم في المكان لانتقاء "الأفضل". وغالباً ما يكونون بحاجة إلى شخص أو شخصين للعمل في أشغال البناء.
وقبل أن يتوقفوا، يحتشد العشرات حول سياراتهم ويتنافسون للفوز "بالوظيفة".
ورغم مليارات الدولارات التي أغدقت منذ دخول القوات الأميركية لأفغانستان في العام 2001، لا تزال أفغانستان واحدة من أكثر الدول فقراً في العالم. ويشير تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى أن 12 مليون من مجمل السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، أو 8 من أصل كل 10 أشخاص يبلغون السن القانونية للعمل، هم عمال غالبيتهم لا يملكون مهارة أو خبرة في أي مهنة أو حرفة أو صنعة محددة.
وحتى في المناطق الريفية، فإن العمل مؤقت أيضاً، وموسمي وغير قانوني. ويوفر تجار الأفيون عشرات الآلاف من الوظائف القصيرة المدى للعاطلين عن العمل.
لكن مهما كان نوع العمل في أفغانستان، يبقى الأجر زهيداً، وزهيداً جداً. وكل العاملين، سواء أكانوا دائمين أو مؤقتين، يكسبون ما معدله 410 دولارات في السنة أو حوالي دولار واحد في اليوم، وفقاً لما أعلنه البنك الدولي. ويقول مير أفغان، أحد العمال الذين ينتظرون رزقهم على حافة الطريق، إنه لم يستطع الحصول على أي عمل منذ 13 يوماً، وأصبحت ديونه تتراكم.
ويضيف إن الجيران يساعدونه من وقت إلى آخر، ويؤمن طعامه بـ"الدين" من المحلات القريبة من منزله، ويقترض أيضاً لشراء الدواء لأطفاله. وفي منزله الواقع في حي مزدحم في إحدى ضواحي كابول، يسمع بكاء الزوجة ونحيبها حين يسألها أحدهم عن الطعام. فتجيبه، وهي تهز رضيعاً أرهقته نوبة سعال، بأن ما لديها من مؤونة يكفيها لإطعام عائلتها مرة واحدة في اليوم، وهم نادراً ما يأكلون اللحم. وكانت منظمة العمل الدولية قد قدمت تقريرا العام الماضي يكشف صورة قاتمة جداً عن الوضع الاجتماعي في أفغانستان: نصف الشعب تقريباً ليس لديه ما يكفيه لإعالة نفسه و82 بالمئة منهم أميون و18 بالمئة من الأطفال تحت سن الـ15 يعملون.
وتشير المعلومات إلى أن معظم الأعمال التجارية أو النشاطات الاقتصادية في البلاد غير مسجلة، وبالتالي فإن أصحابها لا يدفعون الضرائب. هذا الأمر يدفع بالحكومة، التي ينخر فيها الفساد، إلى الاعتماد بشكل رئيسي على المساعدات الدولية وعلى أموال "السوق السوداء"، وهي تحديداً الأموال المتصلة بتجارة المخدرات المزدهرة.منذ عشرة أعوام، حذرت منظمة العمل الدولية أفغانستان من أنها لن تنعم بأي ازدهار أو استقرار على المدى الطويل إذا لم يشكل توفير الوظائف، بالمعنى الذي يؤمن مدخولاً منتظماً، بنداً رئيسياً في مشاريع إعادة الإعمار التي شهدتها البلاد بعد سنوات طويلة من الحرب.لكن المنظمات التي أدارت المساعدات المالية نأت بنفسها عن مسألة التورط في خلق فرص العمل. وبقي القطاع الخاص يعاني من الركود بالرغم من الاستثمار الملحوظ في قطاع الاتصالات. حتى أن الأغنياء فضلوا استثمار أموالهم خارج البلاد. ويقول التقرير إن النتيجة أفضت إلى عدم تمكن معظم الأفغان من الحصول على وظيفة ثابتة وأنه "حتى فرص العمل المؤقت بدأت تجف بسبب تقلص المساعدات الخارجية مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان نهاية العام 2014". ويؤكد الخبير في الشأن الأفغاني في "مجموعة الأزمات الدولية"، التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، غرايم سميث وجود مشكلة بطالة مستعصية على الحل في أفغانستان.
ويضيف "لقد اعتمد العمال بشكل أساسي على قطاع البناء وغيره من القطاعات التي شهدت انتعاشاً في فترة من الفترات، واليوم نحن نواجه انكماشاً في هذا المجال مع انسحاب الجنود وتقلص الميزانية المخصصة للتطوير والإعمار. وهذا قد يؤثر سلباً على الاستقرار والأمن في البلد". ويشير تقرير، أعدته المجموعة في العام 2011، إلى أن 57 مليار دولار صرفت كمساعدات دولية في أفغانستان منذ العام 2001. وإذا تم توزيعه على الشعب فسيحصل كل فرد على 1657 دولاراً في السنوات العشر الأخيرة أو على 166 دولارا في السنة.
الفقر في أفغانستان.. صورة قاتمة ودائمه!!
بقلم : الديار ... 08.11.2013