قدمت سوريا وحلفاؤها تنازلا للولايات المتحدة الأمريكية بتقديم اقتراح بوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية. موسكو أعلنت عن الاقتراح، وسوريا رحبت، ووافقت طهران بتحفظ.
حتى الآن لا نستطيع الحكم على خطورة هذا التنازل ومداه لأن التفاصيل ليست متوفرة. ولهذا لا نستطيع وصفه بالتنازل عن السلاح الكيميائي، إنما في السلاح الكيميائي. وحتى تنجلي الأمور، هناك أسئلة كثيرة مطروحة منها:
• ماذا يعني وضع الأسلحة تحت الرقابة الدولية؟ هل يعني التدمير الشامل؟ أم وضع أجهزة تصوير في مخازن الأسلحة وأماكن تصنيعها؟ أم نقلها إلى دولة أخرى؟ أم زيارة المفتشين الدوليين لها؟ أم مراقبتها ومراقبة المواد الخاصة بتصنيعها؟
• ماذا يعني الترحيب السوري بالمبادرة الروسية؟ هل هو القبول بما تراه الدول الغربية؟ أم القبول بمناقشة الأمر؟ أم التخلي التام عن الأسلحة؟
• هل ستربط سوريا نزع هذا السلاح بنزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة العربية الإسلامية؟
• هل ستربط سوريا النقاش بما تملكه إسرائيل من قوة نووية؟
• هل المبادرة جادة أم للماطلة؟
• هل هي لتقديم حجة لأوباما للتريث في توجيه ضربة عسكرية، أو لتقديم مخرج له لإلغاء الضربة نهائيا؟
• وهل هي فخ يجر الغرب إلى الانشغال بنقاش حول المبادرة فتأخذ سوريا مزيدا من الوقت؟
على كل حال، ما حصل هو تنازل وليس مجرد انحناء لكي تمر العاصفة. الانحناء يتم في قضايا ثانوية وليس في قضايا استراتيجية، وامتلاك أسلحة الدمار الشامل مسألة استراتيجية وليست أمرا عابرا. لكن التريث في وزن هذا التنازل ضروري، وأسوأ ما يمكن أن نراه هو تكرار مشهد حرق الأسلحة الكيميائية في العراق. وهذا مشهد سيشكل هزيمة نكراء جديدة للعرب.
قيمة السلاح الكيميائي
سلاح الدمار الشامل سلاح ردع أكثر منه سلاح قتال. إنه ليس سلاحا ميدانيا، وإنما سلاح اليأس وربما الانتحار. ولهذا تطوره الدول للحظة التي تقول فيها "علي وعلى أعدائي." هناك من استعمل سلاح الدمار الشامل خارج هذه القاعدة وبالتحديد الولايات المتحدة التي ضربت اليابان بالنووي، وصدام حسين الذي ضرب الكرد والإيرانيين بالكيميائي.
سلاح الدمار الشامل مهم بالنسبة للعرب وبعض المسلمين، ومن الضروري العمل على تطويره لأن إسرائيل تملك أسلحة نووية، ولا بد من مواجهتها بردع مماثل إن أمكن وبالكيميائي إن لم يكن بالإمكان تطوير قدرات نووية.
سوريا لن تستعمل الكيميائي في أي مواجهة مع إسرائيل لأنه من غير المتوقع أن تصل أي حرب قادمة إلى حد الهاوية فيقرر طرف استخدام أسلحته ليقتل غيره وينتحر. لكن وجود قوة استراتيجية رادعة لإسرائيل يبقى أمرا حيويا للأمن القومي العربي.
أوباما مستفيد
أوباما في وضع حرج، وهو الذي دفعه للاحتماء بالكونغرس الأمريكي. وسبق أن تم توضيح التحول في ميزان القوى والظروف المختلفة التي تحيط بالوضع السوري، الأمر الذي يجعل من الضربة العسكرية لسوريا مغامرة عسكرية غير محسوبة. ولذلك من المحتمل أن روسيا تحاول إعطاء أوباما مبررا قويا لتأجيل الضربة أو إلغائها، وهكذا تفعل الدول الكبرى أحيانا لأن في حرج منافسيها ما قد يؤدي إلى كوارث عسكرية.
وإذا استفاد أوباما من الرأي العام الأمريكي، فإنه يكون قد حاز على مبررين لعدم الدخول في مأزق عالمي عسكري واقتصادي. وربما يتحرر من استعباد وزير خارجيته كيري الذي يصر على مهاجمة سوريا.
وروسيا مستفيدة
روسيا مستفيدة إن أوقفت الحرب لأنها ستكون بطلة السلام، ومن المحتمل أن يحوز بذلك لافروف على جائزة نوبل للسلام كما حاز أوباما في سابق الأيام. وأيضا سيكون ذلك تثبيتا لوضع روسيا العالمي كدولة تعود تدريجيا إلى القطبية.
وسوريا وإيران مستفيد على الأقل في التقاط النفس، وبذل المزيد من جهود الاستعداد والإعداد.
الغاضبون
الغاضبون هم كل الذين يهتفون للراعي الأمريكي لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا لأن هدفهم هو تحطيم الجيش السوري وليس التخلص فقط من السلاح الكيميائي. دول الخليج والأردن ومملكة المغرب وتركيا وقوى 14/آذار وعدد من القوى الإسلامية منزعجون جدا من التريث الأمريكي، ومن نية الغرب مناقشة المبادرة السورية.
والمشكلة الأساسية لدى الدول العربية إذا لم تشن أمريكا حربا تتمثل في طرق صرف الأموال التي رصدتها دول الخليج للإنفاق على الحرب. وأظن أن المسألة ليست معقدة.
الاستجابة للدول الغربية قاتلة
من المهم الانتباه إلى أن الدول الغربية ومعها إسرائيل لن تتوقف عند حد في مطالبها من سوريا إن استجابت سوريا بصورة مائعة وغير مقيدة ومكفولة من روسيا والصين للدول الغربية في مسألة الكيميائي. سيطلب الغرب تدمير كل الأسلحة الكيميائية، ومن ثم تدمير مصانعها وكل ما يتصل بها من تقنية وعلوم، وسيطلبون التفتيش في كل الأراضي السورية، وسيطلبون تفتيش القصر الجمهوري والمقار الحكومية، الخ، وسيعملون على قتل العلماء. إذا استجابت سوريا فإن حالها لن يختلف عن حال العراق، وستكون الأراضي السورية مسرحا مفتوحا لإسرائيل وأمريكا.
التنازل في السلاح الكيميائي السوري!!
بقلم : بروفيسور عبد الستار قاسم ... 10.09.2013