أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العودة للزمن الفدائي!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 25.06.2023

أتابع تغوّل الاحتلال الذي يسارع لالتهام ما تبقّى من الأرض التي بقيت تحت أقدام الفلسطينيين، والتي يتّم يوميّا تمزيقها، والنهم والجشع الصهيوني لم يبق ما يكفي لمحافظة فلسطينية واحدة متواصلة مع قراها، مع تصاعد وحشية الاحتلال في ممارسة القتل اليومي بالترافق مع مصادرة الأرض، وتتجلّى مخططات الصهاينة التي تستهدف الفلسطينيين: مصادرة أكبر مساحة، وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وذلك لبث اليأس في نفوس وعقول عرب فلسطين وإحباطهم.
أسأل نفسي في كل وقت، مع تواصل مصادرة الأرض، وسقوط الشهداء، وتفرّج أنظمة التبعية وأكاذيب بياناتها الشاجبة لعدوانات الاحتلال على الأقصى والمصلين، وهدم البيوت: ما العمل؟ ماذا ينتظر(بعض) الفلسطينيين من المتلمظين على المناصب، الذين ما زالوا يراهنون على إمكانية دولة فلسطينية مستقلة؟! و..ماذا ينتظر من يتوهمون أنهم سيرثون السلطة ليوسعوا سلطتهم؟!
وأتساءل حتى لا يتفشى اليأس، وينقطع الأمل، ويضيع الرجاء: ما العمل –بالإذن من الرفيق لينين- وأنا غير يائس، ولكنني غاضب ومقهور، وأعرف أنه يوجد بيننا وحولنا من يتربصون وكل همهم أن تدوم لهم نعم الوضع الراهن غير معنيين بضياع الأرض ونزف الدم، فهم مهجوسون بطموحاتهم، أو بضيق أفقهم، وفي جوهر الأمر لا يريدون أن يعرفوا جوهر القضيّة الفلسطينية وأنها لن تحّل بالمفاوضات، والرهانات، والصفقات، واسترضاء هذا النظام وذاك بالمجاملات وكأن شعبنا وجماهير أمتنا تجهل تلك الأنظمة وتاريخها وارتباطاتها.
في هذا الوضع البائس، والأجواء التي تبدو مُحبطة تلتمع في سماء فلسطين بروق ورعود، فإذا ما يطمئن ويبث التفاؤل، ويصعق العدو..يجدد العهد بالزمن الفدائي، فنثق بأن شعبنا العظيم لديه من هم أوفياء لروح الفدائي، ووعيه، ومضاء عزيمته، ويقينه بأن فلسطين ستتحرر مهما امتد ليل الاحتلال، وبطشه، وظلمه، ومهما تزايدت التضحيات.
هذا ما حدث من جديد يوم الإثنين 19حزيران 2023، واحفظوا التاريخ جيدا، وثبّتوه ففيه حدثت مأثرة فدائية عظيمة في مخيم جنين: مفاجأة العدو الصهيوني بتدمير آليات مدرعة هي من فخر صناعته العسكريّة، ومفاجأة مستعربيه وجنوده، ومحاصرتهم بكمين محكم، وتدفيعهم خسائر عسكرية، واضطراره أن يستعين بالأباتشي واعترافه بأنها أصيبت..واحتياجه لتسع ساعات لسحب آلياته المعطوبة وجرحاه..كم القتلى بينهم؟!
من يخوضون معارك جنين هم فدائيون يجددون الزمن الفدائي، ويدفعون الدم على طريق التحرير، ولا هم لهم سوى مواصلة( الجهاد)، فلا تشغلهم سلطة، ولا صراع على مناصب، ولا استئثار بوهم الحكم، فهم اختاروا أن يسيروا على طريق فلسطين، هم ومن يترافق معهم، فهم لا يحتكرون الطريق، ولا يدّعون أنهم وحدهم سيحررون فلسطين، لكنهم يواصلون ويطورون ما بين أيديهم، ورهانهم أن الأمة ستستيقظ من غفلتها، ولن تراهن على نزاهة ضمير أمريكية أو غربية، فقد كفانا رهانات ساذجة اتكالية، فجوهر صراعنا مع عدونا أن فلسطين لنا، وأننا لن نتنازل عن حبة تراب من ترابها، وعدونا لن يكتفي باحتلال فلسطين، ولكنه يريد أن يحتل قدراتنا وثرواتنا وموقعنا كأمة، وأن يستتبع كيانات هزيلة يجعلها تنفذ أطماعه على حساب خراب أمتنا بحيث لا تتمكن من النهوض والفعل.
خيار جنين، ومخيم جنين، وخيار الفدائيين الفلسطينيين المؤمنين بأن الاحتلال لا يؤمن بالسلام، وأن مسيرة أوسلو أكبر برهان من 13 أيلول 1993 وحتى اليوم تكفي لكل صاحب عقل وضمير، معني بشعبه ووطنه و..أمته ونهوضها، وقوتها وعزتها.
و..بعد ساعات من معركة جنين البطولية صُعق العدو الصهيوني في مستوطنة عيلي، عندما اقتحمها فدائيان وقتلا الحارس، وأطلقا الرصاص على عدد من المستوطنين عن قرب فقتلا ثلاثة آخرين، وجرحا عددا منهم بعضهم حالته خطيرة، وهكذا صُدم الكيان الصهيوني وقياداته العسكرية والسياسية بهذا الهجوم في وضح النهار، ورغم استنفار كل أجهزته بعد عملية يوم الإثنين التي استخدم فيها المقاتلون عبوة تزن قرابة 20 كيلوغراما من المتفجرات نسفت مصفحة النمر، وأعطبت غيرها...
معركة مخيم جنين، واقتحام مستوطنة عيلي في يومين متتالين تبرهنان على درجة عالية من الحرفية والشجاعة والتعلّم من أخطاء سابقة استفادت منها أجهزة العدو، وراكمت خبرات ستستخدمها في معرك قادمة رغم كل ما يملكه العدو من تقنيات، وأجهزة مراقبة ومتابعة وتجسس على الفلسطينيين.
اعترف العدو بأن الإصابات في قتلاه كلها في الرأس، وذلك يعني أنها نفذّت من مسافة صفر، وفيها رسائل للعدو ومستوطنيه الذين يبنون بيوتهم على حساب خراب بيوت الفلسطينيين وسرقة أرضهم.
إن كنس الاحتلال ممكن بالمقاومة المسلحة، فقد تم تضييع ثلاثة عقود منذ أوسلو في المفاوضات والرهانات على الوساطات، والرضى بالوعود الأمريكية، بينما الأرض تضيع، والزمن يضيع، والاحتلال يقتل ويصادر و يطبّع معه!
وصف العدو أحد الشهيدين اللذين نفذا الاقتحام الشجاع لمستوطنة عيلي بأنه جامعي..فهل هناك غرابة في أن يكون المقاوم جامعي؟! وأذاع بأن أحدهما سجين سابق!..فهل يلغي السجن الصهيوني انتماء المقاوم وصلابته، ويخرجه وقد تخلّى عن قضيته؟!
هذه المعارك ليست ردود فعل، ولكنها فعل يتراكم على طريق تحرير فلسطين، كل فلسطين من نهرها لبحرها، ومن سيواصلون هم مؤمنون بهذا الخيار للتحرير، فلا حلول وسط في الصراع مع هذا العدو، ولا استسلام له ولأمريكا من خلفه، ولكن مقاومة حتى النصر والتحرير.
رحم الله الشهداء الأبطال، وعلى طريقهم سيمضي مئات وألوف، فهذا طريق تحرير فلسطين ولا طريق سواه.

1