أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
هل يعيد الغاز الإسرائيلي تشكيل المنطقة؟
بقلم : د. فيصل القاسم ... 11.09.2021

تمر سوريا ولبنان في أزمة وقود وطاقة ساحقة ماحقة منذ فترة، وأصبح الحصول على جرة غاز في سوريا الأسد حلماً بعيد المنال لملايين السوريين.
وقد شاهدنا المذيعة الساحلية إياها التي طفح بها الكيل فنشرت فيديو لافتاً عن معاناة السوريين الرهيبة للحصول على جرة غاز بأسعار تفوق حتى راتب المذيعة نفسها. وكلنا شاهد طوابير الغاز التي تمتد لبضعة كيلومترات في بعض المدن السورية. وحدث ولا حرج عن أزمة البنزين والمازوت والكهرباء.
وينطبق الأمر نفسه على لبنان الذي باتت فيه محطات الوقود ساحة للمعارك بين اللبنانيين المتدافعين للحصول على بضعة ليترات لملء سياراتهم. وقد شاهدنا طوابير الانتظار في المدن اللبنانية لأيام وليال. باختصار، فقد كان المسرح مهيئاً وناضجاً لاستقبال أي مقترحات تحل كارثة الوقود في لبنان وسوريا. وفجأة ومن دون مقدمات وبشكل صدم الكثيرين يظهر الفرج على لسان السفيرة الأمريكية في بيروت التي اقترحت على الرئاسة اللبنانية مد خط أنابيب سمته خط الغاز المصري الذي سيعبر الأردن ليصب في لبنان.
والغريب العجيب في الأمر أن الجميع راح يتهافت لتحقيق الخطة الأمريكية بلمح البصر، فالنظام السوري المعروف بأنه يماطل كثيراً قبل أن يتخذ أي قرار أو يوافق على أي مشروع، بصم على الخطة الأمريكية فوراً، لا بل استقبل وزير الخارجية السوري على عجل وزراء كباراً من لبنان بهدف تسريع عملية نقل الغاز المصري مجازاً والإسرائيلي واقعاً إلى بلاد «الممانعة والمقاومة». ثم انضم وزير الطاقة السوري إلى اجتماع للدول المعنية بالخط الإسرائيلي المصري بضوء أخضر أمريكي في عمّان وذلك في خرق واضح لقانون قيصر والعقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق. أما الأردن فلا شك أن ملكه ناقش الأمر من قبل مع الرئيس الأمريكي في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة التي عاد منها وهو يدعو إلى إعادة تدوير النظام السوري باعتباره أمراً واقعاً. ولا ننسى أن الأردن قد سبق الجميع إلى عقد اتفاقية غاز مع إسرائيل عام ألفين وستة عشر. ولا شك أن عمان ستستفيد من مرور خط الغاز المصري الإسرائيلي إلى محور «المقاولة» الذي نسي فجأة كل شعاراته المعادية «للعدو الصهيوني» وراح يرحب بما يسمى بخط «الغاز العربي» الذي يعرف الجميع أنه لا عربي ولا «ضراب السخن» بل غاز إسرائيلي بغلاف مصري. وأول من فضح ذلك المعلق الإسرائيلي الشهير على تويتر إيدي كوهين وبعض المعلقين المصريين أكدوا تصريحاته.
ويقول كوهين في إحدى التغريدات: مش أحسن وأرخص إذا نحن مباشرة ننقل الغاز الى لبنان عبر راس الناقورة والحدود مع لبنان؟ «هيك هيك نحنا ربحانين». الغاز الأردني والمصري هو غاز صهيوني بامتياز. نحن نبيع لهم وهم يربحون ويبيعون للبنان. هههه يا حرام شو مجاديب. لو الغاز مباشرة كان أرخص بكثير. المسكين الشعب اللبناني».
هل يشكل أنبوب الغاز الإسرائيلي طوق نجاة مفضوحاً للنظام السوري، وهل هو مقدمة لإعادة تدويره والتطبيع العلني معه وإشراكه علناً هذه المرة في صفقة القرن؟
من جهته يؤكد الباحث المصري الدكتور رامي عزيز ما ذهب إليه كوهين قائلاً: «الصياغة الصحيحة، هي أن سوريا توافق على مرور الغاز الإسرائيلي إلى لبنان. الغاز مئة في المئة إسرائيلي أشترته مصر بـ 20 مليار دولار، لتقوم بتصديره للدول العربية، وتحصل على فروق السعر والعمولات. وفي النهاية فإن محور المقاومة يستورد غازاً إسرائيلياً ويدفع عمولات لمصر، ونعم المقاومة والشعب خسران».
ولا يخفى على أحد تاريخ التعاون بين مصر وإسرائيل في مجال الغاز وإعادة التصدير. ولو نظرنا إلى الأخبار التي تغطي هذا الأمر منذ سنوات لوجدنا أنها كلها تتحدث عن غاز إسرائيلي مُسال في مصر. وقبل حوالي سنتين أوردت وكالة الأنباء الفرنسية خبراً بعنوان: «إسرائيل تشرع في ضخ الغاز الطبيعي إلى مصر بموجب اتفاقية هي الأهم منذ إقرار السلام «. وأوردت وكالة الأناضول التركية خبراً مفاده: «القاهرة وتل أبيب تبحثان خطط إسالة الغاز الإسرائيلي بمصانع مصر». وهناك خبر آخر يقول: « مصر ستنقل الغاز الإسرائيلي لمحطات الإسالة وستطور حقلا قبالة غزة» «خبراء يكشفون سبب ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر.. وسر الصفقة بين تل أبيب والقاهرة». وفي خبر آخر يتحدث وزير إسرائيلي عن «خط أنابيب تحت البحر قد يضاعف صادرات إسرائيل من الغاز إلى مصر». وقبل أيام وقبيل تفجير مفاجأة نقل الغاز الإسرائيلي إلى سوريا ولبنان أوردت شبكة السي إن إن الأمريكية خبراً مفاده: «مصر وإسرائيل تبحثان خطط إسالة الغاز الطبيعي لإعادة التصدير». لاحظوا عبارة «إعادة التصدير» في الخبر السابق الذي يؤكد بما يقطع الشك باليقين أن الغاز الذي سيغذي لبنان وسوريا هو غاز إسرائيلي من رأسه حتى أخمص قدميه بغطاء مصري.
وعندما ننظر إلى خريطة سير الغاز المفترض أنه مصري وسيذهب إلى لبنان سنجد مساراً آخر، فمصدر الغاز ينبع من منطقة عسقلان الإسرائيلية، ثم يمر في منطقة العريش المصرية إلى بور سعيد، ومن هناك إلى منطقة طابا، فالعاصمة الأردنية عمان، ثم السورية دمشق ثم مدينة حمص السورية، ومن هناك يتفرع إلى بانياس السورية ثم إلى طرابلس اللبنانية. والغريب في الأمر أن الخط كان من المفترض أن يذهب من دمشق إلى بيروت، وهو طريق أقرب بكثير، لكنه ذهب إلى حمص. قد يقول البعض إن بيروت ليس فيها ميناء، وبالتالي كان لا بد للخط أن يذهب إلى حمص ومن هناك إلى ميناء طرابلس اللبناني. طيب، لكن لماذا ذهب أيضاً إلى مركز الطاقة والتكرير الأول في سوريا وهو في بانياس؟ إذاً فإن الغاز الإسرائيلي المصري لا يذهب إلى لبنان فوراً كما اقترحت السفيرة الأمريكية، بل يغذي سوريا قبل أن يذهب إلى لبنان. لهذا فإن خطة الإنقاذ الأمريكية ليست لمساعدة لبنان فقط، بل لإنقاذ النظام السوري من أزمة الوقود التي استفحلت في سوريا منذ أشهر. ولا ننسى أن واشنطن قد توافق على دعم مالي من البنك الدولي للنظام السوري لإعادة تأهيل خطوط الكهرباء التي تضررت بسبب الحرب. والسؤال الآن كيف سيبرر ما يسمى بحلف المقاومة لشعوبه حصوله على غاز إسرائيلي؟ هل سيعيد الغاز الإسرائيلي تشكيل المنطقة؟ هل اتفق النظام اللبناني على تطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر أنابيب الغاز بعد أن اتفق مع تل أبيب على ترسيم الحدود؟ هل يشكل أنبوب الغاز الإسرائيلي طوق نجاة مفضوحاً للنظام السوري، وهل هو مقدمة لإعادة تدويره والتطبيع العلني معه وإشراكه علناً هذه المرة في صفقة القرن؟

1