أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
تفاقم‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬لبنان بعد‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬وتفشي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا!!
بقلم : الديار ... 13.06.2021

أعربت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬لبنانية‭ ‬ودولية،‭ ‬عن‭ ‬قلقلها‭ ‬الشديد‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬العنف‭ ‬الأسرى‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬بعد‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وانهيار‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتفشي‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬‮«‬كوفيد‭- ‬19‮»‬‭.‬
وحذرت‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتماسك‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يتعرض‭ ‬لحالة‭ ‬انهيار‭ ‬شاملة‭.‬
ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يمضي‭ ‬يوم‭ ‬أو‭ ‬أسبوع‭ ‬إلا‭ ‬ويبلغ‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬عنف‭ ‬أسري‭ ‬وخاصة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬والطفل،‭ ‬ترتكب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬اللبنانية،‭ ‬رجل‭ ‬يقتل‭ ‬زوجته‭ ‬بآلة‭ ‬حادة‭ ‬تارة،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬أم‭ ‬تضرب‭ ‬طفلها‭ ‬بشكل‭ ‬مؤذ،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يبلغ‭ ‬عن‭ ‬إمرأة‭ ‬تتعرض‭ ‬للضرب‭ ‬المبرح‭ ‬من‭ ‬طليقها‭.‬
العنف‭ ‬الأسري،‭ ‬هو‭ ‬نمط‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬المسيئة‭ ‬والقسرية،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬الاعتداء‭ ‬الجسدي،‭ ‬والجنسي‭ ‬والنفسي،‭ ‬وكذلك‭ ‬القسر‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬البالغون‭ ‬أو‭ ‬المراهقون‭ ‬ضد‭ ‬شركائهم‭ ‬الحميميين‭. ‬
والعنف‭ ‬الأسري‭ ‬ليس‭ ‬حدثا‭ ‬معزولاً‭ ‬أو‭ ‬حدثا‭ ‬فرديا،‭ ‬بل‭ ‬نمطا‭ ‬لتكتيكات‭ ‬متعددة‭ ‬وأحداث‭ ‬متكررة‭. ‬بخلاف‭ ‬العنف‭ ‬بين‭ ‬الغرباء،‭ ‬تتكرر‭ ‬اعتداءات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬ضد‭ ‬الضحية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المرتكبين‭ ‬نفسهم‭.‬
لا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمالي‭ ‬حاد‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬لبنان،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تفشي‭ ‬لافت‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬والطفل،‭ ‬نتيجة‭ ‬الضائقة‭ ‬المالية،‭ ‬والعجز‭ ‬والحجر‭ ‬الصحي‭ ‬والتزام‭ ‬المنازل،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العوامل،‭ ‬حسبما‭ ‬أعلنت‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬أجرتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭.‬
*التعنيف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والنفسي
الدراسة،‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬المشاركات‭ ‬تعرضن‭ ‬للعنف‭ ‬من‭ ‬أزواجهن‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وتفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬وأن‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬منهن‭ ‬طلبن‭ ‬المساعدة‭ ‬أو‭ ‬أبلغن‭ ‬عن‭ ‬الجريمة‭.‬
وأظهرت‭ ‬الأرقام‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬البلاغات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعنف‭ ‬الأسري،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬معدل‭ ‬مرتفع‭ ‬نتيجة‭ ‬ذكورية‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬حالياً‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتفشي‭ ‬وباء‭ ‬قاتل‭ ‬عجزت‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭.‬
وفي‭ ‬السياق،‭ ‬حذر‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الدكتور‭ ‬وليد‭ ‬عساف،‭ ‬من‭ ‬تفاقم‭ ‬معدل‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي،‭ ‬وأفاد‭ ‬أن‭ ‬تفاقم‭ ‬هذه‭ ‬الإصابات‭ ‬نتجت‭ ‬عن‭ ‬الخنق‭ ‬والطعن‭ ‬والحروق‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬السكاكين‭ ‬والبنادق‭. ‬وشدد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التباعُد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أثبت‭ ‬فاعليته‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬آثار‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ونفسية‭ ‬سلبية،‭ ‬منها‭ ‬زيادة‭ ‬معدل‭ ‬اضطرابات‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭.‬
وأكد‭ ‬الدكتور‭ ‬عساف‭ ‬لـ»القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬انتشار‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ (‬37‭ ‬في‭ ‬المئة‭) ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬زيادةً‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬العنف‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬إلى‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬مكالمات‭ ‬الاستغاثة‭ ‬التي‭ ‬تُجريها‭ ‬النساء‭ ‬عبر‭ ‬الخطوط‭ ‬الساخنة‭ ‬لمنظمات‭ ‬المرأة‭.‬
لافتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬تواجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وفيه‭ ‬عددٌ‭ ‬هائلٌ‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬والسكان‭ ‬النازحين‭ ‬داخليًّا،‭ ‬بسبب‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬والأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬والانهيارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭.‬
ورغم‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬اللبنانية‭ ‬أقرت‭ ‬في‭ ‬نيسان‭/‬إبريل‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬قانون‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬ليكون‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جمعيات‭ ‬حقوقية‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬لم‭ ‬يعالج‭ ‬قضايا‭ ‬أساسية‭ ‬كالاغتصاب‭ ‬الزوجي‭ ‬والتعنيف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والنفسي‭. ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬شعبة‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬قوى‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬اللبناني‭ ‬العقيد‭ ‬جوزيف‭ ‬مسلم‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬ارتفاع‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬96‭.‬5‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬كورونا‭. ‬واعتبرت‭ ‬الدكتورة‭ ‬سميرة‭ ‬ملاط‭ ‬عضو‭ ‬مركز‭ ‬دعم‭ ‬المرأة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬مرتفعة‭ ‬وحذرت‭ ‬من‭ ‬ارتفاعها‭ ‬مع‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭.‬
وأكدت‭ ‬ملاط‭ ‬لـ»القدس‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬كثيرة‭ ‬لازدياد‭ ‬حالات‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬تردي‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وارتفاع‭ ‬حالات‭ ‬العجز‭ ‬والفقر‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توتر‭ ‬كبير‭ ‬ضمن‭ ‬العائلة،‭ ‬لافتة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المفاهيم‭ ‬الذكورية‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬لارتفاع‭ ‬العنف‭ ‬الأسري،‭ ‬وجاءت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬لتزيد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬نتيجة‭ ‬حجر‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬نسبة‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القبل‭ ‬ولكن‭ ‬تصاعدت‭ ‬أكثر‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭.‬
ورأت‭ ‬أن‭ ‬الخط‭ ‬الساخن‭ ‬للتبليغ‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي،‭ ‬والإحصاءات‭ ‬التي‭ ‬تجريها‭ ‬المنظمات‭ ‬أو‭ ‬قوى‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬اللبناني،‭ ‬ساهما‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬إلى‭ ‬العلن،‭ ‬رغم‭ ‬وجوده‭ ‬سابقاً‭.‬
وذكّرت‭ ‬بإعلان‭ ‬‮«‬القضاء‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1993عرف‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أي‭ ‬فعل‭ ‬عنيف‭ ‬يترتب‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬يرجح‭ ‬أن‭ ‬يترتب‭ ‬عليه،‭ ‬أذى‭ ‬أو‭ ‬معاناة‭ ‬للمرأة‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجسمانية‭ ‬أو‭ ‬الجنسية‭ ‬أو‭ ‬النفسية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التهديد‭ ‬بأفعال‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬أو‭ ‬القسر‭ ‬أو‭ ‬الحرمان‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الحرية،‭ ‬سواء‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‮»‬‭.‬
*تأهيل‭ ‬المجتمع
وفي‭ ‬رأي‭ ‬الدكتورة‭ ‬ملاط‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭ ‬لتأهيل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وحضت‭ ‬الأهل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الأنثى‭ ‬والذكر‭ ‬والمساواة‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬لتغيير‭ ‬العقلية‭ ‬الذكورية‭ ‬السائدة،‭ ‬ولحل‭ ‬مشكلة‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬بحسب‭ ‬ملاط،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تعديل‭ ‬قوانين‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية،‭ ‬فتستطيع‭ ‬المحاكم‭ ‬المدنية‭ ‬حينها‭ ‬النظر‭ ‬بقضايا‭ ‬الحضانة‭ ‬والمشاهدة،‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬للعنف‭ ‬الزوجي،‭ ‬وشددت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬هو‭ ‬ظاهرة‭ ‬تاريخة‭ ‬والحماية‭ ‬تكون‭ ‬بالتربية‭ ‬والتعليم‭.‬
وتشير‭ ‬التقارير‭ ‬الأمنية‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬أن‭ ‬آخر‭ ‬ضحايا‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية،‭ ‬الشابة‭ ‬لارا‭ ‬شعبان‭ ‬التي‭ ‬كمن‭ ‬لها‭ ‬زوجها‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬حي‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬أثناء‭ ‬توجهها‭ ‬إلى‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬جبل‭ ‬لبنان،‭ ‬حتى‭ ‬عاجلها‭ ‬بضربات‭ ‬على‭ ‬رأسها،‭ ‬وطعنات‭ ‬بسكين‭ ‬حاد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تمزيق‭ ‬رئتيها،‭ ‬وجروح‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬الكبد‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تشويه‭ ‬وجهها‭.‬
وأيضاً‭ ‬الشابة‭ ‬زينة‭ ‬كنجو‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬الماضي‭ ‬وببرودة‭ ‬أعصاب‭ ‬على‭ ‬خنقها‭ ‬في‭ ‬منزلها‭ ‬الزوجي‭ ‬الكائن‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬المريسة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وفاتها‭.‬
وسبق‭ ‬للمغدورة‭ ‬وتقدمت‭ ‬بدعوى‭ ‬عنف‭ ‬أسري‭ ‬أمام‭ ‬مفرزة‭ ‬بيروت‭ ‬القضائية،‭ ‬وكانت‭ ‬تنتظر‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الطلاق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الزوج‭ ‬باستدراجها‭ ‬إلى‭ ‬منزلهما‭ ‬للقيام‭ ‬بجريمته‭ ‬المتوحشة‭.‬
وفي‭ ‬26‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬الماضي،‭ ‬تعرّض‭ ‬طفل‭ ‬رضيع‭ (‬7‭ ‬أشهر‭) ‬إلى‭ ‬كسر‭ ‬في‭ ‬الجمجمة‭ ‬ونزيف‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الرأس،‭ ‬بعدما‭ ‬تعرض‭ ‬للاعتداء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬والدته‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬22‭ ‬سنة‭.‬
وفي‭ ‬أرقام‭ ‬جديدة‭ ‬قالت‭ ‬قوى‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬اللبناني‭ ‬إن‭ ‬تقارير‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬تضاعفت‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬إذ‭ ‬تلقت‭ ‬1468‭ ‬حالة‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الـ12‭ ‬الماضية،‭ ‬ارتفاعا‭ ‬من‭ ‬747‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬السابق‭.‬
يبدو‭ ‬أن‭ ‬بيوت‭ ‬اللبنانيين‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مكان‭ ‬خطير‭ ‬جدًّا‮»‬‭ ‬لضحايا‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬خلال‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬والانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمعيشي‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬لبنان،‭ ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬العنف‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬مُعنفون‭ ‬جدد،‭ ‬وتصاعدت‭ ‬التحذيرات‭ ‬الطبية‭ ‬مؤخرًا‭ ‬من‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬وانحرافات‭ ‬سلوكية‭ ‬متوقعة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬أهمال‭ ‬علاج‭ ‬آثار‭ ‬العنف‭ ‬المُمارَس‭ ‬خلال‭ ‬الجائحة‭ ‬والأزمات‭ ‬الاقتصادية‭.‬
*العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬والسلوكي
وحذر‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الدكتور‭ ‬فايز‭ ‬طبارة،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مخزون‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الإغلاق‭ ‬والإجراءات‭ ‬المتخذة‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬سوف‭ ‬تظهر‭ ‬آثاره‭ ‬السلبية‭ ‬بشكلٍ‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭.‬
وناشد‭ ‬الدوائر‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬بتقديم‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬والسلوكي‭ ‬اللازم‭ ‬للنساء‭ ‬والأُسر‭ ‬المتضررة،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الضغوط‭ ‬النفسية‭ ‬والظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬لبنان‭.‬
وشدد‭ ‬طبارة‭ ‬لـ»القدس‭ ‬العربي‮»‬على‭ ‬أن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬شكلت‭ ‬بيئةً‭ ‬خصبةً‭ ‬لنمو‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق‭ ‬والإحباط‭ ‬والغضب،‭ ‬التي‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنها‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬باعتبارهم‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والأسرة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬
‭ ‬وأضاف‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬حركة‭ ‬الناس‭ ‬والمكوث‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬تعرضت‭ ‬النساء‭ ‬وكذلك‭ ‬الأطفال‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضية،‭ ‬لعنف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السابق،‭ ‬خاصة‭ ‬داخل‭ ‬الأسر‭ ‬المضطربة،‭ ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬مَن‭ ‬تعرضوا‭ ‬لعنف‭ ‬أسري‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬نتيجةً‭ ‬للضغوط‭ ‬النفسية‭ ‬المُستجدة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الجائحة‭.‬
وباعتقاد‭ ‬الدكتور‭ ‬طبارة،‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للإساءة‭ ‬سيكون‭ ‬هو‭ ‬المسيء‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬البلوغ،‭ ‬محذرا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي‭ ‬خلال‭ ‬زمن‭ ‬الكورونا‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬العنف‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭.‬
لافتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التعرُّض‭ ‬للعنف‭ ‬الأسري‭ ‬طويل‭ ‬المدى‭ ‬ربما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬اضطرابات‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬أو‭ ‬الأكل‭ ‬أو‭ ‬الوظائف‭ ‬المعرفية‭ ‬واضطرابات‭ ‬سلوكية،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬برامج‭ ‬العلاج‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬الدوائي‭ ‬والسلوكي‭ ‬وفق‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬تسبَّب‭ ‬فيه‭ ‬العنف‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للعنف‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬يكونون‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬تعويضية‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الحنان‭ ‬والعطف‭ ‬والإحساس‭ ‬بالأمان،‭ ‬ويحتاج‭ ‬علاجهم‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭.‬
محذرا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬لعنف‭ ‬الشريك‭ ‬معرَّضون‭ ‬لمخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬عقلية‭ ‬متعددة‭ (‬اضطرابات‭ ‬المزاج،‭ ‬اضطرابات‭ ‬القلق،‭ ‬اضطرابات‭ ‬الأكل،‭ ‬اضطراب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة،‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭) ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬الأمراض‭ ‬الجسدية‭ ‬المحتملة‭ (‬أمراض‭ ‬القلب‭ ‬والأوعية‭ ‬الدموية،‭ ‬والآلام‭ ‬المزمنة،‭ ‬واضطرابات‭ ‬النوم،‭ ‬ومشكلات‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭).‬
وشدد‭ ‬على‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬برامج‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬المنزلي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬تقييم‭ ‬دقيق‭ ‬لبرامج‭ ‬الدعم‭ ‬والعلاج‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الإساءة‭ ‬المتعددة‭ (‬النفسية‭ ‬والجسدية‭ ‬والجنسية‭) ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬موظفين‭ ‬مدربين‭ ‬متعددي‭ ‬التخصصات،‭ ‬وضمنهم‭ ‬الأطباء‭ ‬النفسيون‭ ‬وعلماء‭ ‬النفس‭ ‬ومقدمو‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والقانونية‭.‬
وفي‭ ‬ظل‭ ‬تفشي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬لزوم‭ ‬منازلهم‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامتهم،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ظروف‭ ‬الإغلاق‭ ‬والتباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬جلبت‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬يتعرضن‭ ‬للعنف‭ ‬المنزلي،‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬سلامتهن‭.‬
لذلك‭ ‬فإن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬وتصاعد‭ ‬الأزمات‭ ‬المعيشية،‭ ‬يتطلب‭ ‬اتخاذ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحمائية،‭ ‬وهناك‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬البيوت‭ ‬الآمنة‭ ‬التابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬التضامن‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتدريب‭ ‬العاملين‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الناجيات‭ ‬من‭ ‬العنف،‭ ‬ورفع‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬بشأنها؛‭ ‬لتطمئن‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الخطوط‭ ‬الساخنة‭ ‬لتلقِّي‭ ‬الشكاوى‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬عنها‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتوفير‭ ‬خدمات‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬والمراكز‭ ‬المختصة‭.‬
العنف‭ ‬الأسري،‭ ‬ظاهرة‭ ‬تاريخية‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بهذه‭ ‬المعدلات‭ ‬المرتفعة،‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬تقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬المرأة‭ ‬والطفل،‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬الأسرى‭ ‬تصاعد‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وشكل‭ ‬ظاهرة‭ ‬أصبحت‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والعائلية‭ ‬في‭ ‬لبنان

1