أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
قراءة في فكر الروائية العربية عنان محروس “الجزاء من جنس العمل”!!
بقلم : يونس عودة ... 24.05.2021

“هي، بكامل أناقتها تغلي لجارهم الجديد فنجانا من الخطيئة على نار هادئة من جريرة وجع واهمال”.
تتجلى عبقرية الروائية والشاعرة والقاصة العربية ” عنان محروس” في سبر النفوس ودراسة مراميها من واقع علم النفس الذي اتقنت ابجدياته بكل اقتدار. ما زالت تتابع دراسة المجتمعات بنظرات ثاقبة؛ فهي تطمح الى نشر الفضيلة بين الناس جميعهم؛ ويكأنها تسعى الى ايجاد المدينة الفاضلة لكل فرد يحمل رتبة انسان على هذه المعمورة.
يدرك المتتبع لكتابات ” محروس” بأنها تتمحور حول الانسان، وعلى وجه الخصوص الاسرة. فالاسرة هي نواة المجتمع وصلبه، فالاجدر ان تكون صالحة كي ينهض المجتمع باسره وبكل امكاناته. كثيرا ما تردد “عنان”: ” الجزاء من جنس العمل”، ويساند هذا القول مثل شعبي يدعم ما تقول:” كل شيء قرضة ودين، حتى دموع العين”. فهي تحذِّر كلا قطبي الاسرة، بأن اي انحراف او انحطاط اخلاقي لاحدهما، قد يجر الويلات على الطرف الاخر، ويجعله يتصرف – نكاية، ربما – بالطريقة التي قام بها البادئ منهما، الا من رحم ربك.
فالمرأة، أحيانا، كالرجل في سلك بعض الطرق اللاسوية؛ وهنا تبرز قضية امرأة دائمة السؤال عن نصفها الاخر لاجل الحفاظ على الاسرة ثابتة متماسكة. فهو قليل الاهتمام، كثير الغياب،لا يأبه بما يديم اواصر الاسرة وصيانتها. فأحيانا يجالس مرتادي المقاهي؛ فمنهم من هو على خلق، ومنهم من ليس له من ذلك نصيب، والطامة الكبرى حين ترتاد بعض النسوة المستهترات؛ المائلات المميلات، بغية الايقاع ببعض ضعاف النفوس، واسقاطهم في شراكهن: ترغيبا او ترهيبا.
” ألو..
أين أنت!!
أنا مع موجات البحر اصارعها فتصرعني.. ثم تدفعني عاليا إلى اقرب سحابة، فأعود وامطر مجبرا في ارض كُتب علي فيها الشقاء الابدي.. يغضبها الرد، وتنتهي المكالمة في ثوان معدودة عند تساؤل مُلح!؟”
” محروس” تأتِ بأمثلة قريبة من نفوس البشر، التواقة – بطبيعتها- الى الجموح والانفلات، ان لم تحكمها الاخلاق والفضيلة. لكن، مالذي يمهد الطريق لاحدهم ليسلك طريق اللاخلاق، راميا بعرض الحائط المُثل العليا والعادات والتقاليد والاعراف؟ وهنا تحسم ” محروس ” ما يدور خلف هذه الاشياء قائلة على لسان احد شخوص قصيدتها:
” نفوسنا مريضة.. إذا امتلكت ملت، وجسدنا إذا اعتاد شَعر بالافتقاد والنقص ووفاء لاطباعنا البشرية..وجدّنا الاول ” قابيل” ، ما زلنا نسرح في معرض الشر والغدر. الانسان جشع بفطرته إن لم يلجمها يطلب اكثر وأكثر
يبحث دوما عن الجديد ها هنا.. ويلوح مغريا “.
وبريشة الروائية المحترفة المتعمقة في علم النفس التربوي، تتطرق الى سقوط احدهم في بئر اللا أخلاق. ويدخل مخدعَ من استدرجته ويخدعها، وما أن يسمع أزيز جرس الانذار، حتى يقفز مذعورا، وقد جف ريقه، فيجد بالقرب كاس ماء عفن تفوح منه رائحة الخيانة. كأس ربما شرب منه كثيرون قبله. وهنا تذكر الروائية جزئية ” جرس الانذار ” ويكأنها تشبهه بصحوة الضمير الذي مهما تورط المرء في المعاصي، فلا بد في لحظة ما، ان يرجع الى صوابه، ويمج ما قام به من عمل دنيىء. لم تفلح محاولات تلكم الزوجة المحترمة في ارجاعه الى جادة الصواب، فكان امرها انتقاميا.
في حالة يأس وقنوط من ارجاع المياه الى مجاريها، يأتي في بال تلكم الزوجة ” سيناريوهات ” عدة، لم يكن ما سلكته اقل دناءة مما قام به نصفها الاخر. فرمت شباكها على احد الجيران، ليس حبا في ذلك، إنما انتقاما لكرامتها، وجزاء لما لحق بها من اساءة من زوجها الذي غاص في مستنقع الدناءة. وهنا لبعض علماء النفس قول في هذا المضمار حول ماهية الخيانة. فجلهم يشاطرون ” محروس” نظرتها النفسية في سبر اعماق النفوس البشرية بشكل عام.
فهناك دراسات تنبىء عن ان للجينات الوراثية دور في السلوك غير السوي؛ وهذا ما قاله عليه السلام في ما معنى الحديث :” إياكم وخضراء الدمن” فهي المرأة الجميلة ذات المنبت السىء. وكما في حديث اخر: تخيروا نطفكم فإن العرق دساس. وهذا يكون له الدور الاكبر في مسألة الانحراف عند احدهما او كلاهما.
في دراسة كندية، وجد العلماء ان الاشخاص السعداء في علاقاتهم العاطفية هم اقل استجابة للمغريات الخارجية؛ الخارجة عن نطاق الاسرة.
مهما كُتب من مقالات في تحليل روائع الروائية والقاصة؛ المصلحة الاجتماعية “عنان محروس”، فلن نفها حقها؛ هي بحر متلاطم من الفكر والاصلاح، ولا يمل يراعها ولا يكل في متابعة قضايا الاصلاح المجتمي. فلعلنا يوما نغوص في جزئية اخرى مما يخطه قلمها من روائع.
سلطنة عُمان




1