أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
سماءُ الراعي أرض الخِراف!!
بقلم :  عبدالله عيسى ... 31.12.2020

-1-
وكأنّها هبطتْ إليّ، بِكَفّ أبي، إليّ معي
مِنَ السمَواتِ كاملةً
بأنهارٍ مِنَ اللبنِ المُصفّى بين أنفاسِ المواشي في التلالِ،
ورِيقِ أعشابٍ تؤاخي الماءَ في أثرِ الطيورِ،
وحكمةِ الغاباتِ،
والعسلِ المُعتّقِ في وصايا النحلِ،
بالضوءِ الّذي ينمو معافى في دُوارِ الشمسِ،
والمعنى الّذي عثرتْ عليهِ روائحُ الأزهارِ
في أوراقِ زيتونٍ تُرى بفمِ الحمامةِ ماتزالُ
على رواسي الفُلكِ.
لا الطوفانُ يأخذُ بيتيَ العالي على جبلٍ
يُسوّرهُ سلامُ النسرِ،
والصليبِ،
والكينا الّتي أمِنتْ لمُعجزتي
فصدّقها التُقاةُ،
وقاطعو الأرحامِ،
والمُتسوّلونَ،
وعابرو السبُلِ الّتي انقطعتْ.
ولا الزلزالُ.
تلكَ يديْ
أمُدّ لِسائلٍ كي تطمئِنّ لهُ الزواحفُ،
والعواسِجُ في الجبالِ،
وتَصْطَفيهِ الكائناتُ على شعوبٍ تجاوِرُنا.
أنا ابنُ الروحِ
حلّتْ في السماءِ برحمِ أمّي بي،
ومن أجلي
تنَسّمُ في المجَرّاتِ البعيدةِ،
والسواقي،
والهواءِ،
وعُزلةِ الغاباتِ،
رائحةَ الرضا.
ما عاد، كُرمى لي، يُميتُ
بما أتتْ تسعى بهِ أنباءُ حفّاري قُبورِ الأنبياءِ،
وراجِمي المَوتى،
وحُرّاسِ الخطايا،
كلّ مَيْتٍ.
ذاكَ شأنٌ، وانقضى.
-2-
وحيثُ ثمّةَ أشجارٌ تئِنّ،
ولا تخطو الطواحينُ، والأمطارُ أبعدَ من ظلالِها تلكَ،

ما جدوى مُكوثِكَ خلفَ حائطٍ لالتقاطِ منزلٍ آخرٍ ينهارُ
في صُحُفِ الرواةِ؟

لا تسقُطُ الأنهارُ في مدنِ الموتى فُرادى.
وما عساكَ ترى في كهفِكَ المُتخفّي خلفَ مُنحدرٍ
سوى خُدوشِ الخَفافيشِ الّتي ارتطمتْ بظلّ نظرتِكَ البلهاءِ؟
لمْ تنتبهْ أنّ الحياةَ تأخّرتْ
وأنتَ تنتظرُ العِجلَ المحمّلَ بالأسماكِ والملحِ،
أنّ ما تبقّى منَ الأحلامِ يفسُدُ كالهواءِ في عَرَقِ الإبْطَينِ.
لا شأنَ للجُدرانِ تلكَ بما أبقتْ مخيّلةُ السَجّانِ في سِيَرِ الأسرى.
وما دمتَ لا تنوي الوُقوفَ
لتأديبِ الجنودِ الّذينَ يمنعونَ الفَراشَ من زيارتِنا
كي لا يُقيمَ الربيعُ بيننا،
فلماذا تكتفي بِلعنةِ السِنديانةِ الّتي يبِستْ
مذْ حوّلوا جِذعَها مقابِضَ
لخناجرِ العُصاةِ، وأبناءِ الزِنى؟
لستَ منْ يأتي بمزمارِنا الأعمى،
وسِيرةِ قتلانا الّتي أرّقَتْنا إذْ نُنادى.
ألمْ ترَ؟
يجري الموتُ، مُذْ جِئتَ، بيننا بعَصاهُ
مثلَ نظْراتِ جنْدٍ خائِفينَ،
ويترُكُ القُرى والمراعي بينَ حربَينِ عُهدَةً
لأسلحةٍ مَثْلُومةٍ غَنِموها مِنْ قبائِلَ لمْ تعدْ تُجاورُنا.
فكُنْ إذنْ مثلَنا حتّى أراكَ
فما أنتَ الّذي قدْ رأى وحيي،
فَهادى.

1