أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
«السيمفونية الخامسة»… حكاية امرأة سارت تحت المطر!!
بقلم : نسرين بلوط ... 03.04.2017

لتهميش المرأة فصول طويلة شهدت عليها القرون حتى ألبستها ثوب سكينة يتلحّف دائماً بالطاعة العمياء والعهود المرَّة. ومن ناضل في قضيتها تعرّض لجلد السوط من ألسنة الجهل التي لطالما أضفت هالة التقديس للرجولة حتى لو كانت ضارية مستبدّة.
في مجتمعاتنا هناك من لقيت حتفها تحت اعتداء الرجولة الخادعة، أو من هرعت لرجال الدين فخذلوها، أو أصرّت على الطلاق ففعلت، ولكنها نُبذت من مجتمع سادي يضع لقب «مطلقة» في خانة الاحتقار المبرم.
عزة الحر مروة، جاءت من جباع، قرية صغيرة، تتّكئ برأسها على ساعدي جبل عامل، فتضفي سحر الشرق على لوحة الطبيعة. أثّرت تلك النشأة على هويّتها، فأدركت أنَّ الأنثى كيان في كل مكان، حتّى في الجماد والنبات،
وأنَّ كيانها حاضر ولكنَّه محاصر، بأنانية الشرق الذي يجلُّ الرجل ويضع كل التقاليد والمحرمات تحت نعاله.. وكما قال بيكاسو: «المرأة في نظري خليط من الاشكال والألوان» لأنه أدرك أنّها أصعب لوحة قد تزدحم فيها كل الصور وترسم بعدة وجوه واتجاهات، هذا الظلم الذي أطبق برحاه على كيان النساء، دفع الكثير من الكتاب الكبار «الذكور»، للاحتجاج والدفاع. فمثلا كتب عباس محمود العقاد رواية «سارة» التي ثار فيها لتحجيم المجتمع للمرأة، ودعا لتعليمها مساواة بالرجل. أيضاً قاسم أمين الذي نبش العلل في مجتمع الشرق، فوجد أن أعظم آفة هي في نظرته للمرأة.
عزة الحر مروة لم تكن امرأة عادية، لم تعتنق طقوس الذكورية وتستسلم لتمجيدها.. جعلت من الأغلال التي تقيد حركتها واعزاً لثورتها، كانت تسير تحت وابل المطر يعزف لها سيمفونية ثائرة تنشد العزم.. فجاء كتابها «السيمفونية الخامسة» ليلخّص رحلة عمر وزّعتها بين محطات النضال والمرض والفراق، ويتضمّن محاضرات ألقيت لتريق الظلم في آتون الظلام.
السيمفونية الاولى بدأت تُعزف حزينة خافقة بالألم في حياتها عندما كانت طفلة صغيرة جدا، وفقدت أمها وغاب عنها الصدر الذي كان يتأوّه حباً لها ويحنو عليها من هبّات الريح واضطراب الشجر. السيمفونية الثانية كانت رحلة الشرود مع الذات، والتنقيب في معجم الحياة عن كلمة «انثى»، التي طالما سمعتها تُهمس سرا كالخطيئة، وتُوارى في تمتمة الشفاه وتبعثر حركة الأنامل بخجل وارتباك، بينما تُنطقُ كلمة «رجل» باعتزاز الأبطال، واستعلاء الملوك.
السيمفونية الثالثة بدأت وقد وجدت لتساؤلاتها صدى بانضمامها للجنة الدفاع عن حقوق المرأة المنهوبة منذ الأزل، وتدرّجت بعطاءاتها حتى اصطدمت بسدٍّ منيع. وهنا انبثقت الحان السيمفونية الرابعة…فقد غافلها المرض الخبيث بلا سابق انذار، وكأنه بُعث ليقهرها ويجمد حراكها في قضية المرأة.. فصارعته حتى صرعته روحيا وخففت من وقعه جسدياَ.
وتهافتت الحان السيمفونية الخامسة تعلو حنيناً بقصة امرأة من زمن الرجال في شرق ظالم، كافحت وثابرت، حاربت وحوربت، وحققت الكثير ثم سلمت زمام الأمانة لمن سيأتي بعدها. هي اليوم رئيسة لجنة تحرير المرأة التي رعتها ورأستها سابقا السيدة المكافحة ليندا مطر.
لن يمرّ التاريخ دون أن نسجّل صوتاً. هكذا ترنّمت السيدة عزة، ونبذت عصر الحريم لتفتح قمقم القمع على مصراعيه وتهرّب منه الذات الأنثوية المقدّسة في كلّ الأديان، والمحتقرة في المجتمعات الشرقية. هي زمن في جعبة التاريخ حفرت في صخره بأظافرها، حتى انفلق وظهرت بين نتوءاته وردة جورية دُفنت منذ بدء البشرية… تسمى «امرأة».

٭ كاتبة لبنانيه
1