تأملت شعاع الشمس وهو يبسط ضوءه بخجل كان ذلك اليوم هو صبيحة العيد والذي عادة ما نحتفل به في زيارة الاحبة الذين غادروا الى الحياة الاخرى. حزن ثقيل كان يطبق على صدري قبل ان اسمع صوت كان يسكن احلامي حتى خلت أنني أحلم تغلغل الصوت اكثر الى داخلي حتى نسيت انني في حضرة اخي الشهيد فرائحة الحب نافذة واقوى من الموت. كتمت صرخة كانت ستخرج مني لولا انني تماسكت، فلم اصدق انني على موعد مع بذرة العشق في بلد المنفى وفي مكان لا يذكّرني إلا بوطني المتعب بالموت والقتل.
ظهر ذلك اليوم حاولت جاهدا ان افيق من الصدمة بابتسامة فرح لكن الصدمة كانت اقوى مني، عبثا حاولت الهرب من الافكار التي كانت تزعجني، اخذت نفسا عميقا لأشعر بنفسي، لكن خطوات صغيرها كانت تحفر بذاكرتي وهو يقترب مني مقدما لي كعكا عن روح الشهيد، تمنيت لو انني لم التق بها اذ كنت سأنهار وانا امضي حزينا متجردا من كل مشاعري، اقنع نفسي بأن اخبارها لم تعد تؤرقني سلبا او ايجابا، وقد اصبحت قصتي معها مجرد ثرثرة وحكايات.
كان عمري يقترب من السابعة عشر حين دق قلبي لأول مرة وكانت تصغرني بعامين. تعلقت بها وكأنها مني وتوالت الايام وانا ارقب بعيني ذهابها وإيابها من والى المدرسة وانتظار ذلك اليوم الذي سأحدثها به، اذ بالكاد كنت اعرف اخبارها من قريبة لي كانت صديقة لها.
دوما شكرت الله على ضياء الشمس ونقاء الهواء اذ اكتسبت معها قدرة كبيرة على الاحلام الجميلة.
لقاءات عديدة جمعتنا وأحلام كبيرة نسجناها معا، كنت احافظ عليها حتى انال ثقتها وطمعا مني بلقاءات متجددة، فأرضى بالسير معها مكتفيا ببهجة الاستماع، يكفيني منها إحساس الرعشة التي كانت تقبض على كل كياني حين كانت تتحدث بعذوبة ودلال حرف القاف الذي كان يسكن على شفتيها. كم كنت احلم يومها لو ان ايدينا تتعانق كما هي قلوبنا.
اتذكر يوم اخبرتني بيوم عقد قرانها كيف غامرت ووقفت انتظر على باب بيتهم من اجل رؤيتها ولولا تحذير جارتهم لكنت اليوم في عالم الاموات.
نيران الحرب بدأت بحياتي قبل ان تبدأ بوطني سوريا، اذ ان قلبي حين انشغل بها لم يكن يعنيني اختلاف الطائفة التي كنا ننتمي لها. كنت اعتقد ان هناك انفتاح وحسن جوار وحق السؤال دونما تمييز بيينا، وكنت ارى ان الامور تسير على خير في كافة النواحي دونما تعقيد.
لم احصد معها إلا حظي! ولم احصد من وطني إلا عطره وقد غدا ساحة حرب.
والدي اخذ قرار اللجوء بعد اصابة اخي واستشهاده خوفا علينا من الموت لان نيران الحرب لم تكن لترحم كبيرا ولا صغيرا.
لم اعد ادري ان كان ذلك اليوم الذي كان نهاية لقصتنا هو الاجمل ام الاسوء في حياتي اذ انني ومن غير قصد مني شعرت بأن وطني مليء بالمتناقضات وان هناك من يشعل الكراهية بمخططات يمكنها ان تتحول الى صراع ديني وسياسي. وقد كان ما كنت أخشاه فالوطن غدا عطرا لأيام خلت.
وطني وقد غدا عطرا !!
بقلم : عبلة عبدالرحمن ... 25.05.2015