أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مختارات من الأدب السوداني في مطالع القرن العشرين !!
بقلم : ممدوح فرّاج النابي  ... 07.03.2015

الكتاب يتناول مختارات من الأدب السوداني متوقفا عند فترة الثلاثينات لأهميتها الزمنية من تاريخ البلد بما اتّسمت من إرهاصات النهضة الحاضرة.
كان لفوز حمّور زيادة بجائزة نجيب محفوظ عن روايته شوق الدرويش لهذا العام 2015، أثره في إبراز الأدب السوداني الجديد للواجهة على مستوى الإيجاب، وإن كان قد كشف على مستوى السّلب عن هشاشة وعوار المشهد الثقافي العربيّ، الذي مازالت ذاكرته متوقفة عند محطة الطيب صالح في الرواية، والفيتوري والبشير التيجاني في الشعر، ورغم حالة الحراك الفاعل في الأدب السوداني وتصدر أسماء جديدة لا تبدأ بأمير تاج السّر أو حتى تنتهي عند حمّور زيادة وجيله من المبدعين كعبدالعزيز بركة ساكن، ومنصور الصوّيم وعماد البيلك ومن تلاهم كسارة الجاك وغيرها من أجيال شابة صارت فاعلة بإنتاجاتها الثقافية.
تأتي أهمية الكتاب الصادر حديثا عن مجلة الدوحة بعنوان «مختارات من الأدب السوداني» عدد فبراير 2015، انتخاب وتقديم علي الملك، لتقديم لمحة عن أدب إقليم يمثّل رافدا مهما للثقافة العربية التي كانت تتصدرها مقولة رائجة قديما، وإن اختفت حاليا «أن مصر تكتب ولبنان تطبع والسودان تقرأ».
أسباب النهضة
يطرح الكاتب في المقدمة القصيرة التي صدّر بها الكتاب، منهجه في الانتخاب، ورؤيته لهذه المنتخبات التي يقدمها بين يدي القارئ والتي تضم النتاج الأدبي الذي ظهر في آخر العشرينات وبداية الثلاثينات، مما نشر في مجلتي النهضة والفجر؛ لما تمثلان من بواكير نهضة فكرية سودانية تتسم بالدعوة الإصلاحية، يلفت الكاتب الانتباه إلى أهمية موقع مصر ودورها في بزوغ أدب جديد في السودان يستمد وقوده من حركات النهضة والتجديد التي قاد لواءها محمود سامي البارودي، وهو ما أسهم في إلهام أدباء السودان روح التجديد وهم يقرأون في الصحف للعقاد والمازني وطه حسين. وهناك من دعا الأدباء المصريين إلى وجوب الاهتمام بأدباء السودان وما يكتبون كما في فعل البشير التيجاني، وهو ما يشير إلى موقع مصر في قلب ووجدان السوداني، وإن كان يعلو صوتها أحيانا ويخفت أثرها في بعض الأحيان إلا أنه في النهاية لا يزول.
يستفيض الكاتب في ذكر أسباب النهضة الأدبيّة في السودان، ويرجعها أولا إلى بداية التعليم وإنشاء كلية غردون التي أتاحت لطلابها دراسة اللغة الأنكليزية، وقيام المعهد العلمي بتهيئة الدارسين لمعرفة اللغة والفقه والشريعة الإسلامية، ثم صدور الصحف والمجلات، التي كان أهمها مجلة النهضة التي صدرت عام 1931، ويحرّرها محمد عباس أبوالريش، ثم جاءت من بعدها مجلة الفجر عام 1934، والتي كان يقوم بتحريرها عرفات محمد عبدالله.
يوضح الكاتب أسباب وقوف المختارات عند فترة الثلاثينات، لأهمية هذه الفترة الزمنية من تاريخ السودان، بما اتّسمت من “إرهاصات النهضة الحاضرة، بجميع مظاهرها من أدبي واجتماعي وتاريخي وسياسي وفلسفي” كما أدرك أبناء هذا الجيل بعد تجربة ثورة 1924، أن الحركة القومية السياسية تحتاج لكي تنمو وتشتدّ إلى ثقافة حقّة، وأدركوا أن الإطلاع والدراسة هما أفضل السّبل لنيلها كما يقول محمد أحمد محجوب في مقالته “نحو الغد”.
الكتاب يأتي في ثلاثة أبواب
يأتي الكتاب في ثلاثة أبواب، يحوي الباب الأول بعضا من المقالات المهمة التي نشرت في مجلتي النهضة والفجر، لأسماء مثل أحمد يوسف هاشم، ومحمد عشري الصديق، ومعاوية محمد نور ومحمد الطيب، وجمال محمد أحمد وغيرهم، وقد كانت مقالاتهم تبحث في بعضها عن أسباب هذا الركود الذي تعانيه السودان فيستنهض أحمد يوسف هاشم الهمم، حيث يرى أن الله منّ على السودان من المرافق الحيوية والاستعداد الفطري، وهو ما قابله الحضيض العمراني والاجتماعي والمالي في تناقض غريب، وإن كان أرجع هذا إلى «الترف الكاذب» كما عنون مقالته، نفس الشيء يفعله محمد عشري الصديق في مقالته “ماذا وراء الأفق؟” والتي يستنهض فيها الهمم، دافعا بالتذكير لما قدمه الوطن للسوداني، وما عليهم من حقوق تجاههم، مبصّرا بفضل هذا الوطن النبيل القديم والعريق، مقارنا حال السودان بغيرها من الأمم في المشرق والمغرب وجميعها تتطور تطوّرا عميقا، بما تتخذه من أساليب تساعدها في تحقيق ما تطمح إليه من رقي وعظمة، أما في السودان فيعجب رغم أنها تقع في هذا الشرق الذي ينهض إلا أنه مع الأسف تقع في الشرق الجامد الذي لا يتطوّر بخلاف الشرق الناهض الذي تتبعه مصر وتركيا والهند واليابان والصين والأفغان، لذا ينتهي بدعوته الصريحة: «فلنعمل إذن»، أما معاوية محمد نور فيكتب «في الخرطوم خواطر وذكريات محزونة» والتي تبدو للقارئ أنها ذكريات إلا أنها في الحقيقة أشبه بمناجاة للنيل الذي تتحرك مياهه هناك وهناك، في مقابل جمود الحركة في السودان، وهو ما يبعث على التأمّل والتفكير.
أما محمد أحمد محجوب فهو ينظر نظرة مستقبلية إلى سودان الغد في مقالته «مثل عليا للحياة السودانية المقبلة»، ويناقش فيها المشاكل الراهنة التي تعتري الأوساط الاجتماعية حيث الأم جاهلة في البيت، والثقافية حيث الصراعات بين الأدباء والنميمة تسري في مجالسهم، وكذلك الأوضاع السياسية غير المستقرة حيث ثلاث حكومات في فترة وجيزة، والاقتصادية حيث الأوضاع المعيشية التي لا تساعد على حياة اجتماعية سعيدة بسبب الفقر والكفاف، وهو ما يضطره إلى التساؤل: ما هي طريق الإصلاح؟ وما المثل الأعلى الذي يحقّ علينا أن نضعه لحياتنا الاجتماعية ونتبعه؟ وجوابه يوجزه في الأسرة موضحا الدور الذي ينبغي أن تضطلع به لهذه المهمة إلخ..
الشعر والقصة
أما الباب الثاني فقد قصره المؤلف على الشعر، وتميّز بوفرة المختارات، حتى أن بعض الشعراء يختار لهم أكثر من قصيدة، ومرجع هذا كما وضّح الكاتب إلى أنّه من أكثر فنون الأدب السوداني وفرة وتطوّرا، فقد عرف السودان منذ مطلع القرن العشرين شعراء كثيرين، تبدلوا على كافة المدارس والمذاهب وهو ما يعكس نهضة شعرية رغم جمود الحياة السياسية، كما إن التطور لم يقتصر على عمود الشعر وبنيته الداخلية، بل شمل أيضا الموضوعات التي تطرق لها الشعراء، والتي كانت تقترب من ذات الموضوعات التي شغلت الشعراء العرب في مصر وبلاد الشام والعراق، فمثلما كان هناك شعراء اعتنوا بجزالة اللفظ، مثل العباسي والبنّا، كان هناك أيضا من غلبت على قصائدهم الموجة الرومانسية التي غلبت على شعراء أبوللو والمهجر وما تخللها من نظرات حنين وتأمل وحكمة في بعضها، كما هو واضح عند محمد أحمد محجوب وقصيدته شاعر، التي يقترب فيها من ذات المعاني التي حلّق فيها إيليا أبوماضي.
كما يتطرق إلى تأثر الشعراء العرب بشعر المقاومة الفرنسية ثم ما وصلهم من شعر لوركا وناظم حكمت وبابلو نيرودا، وأيضا من الكتاب كمكسيم جوركي وخاصة روايته الأم، وجون شتاينبك وغيرهما.
أما ثالث الأبواب فقد اعتنى بالقصة التي تلت الشعر في الظهور حيث يعزو الدور لظهور هذا الفن إلى عثمان علي نور، الذي بدأ كتابة القصة جادّا وأخلص لها دون أن يجرّب أي فن آخر. ورغم أن مجلتي النهضة والفجر أفسحت مساحة للقصة على صفحاتها لكنها لم تماثل الشعر والمقالة.

1