أحدث الأخبار
السبت 27 نيسان/أبريل 2024
وحدات.. أم فيصلي؟
بقلم : سهيل كيوان ... 31.08.2023

احتلت دولة الاحتلال رويداً رويداً دور البلد الاستعماري الكبير، وصارت مثل الدول العظمى بريطانيا وأمريكا وفرنسا، التي تتملّق لها الأنظمة كي تضمن مساندتها لها في تعزيز سلطتها، أو وساطتها لدى من هم أكبر منها.
رد الفعل الجماهيري في ليبيا على اجتماع وزيرة الخارجية المقالة رجاء المنقوش مع وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين، الذي فضحه، كي يفخر من جانبه بإنجازات حكومته الفاشية، ويظهرها كحكومة ناجحة دون أي اعتبار لخطورة الأمر بالنسبة للمنقوش، ولا لغضب الأمريكيين، هو النبض الحقيقي للشعب الليبي، وهو موقف يمثل الشعوب العربية كافة، التي ترفض الانحياز للظلم، أي ظلم كان، خصوصاً الذي يتعرَّض له الشعب الفلسطيني، وهو الذي يمسُّ المشاعر الإنسانية والقومية والدينية.
مهما حاولت الأنظمة أن تزيِّف إرادة الشُّعوب العربية، من المحيط إلى الخليج والشَّتات رغم ما تمرُّ به من أزمات وصلت إلى حد المجاعة في اليمن، ترى في قضية فلسطين جزءاً من معركتها لأجل حرِّيتها هي، بل هي فرصة للتعبير عن رغبتها هي نفسها في الحريّة، وحيث يمنع النظام، أي نظام عربي، الجماهير من معارضته ويقمعها إذا رفعت رأسها، فإنها تجد في التضامن مع الفلسطينيين فرصة للتعبير عن رفض الظُّلم بما في ذلك الظلم الذي تتعرض له هي نفسها من أبناء جلدتها في السُّلطة، وتلجأ إلى الاحتماء بالمقدَّس الذي هو مدينة القُدس للتعبير عن رفضها للظلم، وهو التعبير الذي يصعب على النِّظام رفضه أو قمعه، ولكنه يتدخل فوراً للقمع، إذا انزلقت الهتافات ضدَّه بصورة مباشرة. هذه المعادلة تعني أن الشُّعوب العربية تدرك أنّ الاحتلال وأنظمة القمع شركاء، بصورة مباشرة أو غير مباشرة وعبر قنوات أخرى، وأن الاحتلال يخدم الأنظمة في مواجهة شعوبها، مقابل أن تخدمه وتتواطأ معه في احتلاله، وتخفيف حدَّة الغضب الشعبي تجاهه، وتتواطأ معه رسمياً، من خلال اتفاقات التطبيع والتخفيف الإعلامي والدبلوماسي على الساحة الدولية في مواجهة جرائمه.
وحدات أم فيصلي!
تُنشر على صفحات التواصل الاجتماعي بين حين وآخر، هتافات مئات الآلاف من جماهير كرة القدم المتعاطفة مع فلسطين، على كلِّ مدرَّجات العالم العربي. جمهور الفيصلي الأردني يهتف القدس عربية، كذلك جماهير الفرق الأردنية الأخرى الرمثا والسّلط وغيرها، خصوصاً في مباريات مواجهة مع فريق الوحدات لتؤكّد على أن فريق الوحدات (من مخيم الوحدات) لا يحتكر محبته للقدس ولفلسطين. لقد سادت فكرة قديمة بأنَّ الفيصلي والوحدات نقيضان، قد يكون هذا صحيحاً في كرة القدم، التي لا ترحم، وتقسم حتى الأخوة في البيت الواحد، مثل المنافسة التاريخية بين الأهلي والزمالك المصريَّيْن، وهي ظاهرة عالمية، هنالك فريق يعتبر نفسه من الطبقات الشّعبية، وآخر يُعتبر ابن السُّلطة المدلّل، لكن ما يقوله ويهتف به جمهور الفيصلي وغيره من فرق الأردن يوحّد الجماهير، ويؤكد على القضية القومية الكبيرة، وفي مركزها القدس ذات الثقل التاريخي القومي والديني، ولا يختلف حولها اثنان، وأن جمهور الوحدات لا يستطيع احتكار قضية مركزية مثل قضية القدس والأرض المحتلة لنفسه. هذا ما تهتف به جماهير كرة القدم بين حين وآخر في كل البلدان العربية من دون استثناءات، وتجلّى هذا في مونديال قطر، حيث توحَّدت الجماهير العربية كلها رياضياً وراء فريق المغرب، وهتفوا كلهم لفلسطين.
ترى الشّعوب العربية في القضية الفلسطينية جزءاً من قضاياها، فمن يحتل فلسطين أو يدعم هذا الاحتلال ليس بمعزل عن مشاكلها، وعرقلة وصولها إلى طموحاتها في الحرية والعيش بكرامة، وبالتالي فدولة الاحتلال تمثِّل إحدى الأذرع التي تتدخل في مشاكلها الداخلية، وتشكل عنصراً مهماً في قمعها بصورة غير مباشرة، بل في أحيان أخرى بصورة مباشرة من خلال تزويد الأنظمة بأجهزة قمع وتجسُّس متقدمة، وتنسيقاتٍ أمنية هدفها قمع طموحات الشُّعوب العربية، بل وعبر العالم وليس العربية فقط. الشُّعوب العربية بلا استثناءات بما في ذلك تلك التي عقدت حكوماتها معاهدات سلام مع دولة الاحتلال، تعبِّر كلَّما لاحت لها فرصة عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، في مناسبات رياضية واجتماعية أخرى، أو في ردود فعل على جرائم الاحتلال، إنها إرادة الشُّعوب العربية وحقيقة مشاعرها التي لن يستطيع تزييفها أو طمسها أي تجاهل إعلامي عربي رسمي، أو تنسيق أمني سرِّي أو علني مع دولة الاحتلال وممثليها.

1