أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
فوق الزلزال ضحكة وشماتة بشار!!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 19.02.2023

يقول تولستوي: «في مآسي الآخرين وانكسارهم، إياك أن تبتسم، تأدب في حضرة الجُرح. كن إنساناً أو مت وأنت تحاول». لكن ما يسمى «الرئيس السوري» ضرب عرض الحائط بنصيحة تولستوي الشهيرة، ولا شك أن ملايين العرب وخاصة السوريين انتبهوا وانصدموا بالابتسامات المستفزة التي كان يوزعها بشار وهو يزور، وبعد تنبـّه وسمع باليوم الخامس بالزلزال، المناطق المنكوبة في محافظة حلب السورية، وللعلم فإن معظم الأبنية التي سقطت هي التي كانت قد تصدعت سابقاً من القصف البراميلي الذي تعرضت له على يد هذا المجرم، فبينما كان مئات الألوف من السوريين يفترشون العراء في ظروف جوية غير مسبوقة برداً وصقيعاً وثلوجاً وجليداً، وبينما كان الآلاف تحت الأنقاض، أطل بشار برفقة زوجته وهما يوزعان الابتسامات والقهقهات والضحكات العريضة أمام شاشات التلفزيون وكأنهما بالأوسكار أو في حفلة «زار»،، وظهرا في غاية السعادة والتشفي لحدوث هذا الزلزال الذي دمـّر المناطق المحررة وشرّد مئات الألوف من سكانها للمرة الثانية، ففي المرة الأولى حرق بشار وعصابته مدن الشمال بالبراميل المتفجرة بالتواطؤ مع حليفه الروسي الوحشي وهجّر الملايين من بيوتهم، وفي المرة الثانية أكمل الزلزال «معروفه» مع هؤلاء المساكين، مما جعل بشار يتنفس الصعداء ويشعر بالانشراح فما عجز عنه قام به الزلزال، وكأنه يقول في سره: لقد أراحني الزلزال من استخدام الطائرات والبراميل لحرق ما تبقى من مناطق المعارضة. وللعلم هذا الكلام ليس مجرد افتراء مطلقاً على ما يسمى برئيس سوريا، فقد ردد شبيحته على صفحات النظام هذه الجملة عشرات المرات. لقد ظهرت الشماتة في أقسى صورها في منشورات الشبيحة الموالين للعصابة الحاكمة، وكلهم كانوا يقولون: شكراً للزلزال الذي وفر علينا مزيداً من البراميل المتفجرة. ولو لم تكن مخابرات النظام التي لا شغل لها سوى متابعة كل المنشورات على مواقع التواصل لو لم تكن سعيدة بالمنشورات الشامتة بضحايا الزلزال، لكانت قد تدخلت ومنعت كتابة أي منشورات تتلذذ بكارثة الشمال السوري. ولا ننسى أن حكومة النظام سنت قوانين قراقوشية صارمة لمعاقبة أي سوري يكتب منشورات تعتبرها مضرة بما يسمى بالوحدة الوطنية، لكن مخابرات بشار تركت آلاف الشبيحة يفرّغون حقدهم على الأطفال السوريين العالقين تحت الأنقاض أو الذين لا يجدون لقمة الخبز في المدن والقرى التي حوّلها الزلزال قاعاً صفصفاً. ولطالما قرأنا منشورات تقول: إن الزلزال جاء عقاباً للإرهابيين في الشمال السوري أو داخل تركيا. تصوروا أنهم يعتبرون أكثر من تسعة ملايين لاجئ سوري موزعين بين شمال سوريا والمدن التركية إرهابيين. وعندما حاولت بعض فرق المتطوعين اللبنانيين دخول سوريا عن طريق مدينة حمص لإغاِثة المنكوبين أوقفتهم أجهزة الأمن السورية ومنعتهم من التوجه إلى المناطق المنكوبة وقالت لهم حرفياً: «هؤلاء إرهابيون دعوهم يموتون، أنتم ما خصكم» وهذا ما أكده، حرفياً، فيصل المقداد وزير خارجية بشار الأسد في مقابلة متلفزة.
هل عرفتم الآن لماذا كان بشار وزوجته في غاية النشوة وهم يزورون المناطق المتضررة في حلب بروح احتفالية بعد خمسة أيام على الكارثة، نعم بعد خمسة أيام؟ قارنوا بين تصرف الرئيس التركي أردوغان الذي بدا في غاية الحزن والتأثر والألم وهو يزور الولايات التركية المنكوبة هو وكل وزرائه ومسؤولي الحكومة الكبار والصغار دون استثناء، وبين بشار الذي ذهب إلى حلب لالتقاط صور السلفي، كالمراهقين، ونجمات «التيك توك» المتصابيات مع شبيحته والمارة في شوارع المدينة والاستمتاع بهتافات المطبـّلين والمزمـّرين المأجورين، ولا عجب في ذلك، فلا يمكن أن تتوقع ممن قتل وشرد وعذب واعتقل أكثر من نصف الشعب السوري أن يهتم بمحنة آلاف المنكوبين في كارثة الزلزال، ويظهر ذرة من التعاطف والمواساة والعزاء معهم. وحتى المعونات العربية والدولية التي وصلت إلى سوريا عبر النظام لم يصل منها شيء لا لمناطق المعارضة ولا حتى للمناطق المنكوبة التابعة للنظام بشهادة الشبيحة أنفسهم، فقد اشتكى كثيرون من أنهم شاهدوا بأم أعينهم المعونات العربية وهي تباع في الأسواق السورية بأسعار خيالية بدل إيصالها إلى مستحقيها، وتحفل صفحات السوشال ميديا بآلاف الصور لتلك المواد الإغاثية معروضة للبيع بشوارع المدن المنكوبة، وامتلأت صفحات تلك المواقع بصور قناني الزيت والحليب والبطانيات التي تملأ الأسواق والأرصفة في العديد من المدن السورية. من المسؤول عن المتاجرة بالمساعدات العربية في الأسواق السورية؟
أليس القصر الجمهوري ومخابراته التي لا يطير طير إلا بأمرها ومعرفتها وموافقتها؟ لماذا باعوها بدل توصيلها للمحتاجين؟ هل يعقل أنهم يتاجرون حتى بقوت ضحايا الزلزال؟ نعم هذا صحيح، وليس جديداً أن تتاجر هذه العصابة الحاكمة بالخراب والدمار. وقد اعترف بشار في أحد لقاءاته دون خجل إن قيمة الليرة السورية تدهورت أمام الدولار بعد أن خرجت العصابات الإرهابية من سوريا، لأن تلك العصابات كانت تحصل على ملايين الدولارات من الخارج مما كان يساهم في دعم سعر الليرة السورية ويحرك الاقتصاد. قال بشار هذا الكلام وكأنه يتحسر على وقف الحرب لأن الوضع الاقتصادي وقتها كان أفضل من اليوم بكثير بعد أن توقفت الحرب ولم تعد تدخل الدولارات إلى سوريا. يبدو وكأنه يحن إلى تلك الأيام الخوالي التي كانت تدعم ليرته واقتصاده. واليوم يبدو أن بشار وعصابته تنفسوا الصعداء وشعروا بالارتياح الشديد بعد الزلزال، لأنه جلب لهم مساعدات مالية وعينية كبيرة ساعدت في إنعاش الاقتصاد والليرة. وفعلاً لأول مرة منذ سنوات ارتفع سعر الليرة مقابل الدولار بسبب تدفق ملايين الدولارات إلى الخزينة. باختصار هذا نظام لا يعيش ولا ينتعش إلا على الخراب والدمار والكوارث مثله مثل محلات دفن الموتى.
والأنكى من ذلك أن الطاغية الذي سلطه مشغلوه على السوريين بدل أن يفعل ما فعله أردوغان بالتخفيف من كارثة السوريين وتقديم الوعود لهم بإعادة بناء منازلهم التي دمرها الزلزال أو تقديم مبالغ عينية، راح يتهم الغرب بأنه يفتقر للإنسانية، ويا سلام عليه وعلى إنسانيته وهو يرقص طرباً، ويتمايل جزلاً، ويوزع ابتساماته وهو يتجول بين الأنقاض. تصوروا أن بشار يحاضر بالإنسانية. ونحن للأمانة نتفق معه في هذه الجزئية، فالغرب فعلاً لا يمتلك أي ذرة إنسانية لأنه ترك طاغية الشام على مدى اثني عشر عاماً يذيق السوريين شتى أنواع القتل والإجرام والاعتقال والتهجير بالملايين دون أن يرف له جفن. نعم الغرب بلا إنسانية لأنه وقف يتفرج على جرائم بشار بحق شعب كامل دون أن يحرك ساكناً.
لقد تكوّن لدى السوريين جميعاً، وخلال عقدين ونيف من الزمن، تصوراً كاملاً وشبه تام عن طبيعة هذا الشخص النرجسي وعلله النفسية، وبات الجميع يدرك مدى حقده، وحقد أبيه المتأصل ضد أهل سوريا الأصليين، ويعلمون مدى عبثه وطيشه الصبياني، وافتقاره لأي قدر من الأدب والحس السليم، لكن أحداً ما، لم يكن ليتصور أو يتخيل، وفي أسوأ الأحوال، أن لديه هذا الكم الهائل من الرعونة والتوحش والاستهتار والاستخفاف بحياة البشر ومآسيهم وأرواح البسطاء والسكان الآمنين لتبلغ به الوساخة والسفالة حد الشماتة والتشفي والقهقهة وتوزيع الابتسامات ورائحة الدم واللحم البشري حواليه، وهو يرى أمام عينيه أطفالاً ونساء وشيوخاً وآدميين يئنون ويصرخون وينازعون تحت ركام الأبنية التي كانت قد تضعضعت سابقاُ من براميله ومن براميل صديقه مؤسس عصابة فاغنر «أبو علي بوتين» الروسي.

1