أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
في كل صباح عندما أستيقظ...!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 26.01.2023

في كل صباح عندما أستيقظ
أعّد كم قتلوا في الليل ونحن نيام،
أتأمل وجوههم في صفحات الأخبار، وأتخيّل أنهم كبروا وتزوجوا وكم أحبوا أطفالهم وطفلاتهم، ثم تدوي رصاصات أسرع من الصوت فتخترق صدورهم ورؤوسهم.
القنّاصة مولعون بالتسديد على رؤوس الفلسطينيين، وكلّما كانوا صغارا كان ذلك أكثر جدوى وبهجة وإسعادا لرّب الجنود!
أين يقيم رّب الجنود؟
ليس في السماء، ولا في مكان على الأرض،لا ..إنه في الرصاصة، في القنبلة، وفي ما تسقطه الطائرة من صواريخ على نسل كنعان...
في الليل والطائرة توّن ونينا طويلاً، يعلو وينخفض، ويبتعد قليلاً ثم يعود ويهجم علينا، دفنت وجهي في التراب، كان أهلنا قد هربوا بنا، والأمهات احتضنّ أطفالهن، وأنا كنت بلا أُم فاحتضنت نفسي، وبكيت على أمي التي رحلت وتركتني، و..بعد مرّات،رغم الخوف، فتحت عيني وركزت نظري على النجوم الغائرة في العتمة، وحقدت على الطائرة التي ألقت قيزانا سقط قرب تلك المرأة من قريتنا التي عرفت أن يدها بترت.
قلت لها امرأةعمي: خذيه معك..ينوبك ثواب، يتيم ليس لوالده سواه..ردّت المرأة: كيف آخذه معي إلى الخليل؟ وماذا لو حدث لي سوء، أين أتركه؟ تركتني..ووصلت إلى الخليل بيد واحدة، وفي مخيم الدهيشة عرفتها، هي أخبرتني..قالت : افتديتك بذراعي..الحمد لله أني لم أهتم بتوسل امرأة عمك..وإلاّ كانت الشظيّة قتلتك بدلاّ من قطع ذراعي!
آنذاك لم نكن نعرف ما هي الطائرات التي تبحث عنّا في الظلام، ولا كيف تقتل رصاصة صغيرة بني آدم كبيرا، ولكننا عرفنا أن آلآباء بقوا في قريتنا، ذكرين، ليصدوا المهاجمين، وأننا نختبئ في الكهوف والوديان حتى لا تقتلنا الطائرات والرصاص...
مُذذاك وهم يطاردوننا بطائرات أسرع من الصوت،بصواريخ أكثر تدميرا، ليقطعوا نسلنا تماما.,.
منذ أربعة وسبعين عاما وهم يقتلوننا، فيموت أفراد منّا، عشرات، مئات، ألوف ..ألم يقتلوا ألوفا في صبرا وشاتيلاّ؟!
دائما ضاعفوا الأعداد، ثم اكتشفوا أن الصغار يتذكرون ويورثون ذكرياتهم لذاكرات من يولدون تحت الخيام، وتحت الاحتلال، وفي الشتات القريب والبعيد!
ما العمل مع هؤلاء الفلسطينيين؟!
قتلهم جميعا، من البداية، من الطفولة لأن الرهان على أن الكبار يموتون والصغار ينسون رهان خاسر مع هؤلاء البشر، فأخطر ما يمتلكونه الذاكرة التي تتذكر، ولا تسامح..إنهم يريدون كل مافقدوه، فما العمل معهم؟
نريد جيشا من القنّاصة يسددون إلى رؤوس أولادهم وفتيانهم، و ..لكنهم يتزايدون ويقتحمون مدننا التي يقولون أنها مدنهم، ويشتبكون مع جنودنا وشرطتنا وأجهزة أمننا و..يحتلون مدننا لساعات،ويربكون حياتنا، إنهم في واقع الحال يسخرون منّا ومن قوتنا وأجهزتناالأمنيّة، وطائراتنا الأمريكيّة المتفوقة...
رأس الفلسطيني يتذكّر..ويخطط، ويبدع.
رأس الفلسطيني يرتفع عاليا، ونظره لا ينكسر..ويرى كل فلسطين من نهرها لبحرها، وعندما يسند ظهره إلى جذع زيتونة ليرتاح قليلاً فإنه يسمع وشوشات أغصانها: ارتح قليلاً واعمل كثيرا..فينهض ويمضي للاشتباك مع أعداء الزيتون.
يمضي الفلسطيني، الفلسطيني الفتى، وارث سّر الذاكرة وهو يُنشد: أنا حتفهم يا وطني، أنا ابنك يا فلسطين..لن يقتلنا الموت، ورؤوسنا ستتكاثر حتى يعجز رصاصهم عن اختراقها..هذه الحرب ختامها لنا من رأس الناقورة حتى أم الرشراش، أي كل فلسطين قلب الوطن العربي الكبير، وحتى ذلك اليوم، يوم النصر المؤزّر نستمر في مقاومة تتصاعد يوما بعد يوم، وليس لهذا العدو إلاّ حمل طائراته وصواريخه وقنابله الذريّة ومفاعل ديمونة والرحيل كما كانت نهاية الغزاة الصليبيين..والمغول..والإنقليز...
إنها فلسطين قاهرة الغزاة وطاردتهم، وأرضها أرض البطولة والشهادة،أرض الأمة التي تتجدد وتنهض وهي تقاوم..ومن فلسطين يكون نهوضها.

1