أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
لماذا يتهافت الشباب العربي على «تيك توك»؟!!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 21.01.2023

ليس هناك شك بأن تطبيق «تيك توك» الصيني الذي يجتاح العالم العربي بشكل مخيف، لا شك أنه يكسر كل المحرمات والمقدسات بكل أنواعها، وخاصة الاجتماعية منها، والبعض يعتبره «مزبلة متحركة» لما يحويه من تفاهات وترهات وسخافات مبتذلة، وهناك من يصفه بأنه أشبه بموقع إباحي لأنه يسمح بفيديوهات لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الإباحيات صوتاً وصورة اجتماعياً وحتى جنسياً. ولعل الحرية المنفلتة من عقالها تجعل هذا التطبيق يتفوق على بقية التطبيقات الغربية كفيسبوك وتويتر وانستغرام وسواها، فبينما تعمد مواقع التواصل الغربية إلى وضع ضوابط صارمة على متابعيها، يترك التطبيق الصيني الحبل على الغارب لرواده، وخاصة خارج الصين، فبينما تمنع الصين تطبيق «تيك توك» بنسخته الخارجية داخل البلاد، تسمح بتطبيق آخر منضبط ويخضع لمراقبة صارمة من الدولة، بحيث يكون تأثيره على النشء الصاعد والمراهقين والشباب تأثيراً إيجابياً حسبما تزعم بعض المصادر. وللأمانة العلمية، هذا بحاجة لتأكيد من مصدر موثوق.
لكن لو بقينا في التطبيق الصيني الذي صدرته الصين للعالم منذ سنوات، لوجدنا أنه الآن يحتل المرتبة الأولى بين الشابات والشباب العربي، وحتى الغربي، فقد بدأت أمريكا منذ فترة تحارب ذلك التطبيق بشراسة بحجة أنه يهدد الأمن القومي الأمريكي، ولا ندري إذا كانت الولايات المتحدة تخشى فعلاً من التأثيرات الأمنية للمنتوجات الإلكترونية الصينية أم إنها باتت تخشى من سيطرة التطبيق الصيني على الشباب الأمريكي ومنافسته لمواقع التواصل الأمريكية؟ وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة كيف بدأت تتسابق بعض الولايات الأمريكية على حظر التطبيق، ولا ننسى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عرض على الصين شراء التطبيق، لكنها رفضت بيعه، مما حدا بالإدارة الأمريكية إلى البدء بمحاربته على أراضيها. وإذا كانت أمريكا صاحبة الذراع الإعلامي الأول في العالم وتهيمن على خمسة وسبعين بالمائة من المنتوج الإعلامي العالمي تخشى من التطبيق الصيني إعلامياً وثقافياً، فما بالك بالعرب الذين ليس لديهم أي ذراع إعلامي في مجال التواصل الاجتماعي، وبالتالي هم عرضة لكل أنواع الاختراقات الإعلامية والثقافية منذ عقود وعقود.
تعالوا الآن نتكلم عن اجتذاب «تيك توك» لملايين الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، فإذا كان الشباب الأمريكي يتسابق على تنزيل التطبيق والاستمتاع بمواده، وهم لديهم من الرعاية والمناعة والحرية الاجتماعية والثقافية والإعلامية أضعاف ما لدى الشباب العربي، فكيف إذاً نلوم المراهقين واليافعين العرب على لهاثهم وراء «تيك توك»؟ ماذا بقي للجيل العربي الصاعد غير اللجوء إلى تلك التطبيقات المنفلتة بعد أن أصبح محاصراً في حياته من كل حدب وصوب دون وجود دول حقيقية ترعى أبناءها اجتماعياً وثقافياً وإعلامياً واقتصادياً وتحميهم وتحافظ على هويتهم وثقافتهم وتحقق طموحاتهم؟ فلو نظرت إلى العديد من الدول العربية اليوم وخاصة الفاشلة منها كسوريا واليمن ولبنان والسودان وليبيا والعراق وغيره، لوجدت أن تلك البلدان أصبحت طاردة لشعوبها وخاصة شبابها، فلو سألت النظام السوري مثلاً: هل أنت مستعد لاستقبال أكثر من عشرة ملايين سوري لجأوا إلى أوروبا والدول المجاورة، فبالتأكيد سيقول لك لا، فهو غير قادر على رعاية الذين بقوا داخل سوريا معيشياً، فما بالك أن يوفر الرعاية لملايين آخرين، ناهيك عن أنه يعتبر الجيل الصاعد خطراً على نظامه، فلا بأس من طرده خارج البلاد ومنعه من العودة؟ إن عدد الأنظمة الطاردة لشبابها يزداد يوماً بعد يوم، لأنها بدل أن تستغل طاقاتهم في بناء البلد تحاول بشتى الطرق الدفع بهم خارج الحدود كي لا يشكلوا خطراً عليها، لأن الكثير من الأنظمة اليوم وخاصة نظام الأسد لا يهمه في سوريا غير الحفاظ على الكرسي، حتى لو باع سوريا للغزاة والمحتلين، وحتى لو عمل على تهجير حاضنته الشعبية. وللعلم فإن عشرات الألوف من الشباب السوري في منطقة الساحل معقل النظام بدأوا يهربون من البلد إلى أي مكان أفضل، وقد تجد الألوف منهم اليوم في أربيل بالعراق. ولا يختلف الأمر بالنسبة للنظام العراقي أو الليبي أو اللبناني أو التونسي أو المصري أو اليمني، وحتى بعض دول شمال أفريقيا، فقد تخلت دول كثيرة عن مسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية وتركت شعوبها عرضة لكل أنواع التأثيرات والمغريات الخارجية. وحتى الشباب العرب الذين بقوا داخل أوطانهم، ماذا لديهم؟ لا شيء سوى الانضمام إلى مواقع تواصل اجتماعي منفلتة من عقالها توفر لهم عالماً اصطناعياً وحريات زائفة تعوضهم عن الحرمان السياسي والاجتماعي الذي يعانونه داخل بلدانهم. ولا ننسى أن بعض الشباب يخاطر بحياته في عرض البحار والمحيطات هرباً من الجحيم داخل بلده وخاصة في دول شمال أفريقيا.
ينظر الجيل الصاعد من العرب حوله اليوم فلا يرى إلا أنظمة مهترئة فاسدة وظروفاً اجتماعية ومعيشية واقتصادية جهنمية، وأحوالاً لا تسر الخاطر. حكام لا يهمهم سوى البقاء على عروشهم والسمسرة لمشغليهم في الخارج على شعوبهم وثروات بلادهم، وحكومات امتهنت السرقة والنصب والاحتيال على شعوبها وإعلام رخيص يكذب حتى في درجات الحرارة ومؤسسات دينية لا هم لها سوى تخدير الشعوب والكذب عليها لصالح مشغليها من الطغاة والجنرالات. وقد تحولت الحياة كلها إلى شبه جحيم فلا عمل ولا انتاج وأسعار خيالية لأبسط السلع، وانعدام كامل لأبسط أساسيات الحياة كالكهرباء والماء والدواء، وهم وغم يحاصران الناس من كل حدب وصوب، فهل تلوم الشباب بعد كل ذلك إذا نشدوا التحرر والانعتاق والاستمتاع حتى في عوالم افتراضية مفتوحة، أو إذا تحولوا إلى متسكع ومتصعلك وصائع وضائع ولجؤوا إلى عالم الضياع والضباع؟

1