أحدث الأخبار
الخميس 05 كانون أول/ديسمبر 2024
من المسؤل عن الفساد في العراق؟!
بقلم : علي الكاش ... 02.03.2022

من البديهي ان تنتشر بعض القيم غير السوية في المجتمعات التي تخضع للقهر الإستعماري، ولكن ما حصل في العراق يعتبر ظاهرة غير طبيعية مقارنة بالدول التي وقعت تحت نير الإستعمار الأجنبي، فقد غرق العراق بالفساد الحكومي، وإمتد الى الفساد المجتمعي، فإنتشرت ظواهر غريبة بين افراد مجتمعه كالرشاوي والسلاح المنفلت والسطوة العشائرية والتزوير والجهل والأمية وتردي الأحوال الصحية والخدمية والتربوية وغسيل الأموال وظاهرة الزنا بالمحارم والسرقات والتلوث البيئي والفقر والبطالة والجوع، وظواهر ما أنزل الله بها من سلطان، بل حتى القيم الأخلاقية والعشائرية أصبحت أسخف من ان يشار اليها، فقد يكون فصل عشائري بسبب جرذ خرج من دار ودخل الى دار آخر، وإنتشر الألحاد ـ في حكم يفترض انه اسلامي ـ بين الشباب بشكل مريع، وصارت معاجيز وسحر الأئمة مثيرة للسخرية والتهكم بين خطباء المنبر الحسيني، ولا توجد ضوابط شرعية او حكومية تلجم ألسنتهم القذرة والمخالفة للعقل والأخلاق والشرع الإسلامي.
ولابد من إقتحام أبواب الحقيقة للتعرف عمن يقف وراء هذه الأبواب، فمن يريد فعلا ان يعالج الأمراض الإجتماعية، عليه ان يشخصها اولا، وبعدها يعالجها، وربما الحقيقة في هذا الجانب تتطلب الصراحة المطلقة، والبعض كالعادة سيأخذ بالقشور ويترك اللب بسبب العنصرية والمذهبية والأهواء والميول الشخصية، ناهيك عن المستفيدين من هذه الأوضاع المأساوية ولديهم العديد من الأقلام المستأجرة والذباب الألكتروني، سيما كبار السياسيين ورجال الدين وزعماء العصابات المسلحة.
الأحزاب الاسلامية الحاكمة
تتحمل الأحزاب الاسلامية التي حكمت العراق المسؤولية عن تفشي حالات الفساد الحكومي، والتي تجاوزت (350) مليار دولار من عام الغزو 2003 ولغاية 2018، ويكفي ان تعلم بأن الحكومة العراقية رفضت ان تقدم موازنة عام 2014، ولا أحد يعرف كيف كانت الحكومة تصرف الأموال لحد اليوم أي عام 2022، ويتحمل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحزب الدعوة المسؤولية عن ضياع أموال العراق، ولم يجرأ المدعي العام والقضاء العراقي عن فتح هذا الملف مع تعدد أججهزة الرقابة البرلمانية والحكومية، كهيئة النزاهة وديوان لرقابة المالية والمفتشون العامون في الوزارات ولجنة النقابة البرلمانية بسبب تخادم المصالح بين الزمر الحاكمة وتوفر الغطائين الحزبي والمذهبي. فزعماء الأحزاب الدينية وجلهم من العملاء والجواسيس ممن كانوا يتلقوا المساعدات من المخابرات الأجنبية أصبحوا أصحاب مليارات مثل نوري المالكي وعمار الحكيم وباقر صولاغ وهمام حمودي ومقتدى الصدر وبهاء الأعرجي وغيرهم.
الولايات المتحدة
تتحمل الدول المحتلة وفق القانون الدولي المسؤولية الكاملة عن إدارة الدول التي خضعت للإحتلال، ويقصد بذلك الجوانب المالية والأمنية والاقتصادية والسياسية، وقد أخلت الولايات المتحدة ودول التحالف ضد العراق مسؤوليتها عن هذه الجوانب، وتنصلت منها، بل انها سلمت ثروات العراق لزمرة من اللصوص والعملاء دون ان تراعي حقوق الشعب العراقي، وهذا أمر شاذ رغم ان الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها انه لا توجد تحتل دولة وتعمل على تطويرها، بل العكس تماما، وهذا ليس حال العراق فقط، بل جميع الدول التي أحتلتها قوى أجنبية. وربما العراق وافغانستان من شواهد العصر الحالي، وعلى الرعم من انتشار الصفقات الفاسدة لم تتدخل الولايات المتحدة بهذا الشأن تاركة ثروات العراق تنهب أمام أعينها، بل ان شركات امريكية ساهمت بصفقات فاسدة، وسلمت رشاوي لمسؤولين عراقيين، علاوة على نهب آثار العراق التي وصلت الألاف منها الى الولايات المتحدة، ولا أحد يجهل انها هربت من قبل قوات الإحتلال نفسها.
نظام الملالي
سلم الرئيس الامريكي السابق اوباما العراق على طبق من ذهب الى ايران بسبب كراهيته للعرب وحبه للفرس، وكان هذا الكلب الأسود في البيت الأبيض يرغب بإنجاح مفاوضات الملف النووي مع ايران على حساب العراق، فأطلق يدها فيه، وعمل الولي الفقيه على تشجيع ذيوله لتبديد ثروات العراق واضعافه اقتصاديا، وجعل العراق المتنفس الوحيد له للتهرب من الحصار الإقتصادي المفروض عليه دوليا، وقامت الشركات الايرانية بالسيطرة على المشاريع العراقية مثل بناء المدارس والآلاف من المشاريع تسلمت الشركات الايرانية الأموال العراقية، وتبخرت هي والأموال فقد تبين ان أكثرها شركات وهمية، ولم تجرأ اية حكومة عراقية على مفاتحة سيدها الولي الفقيه عن هذه الظاهرة واسترجاع الاموال المنهوبة. بل صارت ايران الملجأ الابرز للسراق والفاسدين ممن تنكشف حقيقتهم فيولوا أدبارهم الى ايران، ومنها الى دول أخرى، ولا تسمح ايران للعراق بإسترداد المجرمين والفاسدين.
وعملت ايران بالتعاون مع ذيلها حزب الله اللبناني بجعل العراق ممرا ومستهلكا وصانعا للمخدرات وحقلا لزراعة الحشيشة، وآخر الأحصائيات توضح بأن حوالي 50% من شباب العراق يستخدم المخدرات، وبسبب هذا الوباء الايراني اللعين انتشرت ظواهر غريبة في المجتمع العراقي مثل ظاهرة زنا المحارم والعنف الأسري والمثلية الجنسية والجريمة.
مرجعية النجف
مع بداية الغزو الامريكي للعراق انتشرت شائعة بين العراقيين ـ من الشيعة ـ بأن فقهائهم وخطباء منابرهم سمحوا بنهب مؤسسات الدولة بإعتبار انها مجهولة المصدر، على ان يتم تخميسها من قبل المراجع، اي دفع خمسها للمرجعية، وشجعت هذه الفتاوي الشيعة على نهب مؤسسات الدولة والبنوك، ومن المؤسف ان فتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني أتت متأخرة، كثيرا وبعد سنوات من النهب، كما يقول المثل العراقي" بعد خراب البصرة"، وطانت الإجابة ليس من قبل المرجعية التي شهدت سرقة أموال الدولة وتسلمت خمسها، بل عبر سؤال موجه الى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني: ما حكم سرقة أموال الدولة التي لا تحكم بالشريعة الإسلاميّة ولا تعطي الشعب حقّه؟
فأجاب: لا يجوز.
وعمل خطباء المنبر الحسيني على تجهيل الشيعة ونشر الكذب والدجل بين صفوفهم، فليس من المعقول ان يدفع المثقف الشيعي والواعي خمس راتبه وممتلكاته الى المرجعية، الأمر يستوجب الجهل والإستغفال والحماقة، ولإدامة الخمس للمراجع لابد من تجهيل المجتمع الشيعي، لذا بعد ان كان العراق خاليا من الجهل والأمية بشهادة منظمة اليونسكو، يوجد حوالي (7) مليون عراقي أمي ومتسرب من الدراسة اليوم.
القضاء العراقي
عندما تكون سطوة القانون شديدة لا يمكن ان ينحدر المجتمع الى الحضيض، فالعدالة أساسها القضاء وليس الحكومة التنفيذية، واذا بسط القضاء يده على الجميع، تم تحديد الفساد وقلعه من جذوره، لكن القضاء العراق خاضع الى المحاصصة الطائفية، فقراراته ذات نكهة مذهبية، ولا يوجد معيار للحكم القضائي، هذا القضاء يحكم بسجن طفل بسبب سرقة علبة مناديل ورقية عشر سنوات، ويبرأ سارقة مليارات لأنها امرأة ولابد من مراعاة جنسها، ويبرأ سارق ملايين لأنه شاب ولابد من مراعاة عمره!!! بل في أحدث ظاهرة لا يمكن ان يتصورها العقل ان يسجن ضابط من قسم المخدرات في البصرة (الرائد علي شياع)، لأنه قبض على تاجر مخدرات معمم، بل وينقل الضابط الى موقع آخر كعقوبه لقيامه بواجبه الوظيفي، والأنكى منه إن عليه ان يدفغ فصل عشائري للتاجر المعمم!! وفي الشهر الماضي أطلق سراح تاجر مخدرات جواد الياسري (ابن محافظ النجف لؤي الياسري) وهو ضابط في جهاز المخابرات العراقي بمرسوم جمهوري وقعه رئيس الجمهورية برهم صالح حامي الدستور العراقي، ولم يقتصر الإعفاء على جواد الياسري بل جميع أفراد عصابته، وقد هربوا الى خارج العراق (ايران)، وبعد الفضيحة قرر حامي الدستور سحب المرسوم، وهذه حيلة أخرى، فالمرسوم الجمهوري لا يُسحب بل يُلغى بمرسوم جمهوري لاحق، وعلى اي حال لا اثر لسحب او الغاء المرسوم فقد هربت العصابه وصارت أثرا بعد عين، هذا فعل حامي الدستور فما بالك ببقية المسؤولين؟ أما المدعي العام فهو في سبات ايراني عميق ولا أحد يستطيع ان يفيقه الا الولي الفقيه.
من جهة أخرى اعتمد القضاء العراقي حالة غريبة لا علاقة لها بالعدالة، بل تأصل للظلم ، وهي ظاهرة المخبر السري، وهو شبح من شأنه ان يلقي بك في هاوية الموت او السجن بقصاصة يقدمها للقضاء دون التعريف بنفسه او الحضور الى جلسة المحاكمة، وضحايا المخبر السري عشرات الآلاف جميعهم من أهل السنة، وقعوا بوشاية هذا الضال. وقد كُشف عن حالة يمكن القياس عليها، فقد رفضت عائلة عراقية زواج ابنتها من شاب، فقام الشاب (مخبر سري) برفع تهمة الإرهاب ضد أبو الفتاة فأودعه السجن.
سطوة الميليشيات الولائية والعشائر
خيم شبح الميليشيات الولائية في العراق بغد الغزو الامريكي بجناحية جيش المهدي وفيلق بدر، وكلاهما ممول من قبل الولي الفقيه، وتفقست بقية الميليشيات الولائية تحت عباءة مقتدى الصدر، وخلال حكم العميل البريطاني أياد علاوي تم دمج عناصر هذه الميليشيات وغالبيتهم من السجناء والمجرمين والعاطلين عن العمل وعملاء ايران في الأجهزة الأمنية، ووزعت عليهم الرتب والمناصب العسكرية حسب رأي زعماء هذه الميليشيات، فتوزعت الولاءات بين الأحزاب، ولا ولاء للوطن عندهم، وبعد توسع تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وقيام قوات التحالف الدولي والقوات العراقية بدحر فلول التنظيم، احتكر الحشد الشيعي النصر لنفسه وتجاهل (13000) غارة جوية قامت بها قوات التحالف وتعاونها في المجال الاستخباري عبر الأقمار الصناعية، ودك مدفعيتها لمواقع التنظيم الإرهابي، علاوة على تضحيات الجيش العراقي، وبعد النصر تحول الحشد الشعبي الى التجارة عبر المكاتب الإقتصادية والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية، والأتاوات في السيطرات التابعة للميليشيات والمشاركة في الصفقات والمشاريع، وهيمنت قوات الحشد الشيعي على مقدرات الدولة كافة، وصارت الدولة العميقة هي من تحكم العراق، وأصبح لعنصر الحشد من القوة بأن ابسط عنصر فيه يمكنه ان يتهجم على ضابط رفيع في القوات الأمنية دون ان يتمكن الضابط من التفوه بكلمة، وتفاقمت سطوة الحشد ليس على الحكومة الضعيفة بل على المواطن العراقي نفسه الذي لا يجد من يدافع عنه تجاه هذه الميليشيات الولائية التي تفرض الأتاوات على زراعته وصناعته وتجارته وجميع ممتلكاته، وينحاشى القضاء العراق من حشر أنفه القصير في ملفات فساد الحشد الشعبي، فهو قضاء إختصاصه الفقراء وأهل السنة والتنكيل بهم. وبسبب عجز الحكومة عن درء المظالم عن المواطنين، وعجز القضاء عن ملاحقة المجرمين التجأ المواطن العراقي الى عشيرته لعلها تؤمن له بعض الحماية، وتحول شيوخ العشائر الى تجار بدماء الناس، وتزوع ولائهم بين الأحزاب الولائية لمضاعفة قوتهم وتعزيز أسلحتهم، فهم يمتلكوا أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة.
انعدام الوازع الديني والأخلاقي العام
بلا أدنى شك ان الشعب العراقي يتحمل مسؤولية كبيرة في الوضع المزري الذي يعيشه، فقد تحولت القيم الأخلاقية الى مرادفتها فالسرقة تحولت الى مال عام مجهول المصدر، والفساد تحول الى شطارة، والدين الى تجارة، والجهل الى ثقافة، والرشاوى الى تسهيلات، وحلٌ الولاء المذهبي محل الولاء الوطني، وتلاشى الوعي الوطني كتلاشي الضباب بظهور الشمس، وصارت القاعدة الشعبية (آني شعلية)، اي الأمر لا يعنيني، وتفاقمت ظاهرة الخوف من الميليشيات فأخرست المواطن عن المطالبة بحقوقه، وعلى الرغم من إنتفاضة تشرين وكان الأمل بنجاحها، لكن مع الأسف أخفقت بسبب سلميتها المفرطة وضعفها، وقد استغلت الدولة العميقة هذا الشعف فأجهضتها بسهولة. قال تعالى في سورة الزخرف/54 ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)).

1