أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
إنّها صفعةٌ!!
بقلم : سهيل كيوان ... 03.02.2022

جاء في تقرير منظمة العفو الدولية «أمنستي» الذي نشر قبل يومين «أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية». وساقت المنظَّمةُ في تقريرها الكثير من الحقائق والجرائم المعروفة لكلِّ متابع للشأن الفلسطيني في تقرير على مساحة 182 صفحة.
بذلت دولة إسرائيل منذ تأسيسها، جهودا كبيرة للظهور في مظهر النظام الديمقراطي بالمعايير الأوروبية، وكان عليها أن تبرّر كل ما تقوم به كأمر قانوني وحتى أخلاقي، لتسويقه لحلفائها والمتعاطفين معها، كان عليها أن تُظهر أنها عادلة بين حين وآخر، فتحاكم من يرتكبون جرائم بحق أبرياء، حتى لو كانوا من الجيش أو الشُّرطة أو المستوطنين، وأكثر من مرّة جرت محاكمات وإدانات، أو توبيخات وعقوبات «مخفّفة جدًا» مثل منع ترقية لمدة عام، إلخ، ونادراً ما تترجم إلى سجن فعلي ولو لبضعة أشهر أو عقوبة رادعة.
كذلك فقد ظهرت ومضات من «العدالة» هنا وهناك، في حالات خاصَّة جداً، في ما يتعلق بمصادرة أرض أو هدم بيت، لكن هذه الحالات النادرة من «العدالة» تشكِّل أقل من واحد في المئة من جرائم التمييز العنصري التي تجري على أرض الواقع، من دون محاسبة، بل قد يكافأ مرتكبوها بأوسمة وترقيات. وظيفة هذا الواحد في المئة من «العدالة» إظهار وجود رقابة ومحاسبة وجهاز قضائي حيادي، والإيهام بأن الجريمة أمرٌ شاذ، للتغطية على الـ 99% من الجرائم الأخرى وتزيينها، وإظهارها كأعمال دفاعية أو قانونية مشروعة، مثل إدانة إقامة بؤرة استيطانية بدعوى أنها «غير قانونية» الأمر الذي يوحي للبعيدين بأن بقية الاستيطان قانونية ومتفقٌ عليها، وقد تهدم السلطات تخشيبة «غير قانونية» للمستوطنين، وتهدم قبالتها عشرات المباني القائمة منذ عقود للفلسطينيين، وقد تقضي بعدم مصادرة دونم من أرض لفلسطينيٍ ما، وفي الوقت ذاته تصادر مئات الدونمات من الأرض، وتبني عليها مستوطنة «قانونية» وتحاكم أو توبّخ قاتلَ مُسِنٍ فلسطيني من جهة، وتمارس قتل المئات من جهة أخرى، وحسب (أمنستي) قُتل 214 مدنياً قُرب الجدار الفاصل مع قطاع غزة، خلال مظاهرات العودة بين عامي 2018 – 2019 من بينهم 42 طفلا، من دون أن يسبّبوا أي خطر على حياة الجنود. أي أن «عدالة» الاحتلال، تستخدم جرائم بعض الجنود كأكباش فداء، لتبييض الجرائم الكبرى، على الأقل في نظر الإسرائيليين أنفسهم، وفي نظر داعميهم عبر العالم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي رفضت الاعتراف، كما هو متوقع، بأن إسرائيل دولة أبرتهايد، كما جاء في رد المتحدث باسم خارجيتها نيد برايس على تقرير أمنستي الأخير. في سياق محاولات التبييض وصف رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخابي، مقتل مسن فلسطيني بأنه «فشل أخلاقي» للسرِّية التابعة للكتيبة، التي وقع حادث القتل على حاجز لها، وقرّر توبيخ قائد الكتيبة ومنع ترقية ضابطين خلال العامين المقبلين. وتأتي هذه الحَمِيّة الأخلاقية لأن المُسنَّ الفلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية، وهو الشهيد عمر عبد المجيد أسعد، ابن الثمانين عاماً، وقد تسبّب جنود الاحتلال في موته بعدما أنزلوه ليلا من السّيارة وضربوه، ولفّوا حول فمه شريط قماش وألقوا به أرضاً وفي البرد الشديد ثم تركوه ملقى على الأرض ومضوا، ما أدى إلى وفاته. ما كان رئيس الأركان ليوبّخ ضباطه، لولا أن أمريكا طلبت توضيحاً ثم تحقيقاً جنائياً لما جرى لمواطِن من مواطنيها.
تأتي مثل هذه الإدانات عندما يكون إخفاء الجريمة مستحيلاً، بسبب وجود صحافيين أو مواطنين عاديين تمكّنوا من التقاط تسجيلات للجريمة خلال وقوعها، ويساعد في هذا وجود تنظيمات وناشطين من الفلسطينيين أنفسهم، يعرفون أهمية توثيق جرائم الاحتلال ونشرها، وكذلك ما تقوم به منظمة (بتسيلم) الإسرائيلية التي تسعى إلى توثيق ونشر جرائم الاحتلال، ويعتبرها الاحتلال منظمة «معادية للسامية» على الرغم من أن قدراتها وكوادرها محدودة وعاجزة عن تغطية معظم الجرائم التي تمارس يومياً وعلى نطاق واسع. المظهر المخادع للعدالة الإسرائيلية، تآكل مع مرور الزمن، وذلك لأن الاحتلال نفسه لم يعد يبالي بالفضائح، يشجعه شعورٌ بعدم اكتراث العالم، إضافة إلى سوء الأداء الفلسطيني نفسه، الذي شوّش حقيقة الاحتلال الإجرامية الساطعة وجعلها رمادية، من خلال التنسيق الأمني، والانقسام الذي أضرّ بنضال الشعب الفلسطيني. من ناحيتها رحبت السلطة الفلسطينية على لسان خارجيتها بالتقرير، فما الذي يعنيه هذا الترحيب؟ وكيف سينعكس على أرض الواقع؟ في وقت تتعرَّض فيه السُّلطة إلى ضغط إسرائيلي لسحب الشكاوى في محكمة العدل الدولية، وغيرها من شروط مقابل تعزيز التعاون، وهو ما طلبه وزير الحربية بيني غانتس في اجتماعه مع محمود عباس في روش هعاين.
جاء تقرير منظمة العفو الدولية صفعة قوية لأولئك الذين يتعامون عن رؤية الحقائق، ويفصلون بين التطبيع وما يجري على أرض الواقع، وليمنح الفلسطينيين ومناصري حقوقهم دفقة من الأوكسجين، ويشحذ هممهم، وفرصة لأن يعيدوا حساباتهم، سواء التنسيق الأمني أو الانقسام، وللأوروبيين والعالم فرصة للتعبير عن رفضهم لسياسة العربدة، وفرض الأمر الواقع المعادية للقوانين والقرارات الدولية، وما يرافقها بالضرورة من جرائم ضد الإنسانية.

1