أحدث الأخبار
الخميس 05 كانون أول/ديسمبر 2024
الإمارات تستقبل بينيت وفلسطين تدفع الثمن!!
بقلم : د.جمال زحالقة ... 16.12.2021

لعل المفاجأة في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، إلى دولة الإمارات أنّها لم تكن مفاجئة ولا مستغربة، ولم تحظ حتى ببيان استهجان من أي طرف عربي وازن، على الرغم من أنها كانت أوّل زيارة علنية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة خليجية.
هذه الزيارة، وبغضّ النظر عن أهدافها العملية، هي رسالة إماراتية إلى دول المنطقة، بأنّها وعلى الرغم من مساعيها الأخيرة لتحسين العلاقات مع إيران وتركيا وسوريا، تحتفظ بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، الذي أصبح بقدرة قادر حجر الزاوية في مفهوم الأمن القومي الإماراتي. ولكن السؤال، الذي يقفز فورا في وجه كل من يفتح ملف التحالف الإماراتي الإسرائيلي، هل في الاعتماد على التحالف مع إسرائيل حماية للإمارات؟ أم تعريض أمن الإمارات والأمن القومي العربي لمزيد من المخاطر؟ والسؤال الآخر هل بالإمكان أن تكون للإمارات سياسة بديلة معقولة ومتوازنة، بعيدا عن التذيّل لمشروع الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة؟
من الواضح أن تعميق وتطوير وتوسيع العلاقة بين الإمارات وإسرائيل، وبالأخص في الجانب الأمني والعسكري، هو استفزاز لإيران، التي لا بدّ لها من أن ترى في ذلك خطرا عليها، وبالتالي تقوم بخطوات لحماية نفسها والدفاع عن مصالحها. صحيح أنها تتحمّل قسطا كبيرا من المسؤولية عن تدهور علاقاتها العربية، إلّا أن ذلك لا يبرر تحالف الإمارات بإسرائيل وجعل نفسها عرضة لردود فعل إيرانية ضد «إسرائيل وحلفائها» بل إنّ إيران تستسهل ضرب «حلفائها» قليلي الحيلة، عوضا عن التورّط بمواجهة عسكرية مع إسرائيل نفسها. من هنا فإن الارتباط بإسرائيل هو مصدر خطر أمني جدّي للإمارات، ولن تقلل من هذا الخطر شطارة دبلوماسية تدعيها القيادة الإماراتية، لأن أهم مصادر هذا الخطر هو مآلات التوتّر القائم بين إسرائيل وإيران، ومقدار تورّط الإمارات في هذا التوتّر. كان استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في أبو ظبي هذا الأسبوع استفزازا جديدا لإيران ورسالة معادية للشعب الفلسطيني، ولن تغطّي عليه أو تقلل من خطورته، التحرّكات الدبلوماسية والسياسية للإمارات، التي شملت زيارة لمستشار الأمن القومي طحنون بن زايد لإيران، ولولي العهد محمد بن زايد، إلى تركيّا، ولوزير الخارجية، عبد الله بن زايد، إلى سوريا، إضافة إلى الانسحاب من اليمن والانضمام إلى المصالحة الخليجية مع قطر، وتطوير العلاقات مع الصين وروسيا. تسعى قيادة الإمارات إلى إعادة رسم تموضعها الإقليمي والدولي عبر تحرّكات أفقية، بالانتقال من موقع إلى آخر وبملائمة المواقف للمواقع الجديدة. وقد انتاب إسرائيل خوف من أن تطالها التقلبات الإماراتية، فجاء بينيت في زيارة والتقى بولي العهد محمد بن زايد، وعاد مطمئنا ومتفائلا بأن العلاقة تسير باتجاه عمودي نحو الأعمق، وأن القيادة الإماراتية ثابتة في تحالفها مع إسرائيل على حساب فلسطين. لا نعرف بالضبط ما الذي همسه محمد بن زايد في أذن نفتالي بينيت، وهل حصل الأخير على مبتغاه من الزيارة؟ لكن هناك بعض الأمور من المؤكّد أن بينيت قد حقّقها، وهناك ما ستكشفه الأيام. ولعل أهم إنجازات بينيت هو الزيارة بحد ذاتها، التي تشكّل إنجازا كبيرا لإسرائيل ولنفتالي بينيت شخصيا، فهي إثبات أن اتفاق التطبيع بقي «صامدا» حتى بعد الإطاحة بمهندسَيه، بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب. ومن المهم الإشارة إلى ما نشر في كتاب صدر مؤخّرا للصحافي الإسرائيلي براك رفيد من أن سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، أبلغ جيرالد كوشنير، صهر ترامب ومستشاره السياسي، أن محمد بن زايد مستعد للتطبيع مع إسرائيل، وذلك في آذار/مارس 2019، أي قبل الحديث عن الضم وصفقة القرن، ما يعني أن القيادة الإماراتية اتخذت قرارا استراتيجيا لا يتعلّق بالتطورات السياسية العابرة. ولعل أكثر ما أثار تفاؤل بينيت هو البعد الشخصي، حيث اطمأنّ إلى أن العلاقة مع الإمارات لن تتراجع في عهده، ما يحميه جزئيا من انتقادات نتنياهو، الشبح الذي يلاحقه في كل مكان ويشكّل اعتباره الأول في كل حركة سياسية يقوم بها. وكانت الزيارة بالنسبة له فرصة إضافية مهمّة للظهور كقائد سياسي وكفاعل إقليمي لا يقل عن نتنياهو.
لقد ذهب معظم المحللين إلى القول إن لقاء بينيت ـ بن زايد تمحور حول إيران، وهذه قراءة خاطئة، لأن الأهم في اللقاء هو ما لم يكن فيه وهو قضية فلسطين. الاستراتيجية الإسرائيلية المركزية في السنوات الأخيرة لم تعد المفاوضات العقيمة، بل التغييب الكامل لفلسطين وكل ما يتعلّق بها. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن أي لقاء مع طرف دولي، ناهيك من عربي، لا تناقش فيه قضايا الاحتلال والاستيطان والقدس واللاجئين وغزّة، هو لقاء ناجح وربح صاف للمشروع الصهيوني وانتصار على حركة التحرر الوطني الفلسطينية. وقد تفاخر مسؤولون إسرائيليون بعد اللقاء، بأنه لم يرد فيه ذكر لفلسطين وشعب فلسطين. وإذ تعلن وتؤمن إسرائيل بأن قضية فلسطين هامشية وليست مهمّة ولا حل لها، فإنه ليس مفهوما لماذا تقبل الإمارات التساوق مع هذا النهج الإسرائيلي، فحتّى من باب المحافظة على الأمن والاستقرار (حقوق الإنسان والشعوب لا تعني شيئا للقيادة الإماراتية) من الغباء التوقّع بأن استمرار جرائم الاحتلال والاستيطان والحصار والتهجير، لن يؤدّي إلى تفجير كبير، فالهدوء الظاهر ليس هدوءا حقيقيا، بل مراكمة لاحتقان فوق احتقان ما سيزيد من حدّة الانتفاضة المقبلة لا محالة.
يطغى على السياسة الإماراتية مفهوم مشوّه عن البراغماتية، وكأنّها تعني النأي عن الفضيلة في ممارسة السلطة والحكم، وإذ تصح تسميات أخرى، غير البراغماتية، للانحياز إلى إسرائيل على حساب فلسطين، فإن المنطق السياسي للنظام الإماراتي، على علّاته، يحمل ويتحمّل مسارات بديلة للارتماء في صقيع الحضن الإسرائيلي «الدافئ» من جهة، وحشر الأنف في الشأن السياسي الفلسطيني الداخلي عبر تغذية وتمويل أسباب الفرقة والانشقاقات. تستطيع الإمارات غدا، إذا أرادت، أن تسحب دعمها للانشقاق في حركة فتح وتدعم الشعب الفلسطيني لتعزير صموده في وجه الاحتلال. وتستطيع أن تعمل على توفير ظهير عربي متماسك لقضية فلسطين العادلة، وإن هي أرادت فعلا أن تموضع نفسها من جديد عربيا وإقليميا، فإن التطبيع مع إسرائيل يضعفها لا يقوّيها، والانحياز لفلسطين يسهّل عليها بناء تعاون يشمل إيران وتركيا والدول العربية.
السياسة الإمارتية هي خيار وليس إجبارا، وبعد أن اختارت وقطعت شوطا في التطبيع، سيكون عليها أصعب فأصعب أن تتراجع. لقد تورّطت الإمارات أمنيا وسياسيا واقتصاديا مع إسرائيل، حيث أجرت معها مناورات عسكرية، وارتبطت بها مخابراتيا، وهي تسعى للحصول على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية «القبة الحديدية» و»عصا السحر» ومستعدة أن تدفع ثمنها مليارات الدولارات (إسرائيل ترفض الصفقة) كما يزداد يوما بعد يوم التعاون الاقتصادي في المجالات كافة. وتكتفي إسرائيل سياسيا بالدعم الكبير الذي تحظى به من خلال الاصطفاف الإماراتي معها في المحافل الدبلوماسية.
هذا ليس مجرد تطبيع ولا مجرد تعاون، هذا تحالف من النوع الثقيل. وإذ تحاول الإمارات استغلاله للحصول على مكاسب من إيران، وفي المقابل تعمل على أخذ ما تريد من إسرائيل (والولايات المتحدة) عبر التلويح بفتح باب التصالح مع إيران.، فإنّه من المستحيل أن تستطيع أن تربح من الطرفين، فالكل يعرف أنها ليست في منتصف الطريق، فهي أقرب إلى تل أبيب سياسيا وأمنيا، وأقرب إلى إيران جغرافيا، وهذا بحد ذاته مصدر للتوتّر والمخاطر.

1