أحدث الأخبار
الأربعاء 25 كانون أول/ديسمبر 2024
حفلة التّيْسين… !!
بقلم :  سهيل كيوان  ... 30.01.2020

لم أستطع إلا أن أقارن بين «حفلة التّيس» للروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، والتّيسين اللذين أعلنا ما أعلناه في حفل اغتصاب أطلقا عليه ليلة الحب الكبيرة، وذلك في قاعة أفراح البيت الذهبي، شديد الشبه بشعر ذلك التيس الذي صار زعيماً للعالم.
التيس وصف للعنيد المتمسّك برأيه، حتى وهو يدرك خطأه، ويصرُّ على موقفه، رغم ألف إثبات على فساده، حتى يأتي أحد العقلاء ويقول: هذا تيس أجلّكم الله، لن يصحو حتى يرتطم رأسه بالحائط وينسطح.
هكذا ظن الدكتاتور الدومينكاني الذي دعمته المخابرات الأمريكية في حكم شعبه بأنه إله، وبقي متوهّماً بأنه ما زال مسيطراً على كل ما يجري في بلاده، حتى خانه أقرب الناس إليه، وحتى مثانته التي خدعته ولم تطلق البول رغم إحساسه بأنه قد تبوّل.
من مميزات التيس افتخاره بتياسته، ومنهم من يقول لك بلا تردد وبفرح: أنا تيس يا أخي أنا تيس، أنا لا يوجد أتيس منّي. فالتّيس يشعر بدغدغة عندما يسمع أحداً ما يصفه بأنه الأتيس، ويشعر بالتميّز والاكتفاء ويفرح، فتياسته توحي له بأنها صفة حميدة، وبأن الناس يحسدونه عليها، ولهذا لا يريد لأحد أن ينافسه فيها، بل يحزن ويرتبك إذا علم بوجود كائن أتيس منه، ويستعد لمناطحته، حتى ولو كان صخرة.
يقول الأعشى:
كناطحٍ صخرةٍ يوماً ليوهنَها
فلم يضِرْها وأوهى قرنَه الوعِلُ
من علامات التياسة أن لا يقيم التيس وزناً لآراء الآخرين، ويهزأ بهم، فيستأثر برأيه ويحاول إثبات صحته ويتمسك به، رغم مئات الإثباتات على خطئه.
يعتبر التيس أن المال العام حق من حقوقه، لأنه سيّد الوطن، وعلى الوطن أن يردَّ له جميله، بالتغاضي عن نزواته المالية والجنسية، وأن يضحك لنكاته البذيئة.
اجتمع التيسان وقرّرا عقد قرانهما على عروس أعلنت رفضهما، إنها تشبه تلك الشابة الدومنكانية منيرفا ميرابال التي رفضت الانصياع لشهوة الدكتاتور تريخيو، الذي اعتاد اغتصاب العذراوات، لأن من حقِّه أن يُسْعَدَ لأنه يُسِعدُ الوطن، وعندما رفضته منيرفا قرّر معاقبتها، ومن ثم قتلَها جنودُه مع شقيقتيها ماريا تيريزا وباتريا على حاجز عسكري بالهراوات، وذلك في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1965، والذي أعلنته الأمم المتحدة فيما بعد، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
المقزز في هذين التيسين خاصة، وبالتيوس عامة، زعمهم حمل لواء الحريّة، ولهذا لا بد من شماعة التطرّف المُحمّدي ليستهلا به حفلهما لتبرير همجيتهما والتماس الحُجّة للمنافقين ممن حضر حفلهما، هذا المتطرّف المُحمّدي لا ينتهي، فإذا قُتل، أحيوه من جديد.
دعا التيسان فرقة موسيقية وردّاحين، وأصرّا على أن العروس من حقّهما، وعندما ثملا تناولا مكبّراً للصوت وأعلنا أن على العروس الامتثال لرغبتيهما، وإلا فلن يترددا من اغتصابها على مرأى ومسمع من العالم كله.
في التراث الفلسطيني الكثير من العرائس الرافضات لعريس القوة والإكراه، كن يهددن بإحراق أنفسهن،
وأحياناً كان الجهلة من ذويهن يحرقونهن، ويدّعون أن بابور الكاز انفجر بإحداهن، أو أنها سقطت عن السطح أثناء نشرها الغسيل، أو سقطت في البئر عند انتشالها للمياه، أو جرفتها السيول أثناء مطرة مفاجئة، وكانت شرطة التيس الحاكم تتواطأ وتغضُّ الطرف، كي يكسب التيس أولئك المتخلفين المجرمين إلى جانبه.
إنهم يشبهون أولئك الذين يقرّرون موعد العرس والحفلة رغم إعلان العروس المتكرّر لرفضها، فيبثون دعايات عن موافقتها أو موافقة شقيق لها واعتراض آخر، بينما لم يقرّر موقفَه آخر بعد، وأنها راغبة ولكن رفضها هو خشية خلاف داخلي بين أبناء العشيرة، إلى أن تظهر العروس وتعلن لذلك التيس بأنها تكرهه وتراه في عينيها مثل الغول، وأنها تفضل أن تنقل على آلة حدباء وبسرعة إلى مثواها الأخير، على أن تقترن به، وأنها سوف تضع حداً لحياتها إذا ما أرغمت عليه، وحينئذ يتهمونها باللجوء إلى الإرهاب.
للأسف، ما زال على وجه الكرة الأرضية هذا الصنف من التيوس، ويبدو أن الطبيعة البشرية في الأساس تأبى إلا أن تزوّدنا بهذه النماذج.
لقد تغيّر العالم كثيراً، ولم تعد أي فتاة مهما كانت ضعيفة عاجزة عن تقرير مصيرها بيديها، حتى أن هناك من استيقظن متأخرات في فراش تيوس عنيفين فقرّرن الخلاص ولو بتأخير عقود.
هناك عروس وصلت مع تيسها إلى مطار إسطنبول لقضاء شهر العسل، أخذت سيارة أجرة واختفت، وعاد التيس وحيداً مخذولاً، مطالباً ذويها الأتيس منه الذين أرغموها عليه، باستعادة مصاريف ونفقات الزفاف وما سبقه من استعدادات.
في تراثنا المحلي ينزاح العرس الذي يعني حفل الزفاف أحياناً عن معناه الأصلي ليعني ضده، وذلك إذا اعتاد بعض جماعة أن يتقاتلوا ويعلوا صراخهم في الحارة فيتجمهر الناس، يسألون ما القصة؟ لا شيء لا شيء هذا «العرس» لا بد منه في كل أسبوع، إنه خلاف قديم.
يسفر «العرس» عادة عن جرحى وإصابات وتهديد ووعيد وشكاوى، وما فعله التيسان عرسٌ لا بد منه كل بضع سنوات.
لا إكراه في الدين، ولا إكراه في الحب، ولا إكراه في احتلال، ولا إكراه في قبول فاشية جديدة أو قديمة، ولا إكراه في قبول ما يقرّره تيسٌ أو تيسان أو قطيعٌ من التيوس، وإذا كان لدى الشابة منيرفا ميرابال الدومنكانية القدرة على رفض أعتى دكتاتور في أمريكا اللاتينية مستلهمة سيرة خالها المناضل، فإن لدى عروسنا أخوالاً وأعماماً وآباء وأمهات وأبناء وتراثاً لا شبيه له في زخمه من شهداء وأسرى وشبان وشابات هم الأجمل والأنقى كقطرات ندى في كؤوس شقائق النعمان وزهرات القندول متشوقين لدفع الغالي والنفيس حفظاً لكرامتهم وكرامة عروسهم.

1