أحدث الأخبار
الأربعاء 25 كانون أول/ديسمبر 2024
المطبع السعودي عميل أبله !!
بقلم : سهيل كيوان ... 25.07.2019

مؤسف ما حدث للمغرّد السعودي في باحة الأقصى المبارك، وفي أسواق القدس العتيقة، ضايقني المشهد كثيراً، وحزنت عندما رأيت الرجل يهان ويحاول الإمساك بكوفيته وعقاله خشية سقوطهما.
تربينا ـ نحن القرويين ـ على هيبة وقيمة الكوفية والعقال، فهما يعتبران من علامات احترام الرجل وكبريائه وهيبته، وكان القرويون حريصين جداً على صيانة الكوفية والعقال، فإذا أراد أحدهم إهانة شخص ما أو الثأر منه لسبب ما، قد يكون بدافع ثقيل مثل اعتداء على عرض، يأخذ كوفيته وعقاله عن رأسه ويلقيهما أرضاً وقد يدوس عليهما ويمرّغهما في التراب أو الوحل، كان هذا يكفي لاعتبارها إهانة عظيمة وانتقاماً مروّعاً دونما حاجة لضربٍ جسدي أبداً، لتبقى هذه علامة فارقة في تاريخ الرجلين الفاعل والمفعول به، يتناقلها الناس فلا تمحوها أيام ولا سنين، وتؤدي إلى قطيعة طويلة الأمد بين عائلات تمتد إلى سنين وعقود، وقد تنتقل بين الأجــيال، فعار كهذا لا يُنسى، ولا يمكن غفرانه.
لحسن الحظ ما حدث للمدوّن السعودي اقتصر على الإهانات اللفظية والتفّ، وإلا لكانت الزيارة التطبيعية حققت هدفها التخريبي
الزائر السعودي جاء بمعية وفد من المطبّعين العرب بينهم عراقي وإماراتي ومصري، وقد عُرف عنه أنه مدون ممن يتغزلون بإسرائيل بحب ورومانسية كبيرين، ويتحدث العبرية إلى حد ما. لو أن زيارة الوفد اقتصرت على التقاط الصور على خلفية أعلام إسرائيلية مع مسؤولين في الشاباك، وزيارة مركز إحياء ذكرى ضحايا المحرقة النازية، ومؤسسات حكومية مثل الكنيست وغيرها، لما انتبه للزيارة سوى قلائل، ولكن ليس هذا ما يريده المسؤولون الإسرائيليون من هذه الزيارة. أرادوا استخدام هذا المغرد السعودي لزرع الفتنة بشكل مقصود، من أرسلوه لزيارة الأقصى كانوا يعرفون سلفاً ما الذي سيحدث، فهم يدركون أن هناك شباناً مرابطين في المسجد، وأن الشبان في أسواق القدس سوف يحاسبونه إذا ما عرفوا أنه المدوّن الذي يشتم الفلسطينيين والمنحاز للإسرائيليين، وأنه في ضيافة المؤسسة الاستيطانية، كل هذا في يوم يجري فيه هدم عشرات المساكن في القدس العربية وتشريد عشرات العائلات، في حملة هدم هي الأكبر منذ عدوان يونيو/حزيران عام 1967.
يبدو أن مضيفي المدوّن السعودي أرادوا نتيجة مأساوية أكثر من الشتائم والتفّ على هذا الأبله، أرادوا نقل شريط فيديو يكون فيه نازفاً وملقى على الأرض، وأن يتعرض لعنف أكثر بكثير من مجرد شتائم، لقد أرادوا استخدامه إسفيناً عميقاً بين الفلسطينيين والشعب السعودي، أرادوا زرع كراهية عميقة بين الناس، وليس فقط مع أفراد أو سلطة، وهذه ليست سياسة جديدة، بل قديمة جداً، وهي أحد أسس قوة دولة إسرائيل، فطالما أن العرب وشعوب المنطقة مختلفون ويكرهون بعضهم بعضا، فهذا يجعل التعامل معهم سهلا جداً، من هذا المنطلق نجد لإسرائيل يداً طولى في تسليح وتدريب الأكراد شمال العراق، ولهم دور في جنوب السودان حتى انفصاله، كذلك فهم حريصون جداً على استمرار الخلاف بين سلطة قطاع غزة وسلطة الضفة الغربية، ويثيرون ويغضبون لأي بصيص أمل للمصالحة، وفي الداخل يرفضون الاعتراف بالعرب كأقلية قومية، وإنما كطوائف ومذاهب، حتى أنهم عملوا منهاجي تعليم مختلفين، للدروز منهاج وذلك أنهم يخدمون في الجيش، ولبقية العرب منهاج مختلف.
لحسن الحظ أن ما حدث للمدوّن السعودي اقتصر على الإهانات اللفظية والتفّ، ولم يصل إلى تكسير الأطراف أو الرأس أو أكثر من ذلك، وإلا لكانت الزيارة التطبيعية حققت هدفها التخريبي بصورة أعمق وأخطر بكثير. ظاهرة الإعجاب بإسرائيل والنظر إليها كدولة مثالية من قبل بعض الأخوة العرب ليست جديدة،
فهم يرون فيها بلداً ديمقراطياً مقارنة ببلدانهم، ثم أنهم عندما يتصلون مع الإسرائيليين يجري التعامل معهم كوسيلة إعلامية أو سائحين بهدف خلق الانطباع الجيّد، وهناك فرق شاسع بين أن تكون مواطناً في بلد ما فتعرف الحياة الحقيقية فيه، وأن تعامل كصحافي أو فنان وسائح لبضعة أيام، لن ترى خلالها سوى الوجه الجميل والمعاملة اللطيفة والكريمة، ولن تسمع سوى كلمات وأمنيات عن السلام والتعايش بين الشعوب والطوائف المختلفة. وقد تحتاج إلى سنين لتصطدم وتكشف الوجه الحقيقي والبشع للعنصرية، عدا أن وسائل الإعلام الحديثة لم تترك شكاً لأحد حول ممارسات الاحتلال الإجرامية.
العنصرية عنصر أساسي قامت عليه دولة إسرائيل، وهو شريان حياة بالنسبة لها، لأن إلغاء العنصرية يعني فتح الطريق أمام تطور المواطنين العرب بشكل طبيعي في كل مجالات الحياة، وهذا يعني أن يكون لهم حق في أرض الدولة مثل اليهودي وهي الأرض التي استولت عليها من الفلسطينيين إبان النكبة، فإذا حصل العرب على مساواتهم بملكية الأرض وشرائها من الدولة، فهذا يعني انهيار المشروع الصهيوني تلقائياً، وهو القائم أصلا على سحب الأرض من تحت أقدام الفلسطينيين، لهذا هي دولة عنصرية بالضرورة طالما لم تتحول إلى دولة كل المواطنين المختلفة جذرياً، وليس دولة اليهود كما هو تعريفها اليوم. لقد نجا المدوّن السعودي من وقعة خطيرة، نتمنى أن تكون هذه التجربة عبرة له ولغيره، وأن يفهم هو وغيره بأنهم استخدموه كأداة لأجل مصلحتهم وأنانيتهم، وليس بحسن !!

1