أحدث الأخبار
الثلاثاء 24 كانون أول/ديسمبر 2024
الفلسطيني الذي اغتصب طفلة يهودية!!
بقلم :  سهيل كيوان  ... 27.06.2019

انشغل الإعلام الإسرائيلي الرسمي منذ عشرة أيام برجل فلسطيني يبلغ من العمر ستة وأربعين عاماً يدعى محمود قطوسة من بلدة دير قديس، بشبهة اغتصاب طفلة يهودية في مستوطنة موديعين عيليت في الضفة الغربية شمال غرب رام الله، وكان النشر ممنوعاً عن القضية لمدة خمسة وأربعين يوماً كان محمود معتقلا خلالها.
نشر الخبر قبل عشرة أيام عن عملية اغتصاب وحشية، تحولت إلى حديث الساعة، ووصفت صحف رئيسة مثل «يديعوت أحرونوت» و»يسرائيل هيوم ومعاريف عملية الاغتصاب بتفاصيل بورنوغرافية، تثير اشمئزاز وغضب كل من يقرأها، إذ وُصف المشبوه بأنه اختطف الطفلة ابنة السنوات السبع من الشارع العام بعد انتهاء دوامها الدراسي إلى بناية قريبة، وهناك وبمساعدة رجلين آخرين من أصدقائه ألقوها على سرير وثبّتوها من يديها وساقيها، ثم خلعوا عنها ملابسها ليغتصبها المشبوه وهي تبكي وتتألم وترجوه بأن يرحمها.
عندما تقرأ هذا لا بد أن تقول لنفسك، أي نوع من البهائم هؤلاء؟ أي بشر ممكن أن يفعل هذا؟ كيف يقوم ثلاثة رجال بفعلٍ كهذا مع طفلة؟ حتى في أقذر أفلام العنف الرخيصة لن تجد جريمة كهذه! وتقول لنفسك، إن من فعل هذا مجرم لا يستحق الهواء الذي يتنفسه.
إضافة لهذا فإن جريمة الاغتصاب تأخذ منحى أشد حدّة، عندما يقوم بها رجل ما ضد ضحية من قوم أو طائفة أو مذهب أو قبيلة أخرى في حالة صراع، حيث لن تعدم حينئذ من يتخذها وسيلة لتحقيق أجندة سياسية كبيرة أو صغيرة، أو لاستفزاز الهمم للقتال والدفاع عن النفس، أو لإهانة فئة ما والإمعان في إذلالها، أو لاستخدامها وسيلة للإرهاب في عمليات التطهير العرقي، كذلك عُرف الاغتصاب كسلاح بيد بعض السلطات لقمع المعارضين وإرهابهم، ودفع أهليهم للتبرؤ منهم وعزلهم، من خلال تشويههم وتصويرهم كمن جلبوا العار لأسرهم، خصوصاً في المجتمعات المحافظة.
المشبوه محمود قطوسة متزوج وله أطفال، يشتغل عامل صيانة في مدرسة في المستوطنة القائمة على أرض قريته، كذلك يعمل في بيوت المستوطنين، في البلاط والدهان وغيرها، إنه وهذا واقع غريب، لكنها ليست سابقة تاريخية، فالكثير من الشعوب تعرضت لمثل هذا الواقع المرّ الذي يتعرض له الفلسطينيون.
بعد الكشف الصحافي، تبين أن إحدى عائلات المستوطنين تقدمت بشكوى إلى الشرطة بأن ابنتها الطفلة تعرضت لاغتصاب وحشي، وأنها أشارت إلى محمود طقوسة عامل الصيانة في المدرسة. بُث الخبر وبدأت جوقة التحريض من وزير الأمن الداخلي، وأعضاء كنيست حتى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وطبعا الجمهور العريض الذي راح يصف الفلسطينيين بأقذر التعابير، ويدعو لإعدام قطوسة، تخلل هذا هجوم من قبل وزير الأمن الداخلي على سلطة رام الله، فوصفها بأنها مُسمّمة لعقول الناس وهي مصدر كل الشرور. جرى استغلال الحادثة سياسياً، ودارت مباراة بين ليبرمان من ناحية ووزراء من الليكود، فزاود ليبرمان على نتنياهو ووصفه بأنه العائق أمام تنفيذ حكم الإعدام بالـ»إرهابيين»، مؤكداً على أن عملية الاغتصاب جرت على خلفية قومية مخططة جيداّ، لأنه إرهابي والطفلة يهودية وليس لأنه مريض بوديلفيا. بعد خمسة وخمسين يوماً تبين أن الشهادات في هذا الملف متناقضة، فبعد أن أثبت المشبوه بأنه عمل طيلة ذلك اليوم في بيت مُدرّسة من المستوطنة نفسها، التي شهدت بأنه عمل في بيتها بحضور زوجها وأسرتها طيلة النهار وفي ساعة وقوع الحادث، غيّر المحققون ساعة ومكان وقوع الحادث، وحالوا تفصيل التهمة على مقاس وحسب مواعيد عمل وأماكن وجود المشبوه.
إضافة إلى هذا فقد تأخرت الأسرة في تقديم شكوى لمدة يومين بعد حادثة الاغتصاب، ثم أخّرت عرض الطفلة على طبيبة مختصة لعدة أيام لمعرفة ما إذا حدث اغتصاب أم لا، وما هو الضرر الذي تسبب للطفلة؟ كذلك هناك ادعاءات أخرى ضعيفة ومشكوك فيها مثل جرّها في الشارع العام وصراخها في ساعة انتهاء دوام الطلاب، من دون لفت انتباه أحد، إضافة إلى وجود كاميرات عادة ما تكون في الشوارع في كل زاوية، خصوصاً في المستوطنات، فأين اختفت الكاميرات! يوم الثلاثاء الأول من أمس أطلق سراح الفلسطيني وعاد إلى حضن أسرته، لعدم وجود مواد كافية للائحة اتهام ضده ولتناقض الشهادات، الأمر الذي بات يعتبر فضيحة مجلجلة للشرطة وطريقة عملها. من ناحيته طالب قطوسة بإعدام من قام بهذا العمل الإجرامي وقال لوسائل الإعلام: يجب أن يبحثوا هناك لدى من وجّه الطفلة كي تشير بأصبع الاتهام إليّ. معظم الدلائل تقول إن الطفلة لم تغتصب من أصله، ربما أنها تعرضت لعمل مشين لا علاقة لقطوسة به، وقد يكون الجاني من سكان المستوطنة، وقد يكون قريباً من الطفلة، فالإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 85% من الاعتداءات الجنسية في إسرائيل تحدث من قبل أناس معروفين للضحية، وأن واحدة من كل ثلاث نساء وواحد من كل ستة أطفال تحت سن الثانية عشرة تعرض وتعرضت لاعتداء جنسي. إلا أن مسؤولين كبارا استغلوا الحادثة، التي ربما لم تحدث لنزع إنسانية الفلسطيني عنه، وتحويله إلى كائن وحشي، وبما أنه كذلك فلا بأس بأن يقتل، وأن يطرد من بيته وأن تصادر أرضه وحقوقه.
في هذا السياق ولأجل المعلومات العامة فقط، تبلغ مساحة قرية دير قديس بلد المشبوه 8207 دونمات، صادر الاحتلال منها حتى الآن حوالي 4560 دونما لصالح جدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية ولمستوطنات منها موديعين عيليت التي يعمل فيها محمود قطوسة منذ ثماني سنوات.

1