أحدث الأخبار
الثلاثاء 24 كانون أول/ديسمبر 2024
الدموع لنوتردام والشماتة لبغداد !!
بقلم : سهيل كيوان  ... 18.04.2019

المشهد المحزن الذي رآه العالم للنيران، وهي تلتهم بوحشية الكنوز الثقافية في كاتدرائية نوتردام، أثار مشاعر مئات الملايين من البشر، ومن بينهم الرئيس الأمريكي ترامب، ولكنه بالتأكيد أثار شجون العرب وأحزانهم أكثر من غيرهم.
فأول ما نسمع هذه الأخبار الكارثية، ونرى المشاهد الرهيبة، نتمنى كعرب ومسلمين أن لا يكون الفاعل من أبناء أمتنا، ولا من أولئك الذين يدّعون العمل باسمها، فقد وصل التحريض إلى درجة أننا صرنا نخشى أن نُتّهم بأعمال أو أحداث عرضية، حتى تلك التي نكون نحن ضحاياها قبل الآخرين، هذا الشعور غذّته حملة الإسلاموفوبيا الدولية المنظّمة، التي يقودها ترامب، ويشارك فيها عدد من الأنظمة العربية التي تستمد شرعيتها لدى الآخرين، من خلال التحريض على الإسلام والمسلمين باعتبارها شريكة في إنقاذ العالم من شرورهم.
هذا يعني أنه بات سهلا جداً وضع المسلمين في خانة المتهمين حتى إثبات براءتهم، وأننا قريبون جداً من النقطة التي قد يجري فيها الانتقام من المسلمين، نتيجة عمل فردي يقوم به أحد ما باسم عربي أو مسلم، أو لمجرد شبهة وحتى دعاية كاذبة، أو عمل يقوم به غبيٌ غُرّر به، وقد يكون مدسوساً وموجّهاً، وقد يكون جاسوساً وعميلا لدى جهات معادية ومعنية في إيذاء العرب والمسلمين، وإثارة العالم ضدهم، أو الحصول على شرعية لإيذائهم، ومن ثم وضع العالم كله بكافة أطيافة في مواجهة تدميرية مع الإسلام والمسلمين، خصوصاً أن هناك قيادات بحجم ترامب لا تكف عن اصطياد الفرص للتحريض، حتى النائبة إلهان عمر الصومالية الأصل في الحزب الديمقراطي الأمريكي، لم تنج من تحريضه، لسبب بسيط، هو أن الغاية تبرر الوسيلة في قاموسه السياسي، وليس مهما أبداً ما قد يسببه من ضحايا وأضرار، خصوصاً إذا كان الضحايا من الملوّنين الذين ينظر إليهم من برجه الأبيض.
دخان نوتردام أثار شجون الكثيرين من العرب، فمثلت أمامهم آثار العراق وهي تنهب وتدمّر بحماية قوات التحالف الدولي
دخان نوتردام أثار شجون الكثيرين من العرب، فمثلت أمامهم آثار العراق وهي تنهب وتدمّر أمام أعين ورقابة وحماية قوات التحالف الدولي، وعلى رأسها قوات الولايات المتحدة، فقد نُهب خلال فترة قصيرة في مارس/آذار 2003 أكثر من خمسة عشر ألف قطعة أثرية، وفي بعض المتاحف رأينا عمليات النهب والتدمير جارية أمام أعين القوات الأمريكية، التي فتحت الطريق للرعاع واللصوص لنهب وتدمير تاريخ يعود عمره إلى خمسة آلاف عام، في توجّه حاقد على حضارات الآخرين، خصوصاً العرب. كان نهب كنوز العراق بالبث المباشر، بمثابة احتفالية لدى بعض من يتباكون اليوم على نوتردام، فقد علت وجوههم يومئذ ابتسامات الشماتة، وما زالوا يسهمون حتى يومنا بتدميرها. لم يقتصر نهب آثار المنطقة العربية على العراق، فقد دُمّرت آلاف القطع الأثرية ونهبت في سوريا، من جميع الأطراف المسلحة المتنازعة فوق الأرض السورية، وقد شاركت في النهب والتدمير قوات «داعش»، وقوات النظام نفسه وعصابات تهريب من شتى المناطق، وجرى تدمير للآثار من قبل قوات روسية وأمريكية وقوات النظام، ومن بينها مئات المساجد العريقة والأحياء التاريخية في المدن السورية.
تدمير الآثار ونهبها يعرفه الفلسطينيون جيّدا، حيث تتعرض آثارهم إلى النهب والتزييف، وبعضها يتعرض للإخفاء منذ عقود بهدف واضح، هو التقليل من شأن الوجود العربي والإسلامي وطمسه في فلسطين، إلى جانب عمليات التجارة والربح التي يمارسها كثيرون، البعض بهدف الربح المالي، والبعض بهدف هواية جمع التحف، وقد عُرف عن موشيه دايان وزير الحربية في حرب عام 1967 هواية جمع الآثار. ما مورس ويمارس ضد الآثار العربية والإسلامية هو جزء لا يتجزأ مما مورس ويمارس ضد الإنسان العربي والمسلم، بهدف إيذائه ومواصلة السيطرة على مقدراته وتشويه رموزه الروحية وتدمير تاريخه وجذوره، من خلال تدمير آثاره ونهبها وجعلها في متناول اللصوص والسماسرة والقوادين.
لا أصدق نوبة الأسف والألم التي حلّت بالرئيس الأمريكي ترامب على المعروضات الأثرية في كنيسة نوتردام، ولا شك عندي بأنه كان يتمنى لو كان الفاعل مسلماً، أو شخصاً يفكر باعتناق الإسلام، لأنه سيجد بهذا حجة وتبريراً لعدائه الأعمى للعرب والمسلمين وحقوقهم وحريتهم، وولائه المطلق لليمين الصهيوني المتطرف، وسيكون هذا ردّه على رئيسة حكومة نيوزيلندا التي تعاطفت بشكل غير مسبوق مع المسلمين ضحايا الإرهاب. لا أصدق من يحمل كل هذا الحقد على المسلمين، أن يكون صاحب ذائقة فنية ويتألم لاحتراق لوحات وآثار فنية. كذلك أستطيع التأكيد على أن شريحة كبيرة من الشعوب العربية تأثرت لاحتراق كاتدرائية نوتردام أكثر من معظم الشعب الأمريكي، وذلك أن غالبية الشعب الأمريكي لا تهتم بشؤون الآخرين، ولا يهمها ما يجري خارج أمريكا، بينما تجد شرائح واسعة من العرب تهتم بما يجري في العالم، من خلال ما يسمى ثقافة الشارع، وهذا لا تجده لدى الأمريكي المشغول بنفسه، الذي لا يتعلم من التاريخ سوى تاريخ أمريكا – باستثناء الدارسين المختصين- بينما تجدها لدى شرائح واسعة من العرب الذين يهتمون بالشأن الدولي، ويرون بأنفسهم وشعوبهم جزءاً منه وأحد حلقاته الأكثر استهدافاً.

1