أحدث الأخبار
الثلاثاء 24 كانون أول/ديسمبر 2024
احتفالات غزة وخذلان ليبرمان !!
بقلم : سهيل كيوان ... 15.11.2018

خلال إعلان استقالته يوم أمس الأربعاء، قدم وزير الحربية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان نفسه كضحية لتخاذل بنيامين نتنياهو والقادة العسكريين، لأنهم رفضوا منحه فرصة توسيع دائرة المواجهة مع قطاع غزة وخضعوا للإرهاب، وذلك من خلال الموافقة على إدخال الأموال والبترول القطري إلى القطاع، رغم معارضته، ثم وافقوا على اتفاق لوقف إطلاق النار الأخير من دون رغبته، الأمر الذي يعني أنه ليس صاحب قرار في هذه الحكومة، علما بأنه كافح كثيرا للوصول إلى هذا المنصب، مهدّدا ومتوعدا حركة المقاومة، إلا أن تكرار المواجهات بين حين وآخر من دون أن يستطيع تنفيذ تهديداته، جعله مثارا للسخرية، فهو يعرف أن ناخبيه سوف يسألونه عن وعوده بالقضاء على المقاومة خلال ثمان وأربعين ساعة، وسيبدو ضئيلا إلى جانب نتنياهو، الذي سعى ويسعى لتحجيم كل منافسيه على القيادة، ليبقى الوحيد صاحب النفوذ والشخصية الأقوى.
في الوقت ذاته، قال نتنياهو بأن هناك أسبابا جعلته يتقبل وقف إطلاق النار، ولكن ليس بالضرورة أن يعرف الجمهور التفاصيل، وهذا في رده على المظاهرات في قرى ومدن غلاف غزة اليهودية، احتجاجا على وقف إطلاق النار، التي تطالب بوضع حد لحالة عدم الاستقرار. هناك أسباب عديدة حدت بالقيادة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار.
ـ أولا، هناك مفاوضات ووساطة مصرية منذ أشهر لعقد اتفاق هدنة طويلة الأمد بين المقاومة وإسرائيل، تشمل تبادل أسرى، وتوسيع المواجهة يعني نسف هذه الوساطة وهذه الإمكانية، وتعني استهتارا بدور مصر ووساطتها، وهو ما يحاول نتنياهو أن يتحاشاه، وذلك لأن هناك تنسيقا إسرائيليا مصريا يريد المحافظة عليه، يقول إنه لم يكن بهذا التناغم حتى في زمن مبارك.
ـ ثانيا، من مصلحة نتنياهو مواصلة الانقسام الفلسطيني وتعميقه، وانتظار الغليان الذي يسبّبه الحصار من داخل غزة، ومنح الانقسام فرصة أكبر للمزيد من التفاعل، بينما توسيع رقعة المواجهة على غزة، سيرفع منسوب التضامن والتعاطف مع المقاومة، خصوصا أنها لم تبادر للهجوم، بل كانت في موقف دفاعي، والأهم أنها نجحت في إفشال الهجوم.
ـ ثالثا، توسيع المواجهة يعني دخول قوات برية، وخسائر كبيرة في صفوف القوات المهاجمة، خصوصا بعد ظهور صاروخ كورنيت الفعّال ضد الدروع.
ـ رابعا، الهجوم يعني سقوط آلاف المدنيين الفلسطينيين بين قتيل وجريح، وهذا سيشكل نوعا من الضغط على حركة التطبيع التي انتعشت في الأشهر الأخيرة، وكان آخرها زيارات مسؤولين إسرائيليين كبار لعُمان وأبو ظبي ويراها نتنياهو من أهم إنجازاته.
ـ خامسا، نتنياهو يريد رأس إيران، ويحاول تجنيد أوسع تحالف في مواجهتها، وهذا يحتاج بالأساس إلى تعاون عربي، بينما مواجهة واسعة مع غزة ستصرف الأنظار عن إيران، التي أصبح التركيز عليها أكثر ضرورة، بعد الخلاف الذي نشأ مع روسيا فوق الأرض السورية، إذ أن ضرب قوافل السلاح المنقولة إلى حزب الله على الأرض السورية، بات مشكلة بعد إسقاط الطائرة الروسية وما تبعها من تطورات.
ـ سادسا، يوجّه نتنياهو الأنظار إلى مصانع سلاح حزب الله في لبنان، ويطالب الحكومة اللبنانية بتفكيكها، وإلا سيضطر لضربها، وهذا يعني أن هناك تخطيطا ما يدور بالنسبة لمصانع السلاح التابعة لحزب الله في لبنان، وهي عقدة ليس من السهل التغلب عليها، ويرى فيها أكثر إلحاحا من قضية قطاع غزة.
ـ سابعا، رغم دعم أمريكا المطلق، وإعلانها التقليدي عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أن أصحاب القرار في إسرائيل، يهتمون بأن يجدوا غطاء قبل أي عملية واسعة، مثل استدراج المقاومة من خلال عملية تفجير، ورد المقاومة بقصف، ثم الرد على الرد وهكذا، هذه الذريعة ضرورية للتغطية الخارجية على العدوان عربيا ودوليا، كذلك فهي مهمة داخليا، لأنه في حال سقوط عدد كبير من القتلى في الجانب الإسرائيلي من عسكريين ومدنيين، هناك من سوف يسأل إذا ما كانت العملية الواسعة ضرورية، وإذا لم يكن بالإمكان تجنّبها، وفي هذا الحالة، كان واضحا أن إسرائيل هي التي بادرت وخرقت اتفاق وقف إطلاق النار.
ـ ثامنا، ظهور أسلحة أكثر دقة وفاعلية في الميدان مثل صاروخ كورنيت وصواريخ أكثر دقة وتملّصا من القبة الحديدية، يوجب القيام بدراسة عسكرية وتخطيط مدروس، وعدم القيام برد فعل عاطفي قد يجبي ثمنا باهظا في الأرواح لن يستطيع نتنياهو تحمّله ويهدّد كل إنجازاته.
ـ تاسعا، بالموافقة على وقف إطلاق النار يكون نتنياهو قد وضع ليبرمان أمام خيارين، إما أن يعترف بأنه ليس صاحب قرار ويبقى في الحكومة وهكذا يقضي عليه، أو أن يدفعه لتقديم استقالته وحزبه من الحكومة، الأمر الذي قد يعني تقريب موعد الانتخابات، وهذا هدف أيضا يريده نتنياهو كي يأخذ تفويضا جديدا من الشعب، بعد كل ما مرّ عليه وعلى مساعديه من تحقيقات في قضايا الرشوة التي لم تغلق كلها بعد.
بعد هذا، يحق للمقاومة أن تحتفل في امتحان التحدي، فبعد سنوات من الحصار، ترد على العدوان بالمثل، وتؤلم الاحتلال، وتربك حياة مئات آلاف الإسرائيليين، وترغم الحكومة على التفكير مليا قبل المغامرة في دخول قطاع غزة وترغم ليبرمان على الاستقالة. يبدو أن من خططوا للعملية الأخيرة ونفذوها لم يأخذوا في الحسبان إمكانية فشلها وحدوث ما حدث من تداعيات، وبلا شك أن نتنياهو كان على دراية بها. وأغلب الظن أن الهدف كان اختطاف قيادي من المقاومة، وهذا يذكّر باختطاف ديراني ومطلب مبادلته بالطيار رون أراد، وهي عملية لم تحقق هدفها في حينه.
أخيرا، في الوقت الذي أعلن وزير الحربية الإسرائيلي مرارته واستقالته واعتبر أن حكومته خضعت للإرهاب، تلتف جماهير القطاع حول المقاومة، فالشعب الذي يشكل اللاجئون معظم أبنائه لا يرى في المقاومة سببا لمأساته، ويعرف جيّدا أن الاحتلال، هو سبب مآسيه أولا وأخيرا، وهو الذي يتحمّل المسؤولية عن كل ما جرى وما يجري وسيجري من مآسٍ وآلام.

1