أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
خسرنا وطناً وربحنا طرطوراً!!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 02.12.2017

لو استمعت إلى التلفزيون السويسري أو السويدي أو الألماني ذات يوم، وهي بلاد معروفة على مستوى العالم بأنها رموز للتقدم والتحضر، لأخذت الانطباع أن تلك البلاد في حالة يُرثى لها. لماذا؟ لأن وسائل الإعلام الحرة لا تترك مشكلة مهما كانت صغيرة إلا وتضخمها وتركز عليها حتى يتم إصلاحها، بينما في بلادنا التعيسة لا تسمع في وسائل إعلامنا المهترئة إلا عن الإنجازات والانتصارات التاريخية، مع العلم أن كل المؤسسات معطلة في بلادنا باستثناء مؤسسة المخابرات التخريبية، وأن الخراب يعم كل المجالات.
بالأمس القريب حرقت إسرائيل في عدوانها على لبنان الحرث والنسل والبشر والحجر، لكن مع ذلك خرج بتوع «المقاومة» ليحتفلوا بالنصر الإلهي العظيم على إسرائيل. ولا ننسى أنه عندما سقط الجولان قال قيادي بعثي كبير وقتها، لا مشكلة في سقوط الجولان طالما أن القيادة بخير، فهم لا شيء يهمهم في الوطن سوى الكراسي، وليذهب الوطن والشعب أدراج الرياح. واليوم بعد تدمير ثلاثة أرباع سوريا وتهجير نصف الشعب السوري وتحويل سوريا إلى بلد متعدد الاحتلالات، لا هم للنظام وحلفائه إلا الحديث عن الانتصارات التاريخية.
قال تاريخية قال. لا أدري، هل نضحك أم نبكي عندما نسمع وسائل إعلام «المماتعة والمقاولة» وهي تتشدق بصمود نظام الأسد والانتصار على «المؤامرة الكونية» وإفشالها. فإذا كانت المؤامرة قد فشلت، وأدت إلى دمار سوريا وتهجير شعبها، فكيف لو نجحت، لا سمح الله؟ كيف سيكون وضع سوريا؟ ربما انتصار آخر ويختفي بلدنا عن الخارطة!
يا من تتفاخرون بصمود النظام وانتصار الدولة السورية: لو عرفتم الحقيقة، لبكيتم دماً على «صموده» المزعوم حتى الآن، فلو سقط رئيسكم، كما سقط حسني مبارك وزين العابدين بن علي، لما وصلت سوريا إلى هنا. بشار الأسد، أيها المغفلون، لم يصمد، بل أراده أعداء سوريا أن يبقى كل هذا الوقت كي يدمروا بلدنا من خلاله وبواسطته. ونجحوا. لاحظوا أن سقوط مبارك وزين العابدين بن علي في مصر وتونس خلال أسابيع انقذ مصر وتونس من الخراب والدمار الذي حل بسوريا بسبب عدم سقوط الأسد. ولو بقي مبارك وبن علي في الحكم، لكانت مصر وتونس الآن في وضع مشابه لسوريا، لا سمح الله. لكن سقوطهما أنقذا تونس ومصر، وكان نعمة عليهما، بينما كان «صمود» بشار المزعوم نقمة على سوريا والسوريين.
لقد عمل أعداء سوريا، بمن فيهم روسيا وإيران، على تطويل أمد المحنة السورية ودعم النظام ورفض أي محاولة لتنحي رئيسه عن السلطة منذ اللحظات الأولى. لقد تمثلت المؤامرة الكونية الحقيقية على سوريا في الإبقاء على الأسد، لأن بقاءه يضمن المزيد من الدمار والانهيار خدمة للأعداء. بشار الأسد كنز استراتيجي لإسرائيل وأمريكا من الناحية العملية، فقد نفذ كل ما تريدانه، وربما أكثر بكثير. هو المغناطيس العظيم الذي جذب إلى سوريا كل أنواع الأشرار ليحولوها إلى أنقاض.
ماذا يريد أعداء سوريا أجمل من ذلك؟ المنطقة بأكملها على كف عفريت بفضل خدمات النظام. إنه القائد لمشروع الفوضى «الهلاكة». ولو تخلوا عنه في بداية الأزمة السورية، لما استطاع ضباع العالم إيصال الشرق الاوسط إلى ما هو عليه الآن من فوضى واضطرابات وكوارث وقلاقل؟ ولو أرادت أمريكا وإسرائيل لتكافئانه، لشيدتا لبشار تماثيل من ذهب. ومما يؤكد ذلك أن إحدى العواصم شهدت مؤتمراً هاماً مغلقاً حول سوريا قبل مدة، حضره كبار الاستراتيجيين والمسؤولين الغربيين والدوليين: فسأل أحد الحضور مسؤولاً كبيراً: «لماذا لا تتدخلون في سوريا»، فأجاب المسؤول: «الوضع في سوريا مثالي جداً بالنسبة لنا، فكل السيئين الذين نكرههم يخسرون، ويهلكون في سوريا. كان بإمكاننا أن ننهي بشار الأسد بسهولة، لكن لو أنهيناه، لتوقف الدمار المطلوب. نحن نريد بقاءه مرحلياً، لأنه أشبه بالمغناطيس الذي يجتذب السيئين إلى المحرقة السورية، فيحرقهم، ويحترق معهم».
أيها المتشدقون بصمود نظامكم: لا تتفاخروا إذاً، بل ابكوا على وطن تمزق، وانهار، وشعب تشرد بسبب «صمود» أسدكم. وهو ما يريده أعداء سوريا بالضبط. أمريكا تدعو إلى تنحي بشار، وروسيا ترفض. لعبة مفضوحة منذ سنوات هدفها تمديد فترة الدمار. يوماً ما ستندمون على التصفيق للصمود «المسموم» الذي كلفنا وطناً، وجعل شعبنا طعاماً للأسماك في عرض البحار.
صمود النظام حتى الآن أشبه بالشجرة التي تحجب الغابة، يستخدمونه ستاراً وذريعة مكشوفة للإجهاز على ما تبقى من وطن كان اسمه سوريا. والأنكى من ذلك، أن الرئيس الروسي جمع كبار الضباط الروس عندما استدعى الرئيس السوري إلى موسكو قبل أيام وقال لبشار الأسد أمام الضباط: «هؤلاء هم من أنقذوك، أي أن ما آلت إليه الأحداث في سوريا كانت بالدرجة الأولى بفضل التدخل الروسي، ولا فضل للنظام وحلفائه في شيء. ولا ننسى أن إيران تنافس الروس في تجيير «الانتصار» في سوريا إلى نفسها، لكن مع ذلك فالنظام يحتفل بشيء صنعه غيره لمصلحة استعمارية خاصة، تماماً كالصلعاء التي تتفاخر بشعر جارتها.
مبروك للسوريين الذين خسروا وطناً وربحوا طرطوراً!!

1