أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
أفق «حزب الله» المسدود!!
بقلم : سهيل كيوان ... 07.09.2017

الغزوات الأجنبية للمنطقة العربية ليست جديدة، بما فيها الغزو الصهيوني الحديث، فهي قديمة قدم التاريخ، ولن تتوقف وإن أخذت أشكالا غير مباشرة أحيانا نتيجة تقدم التكنولوجيا والاتصالات والسيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية من بعيد، وكُتب على شعوب هذه المنطقة أن تدافع عن نفسها جيلا بعد جيل بيد، وباليد الأخرى أن تكافح لأجل أنظمة أكثر عدلا وإنسانية.
سقط مئات آلاف الشهداء، وحتى الملايين من العرب والمسلمين على مدى العصور في مقاومة الغزو الأجنبي، وكذلك في صراعات داخلية على السلطة، بعضها سجل انتصارات وبعضها سجل هزائم، وهذا قبل ظهور حزب الله اللبناني الحديث العهد، الذي يرفع لواء مقاومة الاستعمار وقوى الاستكبار العالمي ونصرة المظلومين والمستضعفين.
هزيمة جيش لحد عام 2000 وصمود حزب الله العسكري عام 2006 أمام إسرائيل منحه شعبية كبيرة، وهو قوة عسكرية لا يستهان بها، ولكنه في المقابل وعلى الجبهة الاجتماعية يقف على رأس الحربة المضادة لتحرر الإنسان العربي وانطلاقه. لا نحتاج لسماع حججه وتبريرات تدخله في سوريا، فالسيد حسن نصر الله أعلن أكثر من مرة بأنه يأتمر بأمر الولي الفقيه، آية الله المعصوم الذي لا يخطئ، وهذا في دستور حزبه، فهو مأمور للولي الفقيه من إيران وتوجيهاته. بهذا الولاء الأعمى للفقيه لا يمثل نصر الله سوى المتعصبين من أبناء مذهبه، وهو بعيد جدا عن حلم وفكر غالبية الشباب العربي المسلم والمسيحي، الطامح للحرية ولحياة مدنية بعيدة عن التعصبات المذهبية، مثل معظم شعوب العالم.
ولاء السيد حسن نصر الله الأول لآية الله خامنئي وليس لأي قيم إنسانية أخرى، فهو يناصر أبناء مذهبه من الشيعة في السعودية والبحرين، الذين قد يكونون مظلومين بالفعل، من منطلقات مذهبية، وليس من قيم إنسانية وحق بالحرية والعدل، والدليل أنه يتغافل عن ظلم أشد يتعرض له العرب من أهل السنة في إيران، ويغمض عينيه عن إعدام المعارضين للنظام في إيران، ولا يحتج على قمع حرية التعبير، إلا إذا كانت تحت جناح الولي الفقيه، ومن الواضح أن سياسته الخارجية هي فرع من الخارجية الإيرانية، فهو صنيعتها أصلا. إضافة لإغفاله ما يتعرض له العرب والسنة في إيران، فهو لا يفعل شيئا جديا وجذريا للتخفيف من معاناة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في لبنان، حيث يتعرضون لعنصرية تحرمهم من العمل بعشرات المهن، وهي عنصرية غير موجودة على مستوى العالم ضد أي شعب كان، لا ضد أقليات ولا لاجئين ولا ملونين، وليت حزب الله «نصير المستضعفين» وأحزابا لبنانية أخرى يتعلمون التعامل الإنساني مع اللاجئين، من دول الشياطين والشر والاستكبار في الغرب، خصوصاً بعد مرور سبعة عقود على هذا اللجوء، ويفترض أن تحصل الأجيال الجديدة التي ولدت على الأرض اللبنانية، على ما تنص المواثيق الدولية عليه، بشأن حقوق اللاجئين في العمل ومكان الإقامة والتعليم والسكن بكرامة، وليس في جحور يُرصّون فيها كالسردين في المخيمات في بلد باع إقطاعيوه أكثر من مليون دونم من أرض فلسطين للصهاينة.
هل يستطيع السيد الثائر حسن نصر الله وأي قائد لبناني آخر من كل الطوائف أن يخبرنا ما ذنب الفلسطيني الذي ولد في لبنان بأن يتكبد كل هذا الظلم والاضطهاد والتمييز؟ وهل التوازنات الطائفية المقرفة تبرر هذا الظلم الذي يحرم الفلسطيني من حقوق تتيحها له المواثيق الدولية؟ أما الحديث عن تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، بينما الفلسطيني يعيش في جحر لا يليق بالثعالب و»الواويات» على بعد أمتار منك فهو كلام تافه للاستهلاك المحلي يمقته معظم الفلسطينيين، خصوصا سكان المخيمات.
الآن بعدما أوشك حزب الله على إنهاء مساهمته في قمع الثورة السورية، إلى جانب النظام وإيران والتحالف الدولي برئاسة أمريكا والسعودية، بدأت جوقة التحريض الصهيوني بالعزف ضده، ليس لأنه بطل التحرير المنتظر، فهي تصمت وتبارك طالما أن العرب والمسلمين يذبحون بعضهم بعضا، ولكن عندما ينتهون من قتل بعضهم أو يوشكون تنتظر الفرصة لتحجيم القوة العسكرية الصاعدة، سواء كانت سنية أو شيعية أو اشتراكية أو قومية أو غيرها، الآن دور حزب الله.
قدرة حزب الله على الصمود أمام العدوان لا تعني أنه قوة تحررية للإنسان العربي، بل تعني أنه قوة عسكرية جيدة التسلح والتدريب تدافع عن نفسها، ومثلما حاربت الشعب السوري وكل معارض للنظام بغطاء محاربة «داعش»، ليس غريباً أن تُستقدم إلى جانب الحرس الثوري لقمع الشعب الإيراني نفسه، إذا ما حاول التحرر من سلطة آيات الله. شعارات العداء للإمبريالية وقوى الاستكبار والصهيونية لا تلغي النفق المذهبي المسدود الذي قام على أساسه حزب الله، ومثلما كان واضحاً منذ البداية أن «داعش» ليس مشروع حياة لشعوب المنطقة كذلك هو حزب الله، مع الفارق بأن حزب الله أكثر ذكاء وإمكانيات وقدرة على المناورة، فهو مدعوم من قوى إقليمية ودولية تمنحه نفسا أطول، إلا أنه ليس مشروع حياة للإنسان العربي والمسلم، بل هو لاعب طائفي قوي، وهو يرقص على إيقاع الخمينية مقابل رقص آخرين على إيقاع الوهابية. إن تسمية حزب الله في لبنان والعراق وأنصار الله في اليمن وغيرها من تسميات «إلهية» هي عملية إيهام بأنها قوى مرتبطة بالله فلا تخطئ ولا تُغلب، بينما غيرها أحزاب بشر وشياطين تخطئ وتهزم. قوة حزب الله هي أداة قمع ثقيلة بيد إيران، ولن يغير من هذه الحقيقة عداء إسرائيل لحزب الله، فإسرائيل معادية حتى لحلفائها ولمن وقعوا معها اتفاقات سلام وحتى للمتعاونين معها أمنيا، لأنها مشروع مركّب يطمح لتركيع المنطقة كلها لصالحه وصالح الجذور العدوانية التي يستقي منها حياته، وتبقى على الشعوب العربية المهمة والمسؤولية ذاتها، مقاومة الغزو الأجنبي للمنطقة والكفاح لأجل التحرر من أنظمة الظلم والاستبداد.

1