أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
اشتر ثلاجة وخذ خروفا هدية!!
بقلم : سهيل كيوان ... 24.08.2017

في حملة تسويق ذكية، أعلن أحد المتاجر لبيع الأدوات الكهربائية في مدينة طبريا في غور فلسطين المحتل حملة مبيعات خاصة للمسلمين، بأن من يشتري ثلاجة، أو ما يعادل ثمنها من أدوات يحصل على هدية عبارة عن خروف لعيد الأضحى، فيذبحه ويخزنه في ثلاجته الجديدة، ثم يأكله على مهله.
فهرع زبائن عرب مسلمون إلى هذا المتجر ليشتروا ويحصلوا على الخروف، خصوصاً أن الموسم موسم أعراس وفتح بيوت جديدة، وهذه بلا شك حملة تسويق ذكية، أولا لأن الحملة لفتت نظر آلاف المستهلكين في المنطقة إلى المتجر، ولن يتوقف الأمر حينها على الثلاجة ولا على العيد، ثم أنه أنشأ رابطا عاطفياً بينه وبين المسلمين، فبمجرد إعلان كهذا يُشعر المسلم المسكين الذي يُنظر إليه دوليا كحزام ناسف أن صاحب المتجر اليهودي يحترمه ويحترم دينه وتقليده، ويعترف بأنه ليس حزاماً ناسفاً بالضرورة، بل يسهم معه في فرحة العيد، خصوصاً أن الحملة تأتي في الوقت الذي يتعرض المسلمون لواحدة من أشرس حملات الشيطنة في تاريخهم، لم تعرف مثلها سوى شيطنة النازية لليهود إبان الحكم الهتلري في أوروبا.
لم يكن على صاحب المتجر إلا إضافة ثمن تكلفة الخروف على ثمن الثلاجة، التي قد تكون تكلفة هدية عادية مثل الخلاط الكهربائي أو عصارة الجزر أو مقلاة البطاطا، وقد يكون مصدر الخراف الرخيصة عصابة لصوص تسرقها وتبيعها، لأن سرقة الأغنام تتفاقم في شهر ذي القعدة. كثيرون من تجار الحلال يأتون صباحاً إلى زرائبهم التي تقام عادة خارج المناطق السكنية فيجدونها فارغة، هناك عصابات محترفة في سرقة الحلال، ليس على السارق إلا أن يكسر قفل الزريبة ويحمل واحدة منها على كتفه، فتطلق ثغاءها فيتبعها القطيع إلى الشاحنة التي تكون في مكان ما بالانتظار، وليس مستهجنا أن يباع الخروف الواحد بربع ثمنه الحقيقي أو أقل.
إلا أن لاختيار الخروف هدية أثراً نفسياً إيجابياً على المستهلك المسلم، والعملية كلها لافتة للنظر، ولكن لسوء الحظ توقفت الحملة، لأن قسم الصحة في بلدية طبريا، كما يبدو، تدخل وأخذ على المتجر أن الظروف التي تنقل فيها الخراف من الحظائر إلى المتجر وكذلك وقت ومكان انتظارها ونقلها كلها غير صحية ولا مراقبة، بل ذهب آخرون في تقرير بثته القناة الثانية يوم الثلاثاء الأخير، أن العملية فيها قسوة وقلة رحمة، فالخراف تصل جائعة، ثم أنها تنقل في وسائط غير معدة لنقل البهائم، وبعض الزبائن يقيّدها من قوائمها ويلقي بها في صندوق السيارة الخلفي ويغلق عليها في هذا الحر الشديد، وهذا عمل غير أخلاقي لأنه يعني التنكيل بها وحتى تعذيبها قبيل أيام من تحولها إلى كباب وأشياش على النار، وهذا أدى إلى وقف حملة ثلاجة وخروف، ولكن المتجر ربح تعاطفا وانكشافا كبيرين بدون عناء كبير أو تكاليف إعلانية كبيرة. المهم في الموضوع أن للخرفان قوانين تحميها حتى وهي ماضية إلى الإعدام، بحيث أن عملية الذبح نفسها يجب أن تكون رحيمة، ولا تسبقها معاناة كبيرة للأضحية، ليس فقط في عملية الذبح، بل بما يسبقها من مراحل وإعدادات.
التعاطف مع الأغنام والخراف في ذي القعدة وذي الحجة ليس جديداً، فقد اعتبرت بريجيت باردو يوم النحر أنه يوم كارثي، فلكل حيوان وزهرة وشجرة ونهر في هذا الكون حماة ومطالبون بحقوقها بالعيش والموت الكريم. ويبدو أن الوحيدين الذين باتوا بلا حماية أو رحمة، قبل أو خلال وبعد ذبحهم هم المسلمون أنفسهم، ففي الوقت الذي يفلسف فيه بشار الأسد خطاباته ويدعي انتصارات، تجتمع القوى الفاعلة على الأرض السورية علنا وخفية، كي تحدد مصالح كل طرف منها، دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب السوري نفسه، الذي تشتت وتدمر، وتبقي على المسلخ البشري مفتوحاً بلا قيود أو حدود زمنية.
يجتمع بيبي نتنياهو ببوتين كي يضمن بقاء الوضع في سوريا، كما هو عليه، أي بدون أي حالة مستقبلية قد تقلق استقرار جبهة الجولان، بيبي يريد استمرار الحقبة الأسدية الذهبية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والروس يعدونه خيراً ويؤكدون مثل الأمريكان وأصدقائه العرب أن رضا إسرائيل على «قرعة راسنا من فوق»، وأن مهمة إيران هي المساهمة بتثبيت بشار الأسد وقمع المعارضة ولن يسمح لها بأكثر من هذا.
في هذه الأثناء ومع اقتراب عيد الأضحى، تتواصل وتتزايد الغارات على المدن والقرى السورية، مستهدفة الأحياء السكنية التي يذهب ضحيتها المئات بين قتيل وجريح يوميا، وصار يُعلن عن قتل وجرح مئات المدنيين كأمرعادي ومسلم به وطبيعي جدا، فلا يستحق حتى خبرا في أشرطة معظم الفضائيات، إلا من رحم ربي.
فكون المنطقة المستهدفة خاضعة لسيطرة «داعش»، أو «النصرة، أو أي قوى معارضة يحلل قصف كل ما فيها، ولا حاجة للتمييز أو للتحقق بين مدني وعسكري.
رغم كل هذه الكوارث نطمئنكم على أن الفضائيات العربية ومعها «روسيا اليوم» ستبث صوراً للسادة الرؤساء والملوك العرب وهم يقفون في الصف الأول، خلال أداء صلاة عيد الأضحى القريب، سيظهر من يحاصر الناس خاشعاً متضرعاً متقشفاً أمام عيون الكاميرات كأنه الخليفة الذي لم يصب اللحم منذ عيد الفطر، كي لا يمس درهما من بيت مال المسلمين، وسنرى حارق شعبه كالحمل الوديع وقد شبع من مرعاه خاشعا يثغو وراء شيخه فاتحاً كفيه كأنما يسترحم السماء بأن تزيد السوريين تجانسا، وسنرى المستهتر بتصليح السكك الحديد متضرعا لتخفيف حوادث القطارات، وسيظهر من دعم «داعش» وموّلها وأصحاب الفكر التكفيري يرتشفون القهوة المرة ويهنئون بعضهم بعضا بابتعاد شبح الثورات عنهم، وسيظهر فاقد الشرعية وهو يصافح بعض المواطنين الناجين من مجازره التقليدية المملة وسوف يتقبل تهاني العائدين إلى الحياة من سجونه، وسيظهر الفنانون المشبحون المسبحون بحمده ليقولوا إن الأمة يجب أن تهنئ نفسها بقيادتها الشجاعة الحكيمة التي ستعيد لها أيام الكهرباء والثلاجات، ترونها بعيدة ونراها قريبة.

1