أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
لماذا أتخذ تنظيم القاعدة من إيران قاعدة؟ /1
بقلم : علي الكاش ... 09.05.2017

هل يا ترى هي مجرد صدفة أن يكون أصل كلمة إرهاب فارسيا أم إن هذا المعنى جاء متناغما مع سياسات هذه الدولة التي لها تأريخ حافل في العنف والعدوان والإرهاب مع دول الجوار وغيرها؟
في الوقت الراهن تعتبر إيران في ظل حكم نظام الملالي والكيان الصهيوني الراعيان الأساسيان للإرهاب الدولي بعد الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. ولا نبالغ إذا قلنا بأن الشعب الفلسطيني والعراقي والسوري والأحوازي والأفغاني واليمني من أكثر الشعوب في منطقة الشرق الأوسط التي أكتوت بنار الإرهاب الامريكي ـ الصهيوني ـ الإيراني، تليهما السعودية وتركيا ولبنان من دول المنطقة.
البعض يعتقد إن هناك نوع من التعارض بين تنظيم القاعدة من جهة والنظام الإيراني من جهة ثانية وهذا أمر بديهي. بإعتبار إن القاعدة محسوبة على أهل السنة كما أن التنظيمات الإرهابية الإيرانية كعصائب أهل الحق وحزب الله وحركة النجباء وفيلق بدر وجيش المهدي وغيرها محسوبة على الشيعة. مع إن الطائفتين عموما بريئتان من تلك التنظيمات الإرهابية التي تمثل أحزابها وأشخاصها فقط، وليس المذاهب التي تدعي الإنتساب لها. لكن هذه النظرة مع صحتها تُعد أحادية الجانب وليست ذات طابع شمولي.
لو رجعنا قليلا إلى الوراء وتمعنا بصورة دقيقة في بعض الشواهد القريبة لوجدنا الكثير من المؤشرات التي تؤكد بأن القاعدة والأحزاب الإيرانية المتطرفة هما وجهان لعملة واحدة. نعم قد تختلف الأفكار والوسائل وهذا أمر طبيعي، ولكن الأهداف هي واحدة. فتنظيم القاعدة يبقى في خدمة النظام الإيراني طالما أنه يساهم بشكل فاعل في بث الفتن والفوضى في العالم وبعمل بدأب على تشويه صورة الإسلام من خلال وسمه بالإرهاب. حتى أمسى الإسلام مرادفا لكلمة الأرهاب جراء نشاطاتهم الإرهابية. وطالما اهداف الطرفين هو تحقيق مصلحه النظام الإيراني في المنطقة.
إن النظام الإيراني لصق الإسلام بالإرهاب من خلال تصدير ثورة الدجل والشعوذة. وإحتلاله المرتبة الأولى في العالم بعدد الإعدامات بحق مواطنيه، وإستحقاقه مركزا مرموقا في إنتهاكات حقوق الإنسان. إضافة الى مشاكسته للنظام الدولي من خلال إصراره على تطوير برنامجه النووي لخدمة أهدافه التوسعية رعم الإتفاق الذي جرى مع الشرعية الدولية وتمخض عن رفع الحصار جزئيا عن النظام. علاوة على تدخله السافر في شؤون دول الجوار من خلال تصدير الإرهاب كبند من بنود تصدير الثورة الممسوخة، وإطلاق التهديدات ضد دول الجوار سيما الخليجية. كما إن رعاية النظام الإيراني للميليشيات الشيعية الموالية له وزرع الخلايا النائمة في البلدان العربية سيما في دول الخليج العربي وتحريض الأقليات الشيعية على أعمل الشغب والفتنة والمطالبة بالإنفصال كما جرى في اليمن والبحرين والسعودية.إنما الغرض منه تمزيق الوحدة الإسلامية المتصدعة أصلا، وهذا المنهج يمارسه تنظيم القاعدة أيضا. وهناك مثل معروف بأن" عدو عدوي هو صديقي".
من المعروف إن عدد من قادة تنظيم القادة تحتضنهم إيران مع عوائلهم. وبعضهم مطلوب بالإسم للعدالة لنشاطاتهم الإرهابية في العديد من دول العالم بما فيها الشيطان الأكبر وقوى الإستكبار العالمي حسب تصنيف النظام الإيراني. لكن النظام الايراني يتحفظ عليهم ولا يسلمهم لغاية في قلب يعقوب!
أليس من الغرابة إن أذرع أخطبوط القاعدة طالت القارات السبع وشملت ساحة عملياته العشرات من الدول القريبة والبعيدة، لكن أذرعه قصرت عن إيران ولم تطلها؟ رغم إن العديد من بيانات القاعدة ذات نكهة سلفية طائفية معادية للصفوية التي هي الأولى ـ كما يفترض ـ بالتصفية كخصم مزمن وعتيد وعنيد، ناهيك على الإختلاف الأيديولوجي بين الصفوية والوهابية!
كما إن الساحة الإيرانية مكشوفة أمام تنظيم القاعدة من خلال دولتين مجاورتين (العراق وأفغانسان) بحدود طويلة وتضاريس وعرة يُصعب السيطرعليها. كما هو الحال بالنسبة لحزب العمل الكردي الذي توغل في العراق وسيطر على جبل قنديل وسنجار بحدود مائة كيلومتر طولا. فما هو السبب الذي يقف وراء خلو الساحة الإيرانية من إرهاب القاعدة، على الرغم سهولة إختراق الحدود الإيرانية عبر العراق وافغانستان؟ الأنكى من هذا كله ان مكاتب الأحزاب الإيرانية في العراق أو الموالية لإيران كحزب الدعوة بشطريه والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الله وعصائب أهل الحق، علاوة على الهيئات الإيرانية الناشطة في العراق بأغطية إستخبارية مختلفة كالمؤسسات الخيرية والدينة والسياحية والبنكوتية والشركات الأخرى هي بمنأى عن إرهاب القاعدة مع سهولة النيل منها؟ فما هو السبب؟ ثم لماذا لم تستهدف القاعدة عملاء أمريكا وإيران من كبار المسؤولين في الحكومة العراقية في ظل الأوضاع الأمنية المتردية؟ في حين تستهدف المدنيين الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة؟
لم يكن العراق ساحة لعمليات القاعدة لما قبل العزو، كما ذكرالصحفي (جونثان رادل) بأنه " لم يكن للقاعدة وبقية الجهاديين سوى قلة من الأتباع في العراق قبل الغزو الأمريكي. وكان وجوهم يقتصر على المنطقة الكردية الممتدة على الحدود العراقية- الإيرانية. حيث رأت طهران إن بقائهم في هذه المنطقة يعد أفضل وسيلة لضمان إستمرار حالة عدم التوازن لدى القوميين الأكراد". وكانت التصريحات المدوية حول العلاقة بين طهران وتنظيم القاعدة قد أثارها أيضا السيناتور الأمريكي (جون مكين) خلال جولته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط بقوله " الجميع يعرف جيدا بأن عناصر تنظيم القاعدة يتوجهون إلى إيران حيث يتلقون تدريباتهم هناك، ثم يعودون إلى العراق للقيام بنشاطات إرهابية، هذه حقيقة ثابتة، وإننا قلقون منها". بل إن الرئيس الأمريكي بوش نفسه غمز إلى تلك العلاقة بقوله" إن أعداء أمريكا الحقيقيين هم الإرهابيون السنة والراديكاليون الشيعة. إنهم يشكلون الإسلام الفاشيستي". فمن هم الأرهابيون السنة بنظر بوش غير تنظيم القاعدة؟ أما الراديكاليون الشيعة فهم عدة فرق تتفيأ تحت ظلال عباءة الولي الفقيه في إيران.
كما أشارت مصادر الاستخبارات الغربية بإن" الزرقاوي هرب من أفغانستان إلى إيران في شهر ت 2/2001 حيث تم احتجازه من قبل المخابرات الإيرانية قبل أن إطلاق سراحه من الإقامة الجبرية وُسمح له بالسفر إلى العراق". (جونثان راندل)، وقد وجد بعهدته جواز سفر إيراني، وقيل بل تأشيرات دخول وخروج من إيران، بمعنى أنه حصل على تسهيلات من نظام الملالي دون ان تفصح المخابرات الامريكية والأوربية والإيرانية والعراقية عن المزيد من التفاصيل في حالة فريدة من نوعها، فهناك كما يبدو من لا يريد توضيح الموقف الإيراني تجاه الزرقاوي لسبب ما.
نستذكر بهذا الصدد إعتراف جورج تنيت مدير (CIA ) أمام لجنة الإستخبارات العائدة لمجلس الشيوخ الامريكي بقوله" نرى دلائل مزعجة تشير بأن تنظيم القاعدة أسس له وجودا له في كل من إيران والعراق". كما نشرت صحيفة التلغراف البريطانية في 14/11/2006 تقريرا عن مصادر إستخبارية رفيعة المستوى بأن الرئيس الإيراني احمدي نجاد يسعى بقوة لإقناع زعماء القاعدة الذين في ضيافة نظامه بإختيار(سيف العدل) ليكون الرجل الثالث في التنظيم بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري"! ومن المعروف إن العدل هو أحد المطلوبين في قائمة أمريكية تضم (22) قائدا من تنظيم القاعدة. وما يزال مكتب التحقيقات الفدرالي يلاحقهم منذ أحداث (11) سبتمبر. لكن طهران ترفض تسليمهم لأغرض التحقيق مؤكدة بتصرفها هذا انها راعية للإرهاب، سيما انهم ليسوا من مواطنيها لترفض تسليمهم للعدالة. وأضافت الصحيفة بأن تلك العلاقة تثير القلق والخوف سيما إنها تتم برعاية مباشرة من قبل الرئيس نجادي. وأكدت من جانب آخر بأن العدل يقيم في أحد قصور الضيافة في طهران مع إثنين من أبناء اسامة بن لادن( سعد ومحمد). وعلقت الصحيفة بأن نجادي وعد مقابل تعيين العدل كرجل ثالث في القاعدة، أن يقدم تسـهيلات لتدريب وتجهيز عناصر التنظيم. كما أكدت بأن "حرس الثـورة الإسلامية يقدمون لمقاتلي القاعدة تسهيلات إستخدمتها في السابق مجموعات إسلامية أخرى مثل حزب الله اللبناني".
كما نقلت وكلة اسوشييتد بريس عن رجل المخابرات المعروف (بروس ريدل) تأكيده بأن" نشاط القاعدة في إيران، كان دوماً لغزاً محيرا بالنسبة للولايات المتحدة. مضيفا بأن تحركات عناصر القاعدة نشطت بقوة عام 2008 بالتزامن مع إصرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي". فقد سمح لسعد بن لادن خلالها بالسفر إلى باكستان مع (4) قياديين من التنظيم. ومن أهم زعماء القاعدة الموجودين في طهران بالإضافة إلى عائلة بن لادن (سعد ومحمد وعثمان وإيمان- غادرت طهران إلى سوريا). هم أبو حفص الموريتاني وسيف العدل وأبو عيد المصري ومصطفى حامد وسليمان ابو غيث المتحدث بإسم القاعدة. وهناك قادة آخرون تتحفظ طهران على أسمائهم. ويبدو إنهم يقيمون فيها بشكل مؤقت. ومثل هذه التحركات وصفتها(كلير لوبيز) من وكالة المخابرات الأمريكية بأنها" لا تبشر بخير". وسبق أن نشرت صحيفة (سيسيرو ) الألمانية نقلا عن مصادر إستخبارية مطلعة بأن (25) من زعماء تنظيم القاعدة ينحدرون من مصر والسعودية واوزبكستان وشمال أفريقيا وأوروبا، قد فروا بعد الغزو الأمريكي لإفغانستان ويقيمون حاليا في فنادق راقية في طهران. مضيفة بإن" الحرس الثوري الإيراني يقدم لعناصر القاعدة دعماً لوجستياً وتدريبات عسكرية".
وأشار آخر تقرير للكونغرس الاميركي بعد مقتل بن لادن- أعدته شركة كرونوس الاستراتيجية المعنية بشئون مكافحة الإرهاب- بوجود علاقة وثيقة بين الحرس الثوري الايراني وتنظيم القاعدة. وذكر مايكل سميث معد التقرير بأن " إيران اقامت بهدوء علاقة عمل قوية مع أبرز قادة القاعدة. وإن هذه العلاقة أقيمت بهدف التصدي للنفوذ الاميركي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا". وأضاف إن العلاقة تضمنت ايضاً" مساعدة إيران للقاعدة على تجنيد الإرهابيين لتنفيذ إعتداءات ضد الولايات المتحدة وحلفائها من خلال توفير الدعم الضروري الذي يمكن تنظيم القاعدة من توسيع نطاق عملياته". وإنتهى التقرير بتوصية خطيرة " فيما إذا لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءات وقائية كافية فإن علاقات ايران بالقاعدة قد تكلفها – أي الولايات المتحدة وحلفائها- ثمناً باهضاً" وبالطبع لم تكن هناك لا تكلفة باهظة ولا غير باهظة.
في مقالة له في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، تساءل الكاتب ريموند تانتر" ماذا لو كان تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ربيبين لإيران؟، مضيفاً: إن هذا الطرح قد يبدو غريباً للوهلة الأولى؛ لكونهما جماعتين سنيتين متشددتين، بينما إيران دولة شيعية ثيوقراطية بحكمها الديني، لكن الواقع يثبت ذلك". وأوضح أن بعض الباحثين أشاروا إلى أوجه الشبه بين الطرفين، وقال: "إن تنظيم الدولة لن يختلف عن إيران في حال تمكن من الفوز والنجاح، وإن بينهما تشابهاً في السلوك؛ فكلاهما نفذ أنشطة إرهابية مروّعة، وانتهاكات لحقوق الإنسان في الداخل والخارج باسم التشدد الإسلامي". وأشار الكاتب إلى أن "موقع ويكيليكس نشر وثائق سرية أمريكية تثبت أن هناك روابط وعلاقات بين إيران وتنظيم القاعدة في العراق، وهو سلف تنظيم الدولة، وأن الوثيقة تحمل العنوان: سجلات حرب العراق.. تكتيكات التفجيرات الانتحارية الجديدة لتنظيم القاعدة، وهي بتاريخ الـ17 من نوفمبر/تشرين الثاني 2006، ونشرتها صحيفة ذي غارديان البريطانية في الـ22 من أكتوبر/تشرين الأول 2010". وأوضح تانتر أن الوثيقة "تثبت أن طهران درّبت مسلحين من تنظيم القاعدة في العراق على استخدام أحزمة ناسفة مزودة بكاميرات، وأن محكمة في منهاتن في نيويورك قامت في التاسع من مارس/آذار 2016 بمطالبة إيران بدفع تعويضات لضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول؛ نظير دور إيران المفترض في مساعدة خاطفي الطائرات التي استخدمت في الهجمات"وأشار الكاتب إلى أن جذور هذه العلاقة تعود إلى 1979، مبيناً أن "تهديد عنف الإسلاموية السنية لم يكن موجوداً أساساً قبل هذا التاريخ، وليس من قبيل الصدفة أن يقوم متطرفون سنة بالاستيلاء على الحرم المكي الشريف في نفس العام الذي انطلقت فيه الثورة الإسلامية بإيران". وأضاف تانتر: إن "محاولات إيران في الفترة الأخيرة لنشر ثورتها في سوريا والعراق تسببت في النشوء الرهيب لتنظيم الدولة خلفاً للقاعدة"، موضحاً أن "إيران استخدمت التنظيم بشكل غير مباشر لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك للسيطرة على العراق من خلال دعم القتل الطائفي الذي تنفذه مليشيات طائفية في مناطق مثل الفلوجة".
قد نقل الصحافي الأميركي (لورانس رايت)، في كتابه (البروج المشيدة)، أن بن لادن أرسل أفضل مجموعة لديه للتدرب مع حزب الله في لبنان، وزار عماد مغنية رئيس القوات الأمنية للحزب، والتقاه في السودان، وكان مغنية في ذروة نجاحاته الهجومية، حيث أسس جهاز التفجيرات الخارجية في الحزب، وفجّر السيارات الانتحارية في السفارة الأميركية عام 1983، والمظلات الفرنسية في بيروت، التي قتلت أكثر من 300 جندي أميركي، و58 من الفرنسيين، ما أدى إلى انسحاب القوات الأميركية من لبنان إن «الوثائق الست» التي نشرتها جريدة (الشرق الأوسط)، أشارت بالدليل القاطع إلى أن إيران قامت بتسهيل انتقال عملاء القاعدة إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وهو ما كان ضرورياً لنجاح العملية، وأضافت الوثائق أن عماد مغنية، أحد قادة حزب الله اللبناني، زار المنفذين في أكتوبر عام 2000، ونسق سفرهم إلى إيران، بجوازات سفر جديدة، لتأمينهم قبل تنفيذ العمليات. كما أثبتت أن الحكومة الإيرانية أصدرت أوامر إلى مراقبي حدودها، بعدم وضع أختام مُبَيِّنة على جوازات سفر المنفذين، لتسهيل عمليات تنقلهم! كما عقد لقاء في الخرطوم عام 1993، ضم أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق، وأيمن الظواهري، الزعيم الحالي مع عماد مغنية ومسؤولين إيرانيين، لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب.
للمقال تتمة.. بعون الله.

1