أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
حافة الجريمة في وقفة العيد…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 15.09.2016

دار بيننا حوار حول ظاهرة العنف، هل الإنسان عنيف بطبعه أم أن ظرفاً ما يجعل شخصاً ما عنيفاً وآخر وديعاً مسالماً! وهل توجد شعوب عنيفة وأخرى مسالمة!
فقال: ما رأيك بي؟! هل تراني عنيفاً؟
قلتـ أشهد أني لم أصادف إنساناً أكثر وداعة منك! هذه حقيقة وليست مجاملة…
فقال ـ حسناً إسمع ما حدث لهذا الوديع الطيب المسالم الذي تأكل القطة عشاءه….
عملت في عمارة من اثني عشر دوراً مع مقاول عربي مثلنا، من لحمنا ودمنا، في مد شبكة كهرباء، يعني تكسير وتثقيب جدران وأعمدة إسمنت ومد أنابيب وأسلاك في الجدران والأرض، ونقل عتاد ومواد إلى مختلف أدوار العمارة ومخاطر ومسؤولية، مضت خمسة وأربعون يوماً ويفترض أن أحصل على راتب الشهر الأول من العمل، ولكن المقاول ابتسم لي وقال…تحمّلني بضعة أيام ريثما أحضر دفتر شيكات قانونياً…
طبعا انتظرت، ومضى الشهر الثاني، وراح يتحفني بتبريرات جديدة! ثم دخلنا في الشهر الثالث واقترب من نهايته فازداد قلقي! وحينئذ نبهني أحدهم: لا تتساهل معه فهو صعب جداً!». حينئذ شعرت أنني في مأزق، إذا تركتُ العمل سيحتج بأنني خربت التزاماته وسببت له خسائر، وإذا استمررت في العمل، فهذا يعني سكب طحيني في الشوك! اقترب عيد الأضحى، فقلت له «لم يبق للأضحى سوى أسبوع، وأضفت ساخراً..وأنا أعمل عندك منذ قبل رمضان! فقال: ألا تثق بي!
فقلت كاذباً: طبعاً أثق بك، وأمهلك حتى يوم الوقفة لتعد لي راتباً أو نصف راتب للعيد!
فجأة انقلبت سحنته وقال: ماذا يعني تمهلني! أشمّ رائحة تهديد!
فقلت ـ أعوذ بالله، أي تهديد يا رجل! أنا أرجوك..لا تضغط نفسك…فقط إدفع شيئاً على الحساب لتمرير العيد…
ـ لنفرض أنني لم أدفع ماذا ستفعل؟
ـ لا سمح الله، ولم لا تدفع؟
ـ لنفرض، فقط لنفرض أنني لن أدفع؟
ـ لا سمح الله..أنت لست من هؤلاء الذين يأكلون تعب الناس..!
ـ لنفرض أنني منهم ماذا ستفعل؟ ـ
ـ بصراحة..ستنشأ مشكلة خطيرة!
ـ مشكلة! نعم، ولكن لماذا خطيرة!هل ستقتلني مثلاً؟!
ـ يا رجل، لا سمح الله، أأقتل إنساناً من أجل المال! إن قطرة دم إنسانية واحدة تساوي مال الدنيا…
ـ إذن انتبه لألفاظك، لست ممن يرضخون للابتزاز والتهديد!
ـ أنا أتوسلك يا رجل ولا أهددك…
ـ بل أنت تهدد..!
ـ أقسم بالله العظيم أني لا أهدد..أرجوك وأتوسل إليك بأن تدفع شيئاً على الحساب، فقط لإسكات زوجتي التي تنق فوق رأسي!
ـ أها، ما شاء الله…يخافون من نسائهم فيتمرجلون عليّ…
غلى الدم في عروقي، ولكن تريثت وقلتـأرجوك، والله إنني سررت يوم بدأت العمل مع مقاول عربي ما يؤلمني يؤلمه وما يجمعنا كثير، فلا تخذلني، لا تدخلني بامتحان..
ـ أي امتحان! من يسمعك يظن أنك في كلية الطب…
ـ أنا عامل بسيط ولكن أرجو أن تحترم تعبي!
ـ إسمع..أنا أحترم من يحترمني وليس من يهددني!
قلت بصوت ضعيف ومصطنعـ أنا أستعطفك يا سيدي، بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليك بالسعادة وهداة البال…
رد ساخراـأها أها ها قد أصبحت مهذباً، ولكن بعد شو…بعد أن هددتني، لو كنتُ يهودياً لما جرُؤت على تهديدي، طبعاً فاليهودي مسلح! وأنا عربي مسكين «تستوطي حيطي»..
ـ سامحني إذا رفعت صوتي ولكنني أرجوك واستعطفك وباسم الأخوة والعروبة..أنا لا أهددك.
في صبيحة يوم الوقفة ذهبت إلى ورشة العمل، وإذا به يردد الأسطوانة نفسها مع عامل آخر: ليكن معلوماً لك وللآخرين، أنا لا أرضخ للابتزاز والتهديد…
وصرخ عامل ثالث وهو يقفز منفجراًـ أي ابتزاز وأي تهديد..نحن نتوسلك..هل تريد أن نقبّل يديك؟
وما أن رآني حتى صاح باتجاهي: ها قد جاء بطل آخر، هيا أرنا بطولتك أنت الآخر…
تركت الورشة وذهبت إلى مركز الشرطة القريب، حكيت للضابط المغربي الأصل القصة وقلت له «ستقع مشكلة كبيرة في ورشة البناء القريبة، بين أحد المقاولين والعمال»!
رد الضابط بلا مبالاة «هذا موضوع نقابي، إذهبوا واشتكوا لمحكمة العمل وليس للشرطة…
عدت إلى الورشة، ولكن في جيب سروالي مفكاً كنت أستعمله لفحص التيار الكهربائي، من بعيد لوح بيده كأنما ينش ذبابة عن وجهه وقال «لماذا رجعت..إذهب إلى محكمة العمل..
مشيت باتجاهه حتى أصبحت على مسافة خطوة واحدة، تمعنت بأنفه وشفتيه وكتفيه وعينيه وأذنيه، كل ما فيه ضخم، بنيته متينة، والجميع يخشونه!
ـ ليتك تدفع شيئاً، فقط كي لا أشعر بأنني أهبل!
ـبعدما هددتني لن أدفع لا لك ولا لغيرك شيئاً! إذهب إلى محكمة العمل وقدّم شكوى ضدي!
هذه طريقة بعض المقاولين العرب واليهود في النصب، الفرق أن اليهود يفعلونها بضربات مُحكمة بأحجام أكبر بعشرات الملايين، يحصلون على مستحقاتهم من الشركات الكبرى، ثم ينصبون على العمال والمتاجر التي تزودهم بالعتاد والمواد، ثم يعلنون إفلاسهم في محكمة العمل بحجة سوء تقدير المصاريف، حينئذ يُحكم المقاول بالدفع للمستحقين حسب قدرته، وهكذا قد يستمر تسديد دين بسيط عشرة أعوام وأكثر، ولكن المقاول بعد أشهر يُسجل شركة جديدة تحت إسم ورقم جديدين، ويستأنف العمل والنصب كأن شيئاً لم يحدث…
ـ لا أريد تقديم شكوى…
ـ إذن تريد حقك بالقوة!
ـ ألم أمهلك حتى وقفة العيد؟!
ـ ها أنت تقول أمهلتني.. يعني تهددني…
ـ أنت نصّاب وحقير..
حينئذ دفعني بيمناه وشتمني، كان المفك جاهزاً في جيب سروالي، سحبته بسرعة وطعنته في أعلى صدره، استدار فطعنته مرة أخرى في عظم الترقوة، ركض هارباً فلحقت به مواصلاً طعنه، تعثر وسقط أرضاً، فرحت أركله بكل ما أوتيت من قوة وهو يصرخ طالباً النجدة! وبيدي المفك أحاول طعنه كيفما اتفق بحقد أكبر، فقد أيقنت بأنني تورطت بسببه! أحاط بي عشرات العاملين في الورشة من عمال وفنيين ومسؤولين من عرب ويهود وروس وأفارقة وأمريكان وحاصروني حتى وصلت سيارة الشرطة واعتقلوني مع المفك (أداة الجريمة…).
ـ ما الذي فعلته؟ سألني الضابط..
ـ ألم أخبرك بأن مشكلة خطيرة ستقع!
قال بلهجته المغربية ـ أنت «مزنون» بالفعل!
ـ نعم مجنون..
سجّل محضراً وأمضيت العيد في ضيافته!
أُطلق سراحي بعد أيام بكفالة مالية، وبعد أشهر وفي قاعة المحكمة..سأل القاضي عن المبلغ المختلف عليه وحكم به للمقاول كتعويض مالي على إهانته وطعنه بالمفك، وحكم عليّ بمثله غرامة للحق العام! مع مراعاة أمري وظرفي لأنني لم أكُ صاحب أسبقيات.
ـ وماذا فعلت؟
ـهل تصدق أنني بحثت عن سلاح ناري للانتقام منه!
ـ أنت بحثت عن سلاح…أنا لا أصدق!
ـ كان أمامي طريقان، الجريمة ودمار أسرتي أو تجاوز الأمر وتناسيه! في النهاية عدلت عن الفكرة، ولكن هذه الحادثة علمتني بأن الظلم قد يجعل من أطيب الناس وأكثرهم سلمية أناساً عنيفين وقد يرتكبون جريمة من دون قصد، فما بالك بشعوب تنتهك حقوقها وحرياتها وأعراضها وأموالها ودماؤها على مدار عقود وقرون…!

1