أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
التفكيك والتهجين:قافلة الذاكره الوطنيه الى اين!؟
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 08.09.2016

يحظى التاريخ البشري بالكثير من المميزات ويعج بكثير من الاحداث اللتي تطويها الايام والسنين والازمان في طياتها وهذه الاحداث بكل اشكالها محصله لديناميكية الحياه البشريه والمعطيات الطبيعيه وغيرها من مقومات ومعطيات ومسببات تصنع الاحداث الغابره والراهنه اللتي تتحول فيما بعد الى ذكرى نحييها او نتذكرها بمقولة ما اشبه اليوم بالبارحه لشبه هذا الحدث بالاخر او لتكرار نفس المقومات او نفس الاخطاء التي انتجت التشابه بين هذا الحدث او ذاك, لكن اذا تعلق الامر بالذاكره الوطنيه الجماعيه لشعب من الشعوب او لامه من الامم فالحديث يدور هنا عن هويه واحده ومصير واحد وتاريخ واحد تربطه الاحداث الوطنيه او غيرها من ظواهر بالوجدان والذاكره الجماعيه الواحده التي تتشارك فيها الشعوب والامم تاريخيا وحضاريا ولغويا وسياسيا وجغرافيا وديموغرافيا الخ من معطيات او مقومات تفرزها او تخلقها الاحداث كعلامات فارقه ومميزه في تاريخ هذا الشعب او تلك الجماعه من المجموعات البشريه مرورا بالاجتماعيه والاثنيه والطائفيه وغيرهما وحتى ظاهرة الشعب الواحد التي تجمع في طياتها كل فئات ومجموعات هذا الشعب او تلك الامه وبالتالي نرى انه من شبه الطبيعي بان لا يمر يوم الا ونسمع عن إحياء ذكرى حدث ما على مستوى العالم العربي او العالم ككل...ذكرى الحرب العالميه الاولى والثانيه..هيروشيما..ذكرى هذه الحرب او تلك او هذه المعركه او تلك او هذه المجزره او تلك او ذكرى الاستقلال وذكرى الاحداث الوطنيه والمناسبات المميزه..ذكرى انطلاق هذا الحدث او ذاك او ذكرى تاسيس هذا الحزب او تلك الحركه الخ من ذكرى المناسبات والاحداث اللتي لا تعد ولا تحصى ومن بينها ذكرى احتلال واستعمار وتحرر العالم العربي من هذا الاستكبار او ذاك ولا ننسى ذكرى احتلال فلسطين التي كانت وما زالت تشكل قلب جغرافيا العالم العربي والسؤال المطروح هنا :هل هنالك في الذاكره الوطنيه العربيه والفلسطينيه العامه يوم ذكرى لإحياء الذاكره الوطنيه وشحنها بشحنة ضرورة الوعي والالمام بمجرى احداث تاريخيه ووطنيه مفصليه جرت في العالم العربي!؟
من المؤكد ان الحديث لايدور هنا فقط عن ذكرى إحياء النكبه لعدة سويعات كل عام ومن ثم نكتب تاريخ الذكرى وتاريخ مرور ستون او سبعون عام على احتلال فلسطين ونزيد عليه عام اخر في ذكرى العام القادم لابل الحديث يدور هنا عن ظاهرة الغربه والتغريب والجهل والتجهيل والتهجين الذي تعاني منها الاجيال العربيه والفلسطينيه على حد سوا وذلك بما يتعلق بالاحداث المتلاحقه والسياسات التضليليه التي الحقت افدح الاضرار بالوجدان والذاكره العربيه الى حد تشويه مفهوم جغرافيا وديموغرافيا فلسطين وتفصيله على مقاس معطيات وحقائق المُحتَّل وحلفاءه او تحريفه وتفصيله على مقاس برنامج هذا الفصيل الفلسطيني او ذاك او مقاس هذا النظام العربي او ذاك المرتبط عنكبوتيا وعنقوديا بالغرب وامريكا الداعمه الاولى للمشروع الصهيوني في فلسطين, لكن على المستوى الوطني الداخلي الفلسطيني نلحظ اخطر الظواهر وهي ظاهرة وسائل الاعلام الحزبيه والفصائليه التي تمارس تزييف التاريخ الفلسطيني وتهجينه حتى تلائمه لبرنامجها السياسي المرتبط مصلحيا بمؤسسات الاحتلال....اكثرية وسائل الاعلام الفلسطينيه في الضفه والقطاع والداخل الفلسطيني تمثل البرنامج السياسي لهذا الحزب او لتلك الحركه وعلى اساس هذا البرنامج تروج لذاتها اعلاميا واحيانا كثيره تحقن الوعي العام بحقن التضليل والتخدير والعقلانيه والبراغماتيه المزعومه, بمعنى بسيط ومبسط فلسطين الاصل وفلسطين التاريخ والشعب والجغرافيا ليست نفسها " فلسطين" التي تتحدث عنها وسائل الاعلام المنتميه لاحزاب او فصائل لها جذور فلسطينيه... برائحة الشئ ولا عَّدمه..حالة تكحيل او زركشة بهارات مضافه لحاله مشوهه لا طعم ولا رائحه لها...حالة تصريحات وشعارات لا تمت لجذور الحقيقه باي صله..فلسطين..اسرائيل.. الضفه.. القطاع.. اللاجئين...سلطه..عضو كنيست عربي يختبأ في لقب " النائب" فلان او علان الذي يتحدث عن تحرير الاقصى والقدس من داخل برلمان الخصم الذي يحتل الاقصى والقدس وكامل فلسطين..حالة تضليل وتشويه وتهجين للعقل والوجدان والذاكره الفلسطينيه والعربيه حاصله ومستمره منذ عقود.. نشارك في ذكرى النكبه ومن ثم نعود الى موطن مواطنة إنتمائيه كاذبه جغرافيا وديموغرافيا وتاريخيا..موطن التناقض التناحري بين الوجود واللا وجود وحرب لقمة العيش وحياة التناقض بين كيانين ومفهومين متناقضين..هويه وطنيه فلسطينيه وهوية تعريف اسرائيليه؟؟؟
من المحزن والمؤسف في تكرار مأساوية المشهد العربي والفلسطيني هو إحياء وتخليد ذكرى مناسبات مشوهة وغير صحيحة المعالم وممسوخه تاريخيا ضمن خلق ذاكره جماعيه مهجَّنه عبر تمرير مفاهيم ومعطيات غير اصيله وغير حقيقيه حول هذا الحدث او ذاك وحتى مفهوم الديموقراطيه والدكتاتوريه جرى تحريفه وتهجينه وتمريره بشكل فظيع وإجرامي في العراق وسوريا ومصر واليمن ودول الخليج والمغرب والمشرق العربي بشكل عام ناهيك عن تشويه وتهجين كامل مقومات القضيه الفلسطينيه التي عاثت بها الفصائل الفلسطينيه دمارا وخرابا بزعم انها تمثل كامل الشعب الفلسطيني...تفكيك مقومات القضيه ومن ثم تركيبها من جديد وتشويه معالمها الحقيقيه جغرافيا وديموغرافيا ووطنيا.. الوقت الماضي منذ عام 1948 او زمن تسلسل الاحداث كان كافيا لتشويه وتهجين مفهوم فلسطين الى حد الحديث عن الاعتراف بيهودية ثلثي جغرافيا هذا ال فلسطين..عدة اعوام من الاحتلال الامريكي للعراق كانت كافيه لتدمير حضاره وتعايش مشترك عمره 6000 عام على الاقل والقضيه اليوم صارت سنه وشيعه والحديث يدور عن العراق الهجين والمهجن وكأنه ذاك العراق الاصل..سوريا ايضا نفس الحاله.. اليمن.. ليبيا.. الجزائر والرئيس المحنَّط..كامل الجزيره العربيه يحمل اسم عائله..الجزيره ام السعوديه؟.. تهجين وتضليل شامل وكامل للزمان والمكان والانسان وكل معطيات الحياه والحقيقه الى حد ان حزب الله اللبناني يريد اقناع الجمهور العربي بان ما يقوم به في سوريا "مقاومه"..؟!
تعرضت قافلة الذاكره الوطنيه العربيه بشكل عام والفلسطينيه بشكل خاص الى عملية قرصنه نفذها قراصنه عرب واجانب قاموا بنهب حمولة هذه القافله وافرغوهها من فحواها ومفهومها ومن ثم حرفوها عن مسارها التاريخي والوطني وامسكوا برسنها ليقودوها خاويه من حمولتها الجغرافيه والديموغرافيه ومفرغه من معالمها الوطنيه لتصبح مجرد ريشه تتلاقفها الرياح والاعاصير العاتيه في صحراء التيه والهجين العربي.. لا ربيع في الصحراء ولا بذور في الارض ولا غيث في سحاب الافق العربي..من اين وكيف سيحصَّل هذا الربيع العربي؟ في ظل هذا المَّحل الماحق والهجين الساحق الضارب جذوره في اعناق العرب..عطشى ..عطشى حريه ام مصداقيه تاريخيه ترسم معالم ذاكرة هويتنا الوطنيه والتاريخيه...هذا التهجين وهذا الكذب الذي يسمى نفسه "المبادره العربيه للسلام" يسلب ثلثي الوطن الفلسطيني ويتنازل عن ثلثي الشعب الفلسطيني..احتلال فلسطين ام إختلال الفكر التهجيني الذي يُهجن فلسطين جديده في فتات جغرافيا فلسطين التاريخيه ويحاول بيعنا هذا الفتات وهذا الوهم القاتل والمقيت..لربما نحتاج فانوس وسط النهار لنضئ حقيقة مأساوية هذا التهجين!..قوافل الشهداء وقوافل اللاجئين نُهبت عمدا من قافلة الذاكره الجماعيه العربيه والفلسطينيه..حالة تهجين فلسطين...مجانين فلسطين...من زايد الى زايد في زمن كيري وعباس وزمن صمت عربي على بيع وطن..فلسفة ارقام ال 48 وال67 وال93 وال2016...باروميتر..عدَّاد تنازل...صوم طويل وإفطار على بصله..إفلاس وطني؟؟؟
قافلة الذاكره والهويه الوطنيه العربيه تسير منذ زمن بعيد في دروب التيه والتهجين وهنالك من يسعى الى إطالة هذا التيه من خلال تجفيف وتهجين منابع الذاكره الوطنيه والهويه الجماعيه العربيه بهدف ضرب الوعي بقضية المصير العربي الواحد وقضية مركزية القضيه الفلسطينيه اللتي تراجع موقعها في الوجدان العربي العام بسبب ما تعرض له هذا الوجدان من تهجين وتدمير مبرمج منذ عقود مضت وذلك في ظل غياب شبه كامل للمقاومه الثقافيه والحضاريه المطلوبه لحماية الذاكره والهويه الوطنيه من التزييف والتهجين..تفكيك وتفتيت ما هو موجود من مقومات هويه ومن ثم تركيبها وتهجينها وتفصيلها على مقاس كل من هب ودب الى حد ان اللغه العربيه في فلسطين الداخل صارت "عبربيه" وعن تداخل اللغه الانجليزيه والفرنسيه باللغه العربيه في بعض البلدان العربيه فحدث بلا حرج..حتى مناهج التعليم جرى تحريفها وتهجينها وتفصيلها إما على مقاس الحكام والسلطات المتنفذه او على مقاس الاحتلال الاجنبي الذي استبدل اسماء كل الاماكن والرموز ليجعلها جزء من تاريخه وحضارته المزعومه!!
عملية تفكيك وتركيب الذاكره والهويه الوطنيه العربيه بشكل عام عمليه طويله تاريخيا واخذت اشكال كثيره من التشويه والتهجين الى حد اصبح ويصبح فيه الولاء للحاكم الصنم والفاسد هو المعيار والمقياس للوطنيه وما دون هذا هو "خيانه" وطنيه وذلك بالرغم من ان الخيانات العظمى والجسيمه مارسها ويمارسها الحكام العرب الذين قاموا ببيع الوطن العربي ورهنوا قرار وجوده حريته بالامبرياليه الغربيه من جهه وقاموا بعملية مسخ انسانية العربي وتهجين وتجهيل للعقل العربي فاقت كل تصور من جهه ثانيه وبالتالي ما حدث ويحدث الان في العالم العربي هو نتاج ثقافة التهجين والتغريب والتسلط والتضليل والتجهيل الذي يعكس نفسه اليوم في ظاهرة غياب الفكر الثوري والتحرري والتقدمي وعلى راسه فكر احترام وجود وحقوق وحرية الانسان الغائب بالكامل من وعن وجدان الحراك العربي...حراك ثوري ام لا؟..نعتقد لا والسبب غياب الفكر الثوري والمسؤوليه الوطنيه وحضور الفوضى بكل تفاصيلها ومعالمها.. ومن ثم هنالك امر فيه كثير من العجب والماساويه وهو كيف يُرحل ويشرَّد شعب كامل من وطنه ويبقى الحاكم ابو البراميل المتفجره؟..صندوق الذاكره المقفل بقفل ضاع مفتاحه!...التفكيك والتهجين:قافلة الذاكره والهويه الوطنيه الى اين!؟

1