أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
الزيارة لن توقف الاستيطان، ولن تنهي الاحتلال!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 12.07.2016

مثلت زيارة الرئيس المصري أنور السادات لمدينة القدس المحتلة سنة 1977 بداية التسليم الرسمي العربي بسياسة الأمر الواقع الإسرائيلية، والتي فرضت بقوة السلاح دولة إسرائيل حقيقة قائمة، يرفرف علمها في سماء القاهرة، وفي سماء عمان، وعلى أعلى سارية في رام الله أيضاً، رغم كل الشعارات البراقة التي مثلت الخلفية للمشهد الإعلامي العربي طوال السنوات الماضية، فقد جسد الاعتراف المصري بدولة إسرائيل نقطة الارتكاز للسياسة العربية التي تنصلت من واجب تحرير فلسطين، ولم تعد تعتبر القضية الفلسطينية قضية أمن قومي عربي.
وباستثناء فترة حكم الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي الذي هدد بأن غزة لن تقف وحدها في مواجهة العدوان الإسرائيلي سنة 2012، ماعدا تلك الفترة العربية الزاهية من تاريخ مصر، فقد وقفت مصر موقف المتفرج أو المراقب أو الناصح أو الحذر مما يجري من اعتداءات إسرائيلية مكثفة على الفلسطينيين؛ بدأت من غزو بيروت سنة 1982، ولم تنته بتكسير عظم الفلسطينيين في انتفاضة الحجارة سنة 1987، وعدوان السور الواقي على مدن الضفة الغربية سنة 2002، والاعتداء المتواصل على سكان قطاع غزة، والتي كان آخرها عدوان 2014.
رغم كل ما سبق من اعتداءات إسرائيلية سافرة ومهينة لكرامة كل العرب، فقد ظلت مصر العربية تلتزم موقف الحياد، فلم تحرك جيشاً ضد العدوان، ولم تسحب اعترافها بإسرائيل، ولم تقطع علاقتها الدبلوماسية، وإن كانت قد سحبت سفيرها من إسرائيل في نوفمبر 2012، في عهد الرئيس المصري محمد مرسي، ودون ذلك فقد ظلت الدماء العربية التي تجري على أرض فلسطين شأناً لا يخص مصر الرسمية، على الرغم من خروج شعبها العملاق إلى الشوارع.
ضمن ذلك المشهد السياسي العام الذي تمثل فيه مصر دور المراقب أو الناصح تأتي زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لمدينة القدس تحديداً؛ ، لتؤكد على شرعية الاحتلال الإسرائيلي لهذه المدينة المقدسة أولاً، ولتؤكد على الاعتراف المصري الرسمي بمعطيات السياسة الإسرائيلية ثانياً؛ السياسة التي تقوم على فرض الاستيطان واقعاً قائماً على أراضي الضفة الغربية.
وبين الواقع والخيال رفع الإعلام شعار العودة إلى طاولة المفاوضات من خلال المبادرة المصرية الهادفة إلى إنقاذ عملية السلام، هذا الشعار الذي مثل الخلفية اللامعة التي تختفي خلفها حقيقة المصالح الثنائية التي تمثل عصب التواصل المشترك ومنها:
1- الالتفاف على المبادرة الفرنسية المرفوضة من قبل إسرائيل، والتعامل مع المبادرة المصرية بديلاً مقبولاً تهدف إلى إشغال الرأي العام باستئناف المفاوضات التي ظلت معطلة منذ عامين، وقد عبر نتانياهو عن ذلك بصراحة حين طالب الفلسطينيّين أن يحذوا حذو مصر والأردن، والتّوجّه إلى المفاوضات. لتسوية النّزاع، وتحقيق سلام يستند على حلّ الدوّلتين لشعبين“
2- التمهيد لعقد لقاء ثلاثي يضم الرئيس المصري والرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، في مشهد احتفالي يسمح باستئناف المفاوضات، ويعطي للرئيس المصري دور المبادر إلى صنع السلام، والحريض على أمن المنطقة واستقرارها، وقد عبر شكري عن ذلك بصراحة حين قال: هذه الزّيارة تتمّ على خلفيّة رؤيا السّيسي، والتي وصفها في 17 أيّار/مايو، بشأن التّوصّل إلى اتّفاقيّة بين إسرائيل والفلسطينيّين، وإلى إنهاء الصّراع“
3- قطع الطريق على تركيا التي وجدت غزة مشرعة الأبواب لمساعداتها الإنسانية، ذلك الحضور التركي الذي يتعارض مع رؤية مصر والسلطة الفلسطينية لمستقبل غزة، وهذا ما يستوجب تنسيق المواقف والترتيب المشترك مع إسرائيل؛ صاحبة الخيارات المتعددة في هذا الشأن، لذلك لا أستبعد أن يفتح معبر رفح الحدودي لفترات زمنية أطول من ذي قبل، في خطوة استباقية للتحرك التركي.
4- بحث جملة من القضايا التي أسهم " إسحق مولخو" ممثل نتانياهو الشخصي في حلها، ولاسيما أن "مولخو" شخصياً هو الذي رتب لزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ومن المهام الموكلة "لمولخو" ترتيب العلاقة مع الفلسطينيين، وعودة المفقودين الإسرائيليين، ومحاربة الإرهاب في سيناء، والاهتمام بقضية الغاز المصري.
5- التنسيق مع إسرائيل بشأن حصة مصر من مياه النيل، وربما حصة إسرائيل أيضاً، ولاسيما بعد النجاحات الجغرافية والاقتصادية والسياسية التي حققها نتانياهو في جولته الأفريقية الأخيرة.
وإن كان لمصر نوايا خفية من الزيارة، وإن كان لها مصالح مشتركة مع إسرائيل، فإن من المؤكد أن زيارة سامح شكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف نتانياهو، والذي يقود حكومة متطرفة جداً، وتمثل أغلبية شعب صار يعشق التطرف، هذا الزيارة لن تنهي الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، ولن تحرر القدس، ولن توقف الاستيطان، ولن توقف الإرهاب الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، ولن ترفع الحصار المشين عن غزة، ولن تجلب السلام للعرب المشتتين.

1