أحدث الأخبار
الاثنين 23 كانون أول/ديسمبر 2024
كيف كانت علاقة إيران بحافظ الأسد وأين صارت في عهد بشار!!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 19.09.2015

كان حافظ الأسد طاغية بامتياز، لكنه كان أيضاً قارئاً ماهراً لخارطة التوازنات والتحالفات في الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة. وقد عرف كيف يلعب على أكثر من حبل ببراعة فائقة خدمة لمصلحة نظامه. فبالرغم من خلافاته الكثيرة مع الأنظمة العربية، إلا أنه لم يقطع معها شعرة معاوية، وظل يحصل منها على معونات اقتصادية ومالية كبيرة محافظاً في الوقت نفسه على تحالف وثيق ومدروس مع إيران خصم الكثير من الدول العربية. ولم نر تذمراً عربياً قوياً من علاقة حافظ الأسد الوثيقة مع إيران. وقد نجح إلى حد كبير في أن يكون بيضة القبان بين العرب والإيرانيين مستفيداً من الطرفين.
لقد أدار الأسد الأب مع إيران تحالفاً متوازناً يخدم الإيرانيين، لكنه في الوقت نفسه يخدم نظامه بالدرجة الأولى. ولم يسمح للإيرانيين أبداً في أن يتجاوزوا حدودهم. وقد ساعده في ذلك أن أوضاع المنطقة كانت أفضل مما هي عليه الآن بكثير، فاستطاع أن يمسك العصا من المنتصف مع الإيرانيين. لهذا لم تكن القيادة الإيرانية سعيدة تماماً بالطريقة الندية التي كان يتعامل بها معها حافظ الأسد. وكانت تحلم دائماً بأن تصبح سوريا ولاية إيرانية كاملة في يوم من الأيام. ويذكر السفير السوري السابق صقر الملحم في كتاب مليء بالأسرار والمعلومات أن حافظ الأسد لم يترك الحبل على الغارب للإيرانيين أبداً كي يسيطروا على سوريا، بل وقف سداً منيعاً في وجوههم.
ويقول الملحم قبل أن يصبح سفيراً لاحقاً في أمريكا اللاتينية حرفياً: «خلال الفترة ما بين عامي 1997 -2002 خدمت في إيران، تعلمت خلالها اللغة الفارسية، وأقمت علاقات مع عدد لا بأس به من المواطنين الإيرانيين من مختلف التيارات الإيرانية. كان الإيرانيون يهابون حافظ الأسد، رغم تظاهرهم بأنهم أصدقاؤه. وفي إحدى زياراته لإيران، وبكوني كنت مسؤولاً عن كثير من الملفات، رافقتُ السفير السوري في طهران لمقابلة الرئيس في مكان إقامته في طهران. سأل الرئيسُ حافظ الاسد السفير: «هل لديك اقتراحات لتطوير عمل السفارة؟» فرد السفير قائلاً: «لدي اقتراح صغير فقط: أن يتم السماح للإيرانيين بدخول سورية بدون تأشيرات دخول كما يُسمح للأخوة العرب، إذا استحسنتم ذلك سيدي؟ «حتى الآن لم استطع نسيان منظر عيون الرئيس حافظ الأسد وهي المرة اليتيمة التي قابلته فيها عن قرب، فقد شعرت أن الأرض ستزلزل تحت أقدامنا لانزعاجه الشديد من طلب السفير، وأخذ يتلفتُ يميناً ويساراً خوفاً من وجود أجهزة تنصت (رغم أنه تم فحص مكان الإقامة عشرات المرات من قبل لجنة خاصة قبل وصوله، وأشار بإصبعه للسفير، أي انتهت المقابلة».
ويمضي السفير الملحم قائلاً: «مضت الأيام وتوفي الرئيس حافظ الأسد، وفي مراسم تقبُّل العزاء بوفاته التي أقامتها السفارة في طهران، كان عدد الوفود والمعزّين الإيرانيين بالألوف، ولكني لم أنسَ أيضاً ما همس به أحد القادة الإيرانيين الكبار لأعضاء الوفد الذي كان يرافقه في تقديم العزاء. وكان يعتقد أنّ لا أحد من أعضاء السفارة يعرف اللغة الفارسية، حيث قال بما معناه: «لقد أزاح اللهُ الجبل من أمامنا (قاصداً حافظ الأسد) و قريباً ستنهض زينب من غفوتها في دمشق، وسترسو سفننا في البحر المتوسط. والبقية سأنشرها لاحقاً».
صحيح أن حافظ الأسد رفع شعاراً قومياً عربياً كاذباً، بينما تحالف استراتيجياً مع الفرس ألد أعداء العرب والعروبة. وصحيح أنه ساند إيران في حربها الفاشية ضد العراق الشقيق. وصحيح أنه ولغ بدم السوريين والعرب، لكنه لم يسمح لإيران أن تبتلع سوريا، وتهيمن عليها، كما هو حاصل الآن، حيث «نهضت زينب من غفوتها في دمشق» كما توّعد المسؤول الإيراني الكبير. وقد تحولت سوريا في عهد الوريث بشار إلى الولاية الإيرانية الخامسة والثلاثين كما أعلن أحد كبار الملالي في طهران قبل مدة. وقد أصبحت دمشق مربط خيل الإيرانيين على الملأ. وصار المسجد الأموي وسوق الحميدية الدمشقي مكان اللطم المفضل للإيرانيين في سوريا. وانتشر التشيّع الإيراني في كل مدينة وقرية سورية. وقد اشتكى أحد كبار المسؤولين السوريين قبل سنوات من أن أزمة نقص الإسمنت في الأسواق السورية كانت عائدة إلى أن معظم إنتاجها يذهب لبناء الحسينيات الإيرانية في عموم سوريا. ولا ننسى أن دمشق العاصمة ربما تصبح بعد مدة كبغداد مدينة شيعية بعد تهجير أهلها أو تشييّعهم.
وبينما رفض حافظ الأسد السماح للإيرانيين بدخول سوريا بدون تأشيرة، أصبح الإيرانيون الآن حاكمين بأمرهم في سوريا يدخلون ويخرجون دون أن يعلم بهم حتى أجهزة الأمن السورية التي صار كبار ضباطها مجرد موظفين لدى الحرس الثوري. لا بل إن الجيش السوري نفسه أصبح تحت إمرة قاسم سليماني وشركاه. وأصبح الإيرانيون هم من يفاوض الجماعات المقاتلة بدل النظام السوري كما في حمص والزبداني والفوعا.
لقد أراد حافظ الأسد أن تكون العلاقة مع إيران علاقة تحالف ندية، حتى لو لصالح نظامه الديكتاتوري فقط، بينما، في عهد بشار، صارت سوريا مجرد تابع ذليل ومجرد ممر للإيرانيين إلى البحر المتوسط، تماماً كما حلم ذلك المسؤول الإيراني الكبير أثناء تقديم العزاء بوفاة حافظ الأسد في السفارة السورية في طهران.

1