أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
سيدفنكم ليبرمان بالباطون…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 16.10.2014

صرح إيفيت ليبرمان الملائم لشخصية سفاح في أحد أفلام الرعب الهيتشكوكية، أن إسرائيل طرف رئيسي في إعادة إعمار غزة.
وإذا ترجمنا وزير الخارجية الصهيوني الحالي إلى بطل في «فيلم إعمار غزة»، لرأيناه في ورشات العمل مبتسما للعمال والمقاولين ولأصحاب البيوت المهدّمة المنتظرين إعادة بنائها، وللعرسان الجدد الباحثين عن شقق، ولرأيناه يرتدي رداءً من النايلون ويحني ظهره ويقول للعمال «ضعوا كيسين من الإسمنت على ظهري»، ثم يركض بها إلى الطابق الثالث، ثم يتفُّ في كفه، ويحمل الطورية ويخلط الرمل بالحصى بالإسمنت والماء، ويقلب جبلة الباطون على السطح، كما كان في زمن الباطون الجميل.
أما ونحن في زمن التكنولوجيا البشعة، فسنراه وقد ارتدى ملابس العمل الخاصة، والقبعة الواقية والقفازات، ويعمل على شافطة الباطون التي يمتد خرطومها عشرات الأمتار، يسحب الباطون عبر الخرطوم ليسكبه في أقفاص الحديد العملاقة، في الأساسات وداخل الأعمدة الضخمة وعلى سطوح العمارات وشرفاتها.
ستختفي آثار عمال ونساء وأطفال ومهندسين وفضوليين وباعة ترمس وفول وبوظة وفلافل ومرطبات وموظفين ومراقبين ورجال شرطة وحراس في ورشات العمل أو بالقرب منها، وسيعرف الجميع، أن في الورشة سفاحا،وسيأتي أقرباء المفقودين للبحث والسؤال عن أحبائهم، وبتحقيق بسيط سيعرفون أن جثث الناس مدفونة تحت الباطون الذي يسكبه عليها عامل الشافطة ليبرمان، الجميع يعرفون، والعشرات رأوا بأعينهم وصوّرا كيف يستدرج الناس حتى يصلوا حفرة أو عامودا، أو حتى السطح ثم يفاجئهم بضخ الباطون عليهم ويخفيهم تماما بهذه المادة اللزجة المتماسكة، ثم يستمر العمل كأن شيئًا لم يحصل، بعد ذلك سيختفي مبعوثو المانحين الذين سيأتون للإطمئنان على سير العمل وعلى مصير أموالهم التي دفعوها للإعمار، سيختفي بان كي مون، سيدفنه ليبرمان في عامود في مدرسة تابعة للأونروا أو في درج على مدخل مستشفى أثناء إعادة بناء ما تهدّم.
القاتل معروف، وهناك آلاف الصور والشهود ، ولكن مع التكرار سوف يتحول أمر دفن البشر بالباطون إلى أمر مقبول، وسيجرؤ على خطف ضحاياه عنوة من الشارع ووضعهم بالقوة بين أقفاص الحديد ثم يصب الباطون عليهم أمام مرأى ومسمع وصراخ الناس، ثم يقول…أنظروا ما الذي يفعله العرب ببعضهم ، انظروا داعش، انظروا الأسد..انظروا الإسلام المتطرف في أوروبا ودعكم مني..ماذا ذنبي أنا إذا وقف الناس حيث أصب الباطون!
في الماضي وقبل اختراع الشافطة والباطون الجاهز، كنا نحن الأطفال نعتبر رفع كيس الإسمنت الذي يزن 50 كيلو غراما معيارا لنضوج الطفل وانتقاله إلى مرحلة الشباب، الطفل الذي يتمكن من فتحه ثم إفراغ محتواه في فم الجبّالة يحصل على تأشيرة لمغادرة الطفولة، كثير من الأطفال أصيبوا بانزلاق غضروفي عاش معهم طيلة ما تبقى من أعمارهم.
سيحرم المئات من أطفال قطاع غزة من متعة مشاهدة شافطة الباطون والعمارات وهي ترتفع من جديد،وكذلك المئات من السيدات الفضوليات، وطبعا سيحرمون من رؤية البشر وهم يدفنون بالباطون الطازج على يد ليبرمان العجيب الذي دفنهم من قبل بالباطون الصلب، سيحرم الأطفال من تجربة رفع أكياس الإسمنت ومن الإنزلاق الغضروفي..ولن يبلغوا الحلم، وستحرم النسوة من زغرودة لصبة الباطون، فهم السابقون تحت ردم العمارات ونحن وأنتم اللاحقون.
سترتفع العمارات وستحوي أرواحهم التي لن تهدأ، سوف تنتحب في الليل والنهار، وسيغضب عامل الشافطة وسيطلب إسكاتهم، وإلا سيعيد الهدم من جديد كي يعيدوا الإعمار مرة ثانية وثالثة ورابعة .
أثناء إعادة الإعمار سيفتقد قطاع غزة لمئات من عمال البناء الذين قضوا جل أعمارهم ركضا وراء رغيف الخبز في ورشات البناء، في مدن وقرى أعدت لكل أصناف البشر من كل جهات الريح إلا لهم ولأبنائهم، وفي نهاية رحلة العمل في بناء بيوت الآخرين دفنوا مع أحلامهم وأسرهم تحت آلاف الأطنان من الباطون…
في مؤتمر الباطون في القاهرة، حضر كثيرون مع دفاتر الشيكات، ومنهم من نسي دفتره في الطائرة أو السيارة، ولولا لحسة متبقية من حياء كما يبدو لشارك ليبرمان في المؤتمر مع شافطة باطون عملاقة.
ليبرمان الذي رفض وقف إطلاق النار وضغط من أجل أكبر ما يمكن من الدمار،والذي كان وما زال من دعاة الدمار لكل ما يخص العرب والفلسطينيين، ليبرمان وحكومته التي تحاول أن تجعل من شعب فلسطين ذراعا لداعش، ليبرمان الذي يدنس أنصاره وشركاؤه أحد أهم مقدسات المسلمين في هذه الساعات، شريك في إعادة الإعمار، فهو يفتح ويغلق ويطلق ويقبض وآلهة الإسمنت لا تتحرك إلا بموافقته، ولكن الحق يقال أنه لولا ليبرمان وشركاؤه أصلا لما كانت هناك إعادة إعمار، لأن الإعادة تتطلب الهدم أولا، ويشهد العالم أنه فعل هذا مثنى وثلاث ورباع، هدم وإعمار ثم هدم ثم إعمار ثم هدم ثم إعمار حتى بات الأمر غامضا، ما الذي سبق الهدم أم الإعمار.
مُشهّية رائحة الباطون الطازج لمن فقد بيته، جميل بناء مدرسة ومسجد وأبراج سكنية، ولكن ليس جميلا أن تحوي في داخلها كل هذه الكميات من اللحم البشري.
أكثر الدول المانحة تخاطب إسرائيل كما لو كانت طرفا محايدا، وكما لو أن ما حدث للقطاع هو كارثة طبيعية تحدث كل سنتين أو ثلاث سنوات بسبب تقلبات الطقس، ولا شأن لليبرمان وحكومته لا بالزلازل ولا بحركة الرياح، وما دام أنه لم تتم ملاحقة مجرمي الحرب بصورة جدية في المحاكم الدولية المختصة، فكيف نضمن أن لا يقوم عامل الشافطة بممارسة إدمانه على دفن الناس والمراقبين والعمال ومبعوثي الدول والأمم بالباطون الطازج اللزج والحار…

1