أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
هل تجوز الرحمة على مانديلا..!!
بقلم : سهيل كيوان ... 12.12.2013

تمتاز عنصرية حكام إسرائيل بخصوصيتها، فهم يطالبون العالم ويسعون لإقناعه بأن عنصريتهم حلال، وعلى الأمم الأخرى أن تعترف لهم بحقهم بأن يكونوا عنصريين لأن عنصريتهم وحتى احتلالهم لطيف ونظيف ويكاد يكون رحمة للعالمين، غولدا مائير في شيخوختها وصفت احتلالها بأنه أرحم احتلال عرفه التاريخ البشري، ومن أقوالها الإنسانية المأثورة أنها زعلانة على الفلسطينيين لأنهم يرغمون جيشها على قتل أبنائهم!
لم يجرأ بيبي نتنياهو على حضور جنازة زعيم الحرية الكبير بحجة تكلفة الرحلة والحراسة الباهظة، كذلك تحجج شمعون بيريس بأنه لن يشارك بسبب المرض، وهذا مشكوك فيه، فإسرائيل العظمى ما كنت لتبخل على رئيس حكومتها ورئيسها بالمال وتفوّت على نفسها فرصة إعلامية نادرة للوقوف كالحمل الوديع أمام مئات ملايين المتابعين، وإلقاء كلمة سحرية بيرسية تجعل من الاحتلال مجموعة من الأطفال الأبرياء الذين يطاردون البالونات الملونة أمام وحوش بشرية قد تحطم الجدار العازل للانقضاض عليهم وافتراسهم.
ورغم اعتذارهما فقد أعلن عريف حفل تأبين مانديلا بالخطأ عن حضورهما،وكأنه بالون تجريبي، فقوبل إعلانه بهتافات الاستنكار من الجمهور،وهذا يترك السؤال مفتوحًا،هل قرر أحدهما الحضور سرًا تحاشيا لاستفزاز الجماهير الأفــــريقية التي لن تنسى أن حكام إسرائيل كانوا الصديق الأصدق والأكثر وفاءً لنظام الأبرتهايد العنصري حتى لحظة انهياره، أم أن نتنياهو وبيريس خائفان من ردة فعل غير محمودة العواقب إذا ما حضرا، فمن في مثل وضعهما لا يمكن له أن يكون آمنًا مطمئنا في أجواء تقديس الحرية.
هكذا أعلن أن المشاركة ستكون من قبل رئيس الكنيست يوئيل أدلشتاين الذي زعم أن بينه وبين مانديلا قاسمًا مشتركا وهو أن كليهما كانا سجيني ضمير سياسيين، مانديلا في دولة جنوب أفريقيا لسبعة وعشرين عامًا وأدلشتاين في الاتحاد السوفييتي الغابر لثلاث سنوات بتهمة العثور على أفيون في بيته، يزعهم هو أنها كانت مخططة بسبب نشاطه الصهيوني! الثائر وسجين الحرية الذي لم يسمع به أحد من أحرار العالم دعا الحكام العرب إلى نبذ العنف والإرهاب وأن يجنحوا للسلم بدلا من العنف، أي أن يعترفوا بحق إسرائيل بالاحتلال وقمع الفلسطينيين حتى بدون احتجاج، رغم أن إسرائيل لم تر من هؤلاء الحكام إلا كل خير، فإرهابهم الحقيقي موجه إلى شعوبهم!
القاسم الحقيقي المشترك موجود بين نظامي الأبرتهايد الإسرائيلي والجنوب أفريقي قبل انهياره، فالسجون الإسرائيلية مكتظة بسجناء الحرية، وكثيرون منهم قضوا مددًا طويلة مثل منديلا وأكثر،ويقدر عدد المعتقلين الفلسطينيين منذ الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987 حتى اليوم بحوالي 300 ألف معتقل، وأكثر من مائة منهم قضوا شهداء في السجون العنصرية تحت التعذيب والقهر والمرض والإهمال الطبي،ويقدر عدد سجناء الحرية الفلسطينيين حاليا ب 8000 بينهم قاصرون ونساء وأطفال، يرافق هذه الاعتقالات منذ عشرات السنين هدم البيوت وتشريد سكانها وقتل المتظاهرين والمقاومين للاحتلال وممارساته، وسرقة الأرض ومنابع المياه وتجفيفها ومنعهم من حفر الآبار لإرغام الفلسطينيين على هجر الأرض وجعلها غير مجدية كما يحصل في الأغوار، وإذا كنا نقرأ عن غنائم حرب وسلب في الحروب فإسرائيل سرقت أعضاءً بشرية من جثث الشهداء، وهذا باعتراف رئيس معهد التشريح في مستشفى أبو كبير في تل أبيب.
العنصرية لا تتوقف داخل أو خارج خط أخضر أو أزرق أو أحمر، فهي تُمارسُ أيضًا ضد المواطنين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، فالعربي ممنوع من السكن في مئات القرى والبلدات التي ربما أقيم بعضها على أرض والده أو جده.
ولمنع العرب من السكن في القرى الجديدة أقيمت في كل بلدة لجنة قبول، وهي تبحث وتبت في طلب من يريد الدخول للسكن فيها، حيث تمنع هذه اللجان دخول أي عربي وفي حالة نادرة تمكن مواطن من الحصول على قرار محكمة عدل عليا للسكن في إحدى المستوطنات ورغم ذلك فهذا لم يعتبر سابقة قانونية.
وبما أن العنصرية عيب فهم يحاولون قوننتها تارة بزعم أن المساكن مخصصة لخريجي أجهزة الأمن فقط أو بحجج العادات الاجتماعية والتقاليد الدينية المختلفة وحتى دخل الأسرة ودرجة تعليم مقدم الطلب، إضافة إلى أن الدولة التي أقامت مئات القرى والبلدات اليهودية لم تقم أي قرية عربية داخل مناطق 48 للمواطنين العرب، لا بل هجّرت بعض القرى وأفرغتها من سكانها حتى بعد النكبة بحجج أمنية، والأمر يتكرر الآن في النقب حيث تجري عملية هدم ومصادرة وترحيل واسعة.
حتى شراء الشقق في المدن الكبيرة مثل حيفا أو تل أبيب يواجه بعراقيل كثيرة، ومنها عنصرية سكان العمارة أنفسهم الذين يرفضون العيش مع عرب في نفس العمارة، ولهذا صار بعض المستثمرين يعلنون مسبقا بأن البناية لن يسكنها العرب لتسهيل بيع الشقق،
قبل أشهر قامت مظاهرة أمام إحدى العمارات لأن أحد سكانها اليهود باعها لعربي، وحاولوا استعادة العمارة بدفع مبلغ إضافي للعربي كي يترك ولكنه رفض.
هذه العنصرية لم توفر حتى الأثيوبيين من يهود الفلاشا، لدرجة أن بعض رياض الأطفال رفضت استقبال أبنائهم بسبب لون بشرتهم، حتى وصل الأمر إلى قاعات المحاكم.
إلى جانب هذا هناك دعوات من رجال دين بارزين لعدم تأجير شقق أو بيعها للعرب ومعاقبة ومقاطعة من يؤجرهم كما حدث في صفد حتى ولو كانوا طلابًا في كليتها.
وفي آخر صرعة عنصرية امتنع بعض الربانيم منح رخصة الحلال للمطاعم اليهودية التي تشغل عربًا في قسم الطبخ، أما إذا لم يكن للعربي بديل يهودي في مهنته بإعداد المحاشي والمشاوي والطبائخ، فيجب أن يرافقه في عمله يهودي بصفة مراقب للطهو على الطريقة اليهودية الحلال (كاشير)، وكل هذا لحمل أصحاب المطاعم لعدم تشغيل العرب.
غياب نتنياهو وبيريس لا يعني أن المائة زعيم من العالم الذين حضروا وأبنوا مانديلا طاهرون وأبرياء من قهر شعوبهم وخصوصًا ممثلي الأنظمة العربية وما يحدث فيها من دوس للحريات والحقوق الأساسية للإنسان، فليس بالمسكن والعمل وحده يحيا الإنسان.
وإذا كان موت وتأبين منديلا يستدعينا كعرب وفلسطينيين لفضح نظام الأبرتهايد في إسرائيل، فإن بعض الشيوخ المسلمين أفتوا بأن الرحمة لا تجوز على منديلا لأنه كافر، وبدلا من شحد الهمم لمكافحة العنصرية والظلم، يحملون بعض شبابنا إلى النقاش العقيم حول جواز الرحمة أو عدم جوازها على إنسان حرر شعبه من العبودية وانتقل به إلى فضاء الحرية الرحب.

1