أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
هل سنبقى أولاد شوارع؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 09.11.2013

على عكس كل أمم الأرض تقريباً، يقف العرب حتى الآن منفردين في أن ليس لديهم رأي عام أو مجتمع مدني، فقلما ترى أو تسمع وسائل الإعلام العربية أو الغربية تتحدث عن الرأي العام العربي. لكن عبقرية إعلامنا قد تفتقت عن استنباط مصطلح فريد لوصف الموقف العام وهو مصطلح ‘الشارع العربي’، وهو تعبير غائم عائم فضفاض غير قابل للتعريف، وقد يكون حكراً على العرب، دون غيرهم من دول العالم.
هل سمعتم الإعلام الأمريكي يتحدث عن الشارع الأمريكي مثلا؟ هل هناك شارع بريطاني أو فرنسي أو ألماني أو حتى أفريقي؟ بالطبع لا، بل لديهم رأي عام أو اتجاهات معينة، ناهيك عن المجتمع المدني الفاعل والمنظم الذي يشكل قوة موازية لقوة الدولة، فكلمة شارع في الغرب تعني الشارع لا أكثر ولا أقل، أما عندنا فالشارع هو بقدرة قادر عموم الناس كتلة واحدة.
لا أدري لماذا يقبل المواطن العربي أن يربطوه بالشارع، ربما تقصدوا ذلك، فالشارع هو المكان الذي يلجأ إليه الإنسان عندما يفقد منزله لسبب أو لآخر، وهو بالتالي الملاذ الأمثل للمتسكعين والمشردين العاطلين الباطلين، أو ربما أرادوا أن يمعنوا في الحط من قيمة الإنسان العربي فأقاموا تلك العلاقة بينه وبين الشارع، ناهيك عن أن كلمة الشارع في اللغة العربية قد تبدو كلمة رديئة. ألا يصفون البذيئين والساقطين والمارقين في لغتنا بأولاد الشوارع؟ تلك كانت وما زالت نظرة الأنظمة العربية الحاكمة للشعوب! فالمعاملة التي تتلقاها الشعوب العربية توحي بأنها في منزلة أبناء الشوارع بالنسبة للحكومات.
ولا تختلف نظرة الإعلام الغربي لما يُسمى بالشارع العربي عن نظرة القادة العرب له، فمصطلح الشارع العربي مصطلح مهين حين تستخدمه وسائل الإعلام الغربية لأنه يختصر الرأي العام العربي بتعبير يُراد به التشديد على غوغائية العقل العربي وجنونه، كما يرى البعض. فالشارع، كما أسلفت، مرتع الرعاع والغوغاء. وللسخرية، أنني وجدت في معجم ‘كولينز′ الإنكليزي مصطلحاً يربط بين الإنسان العربي والشارع بطريقة مهينة، والمصطلح هو street Arab، أي الطفل المشرد الذي تضطره الظروف للخروج إلى الشوارع ليعيش على التسول والسرقة.
إذاً فإن رأي الإنسان العربي في معظم البلدان العربية كان وما يزال ليس ذا أهمية أبدا كي يؤخذ بالحسبان، فهو ليس مشاركاً أبداً لا من بعيد ولا من قريب في العملية السياسية كي يكون له وزن أو رأي، فكيف يكون له وجهة نظر في أمر معين وهو منبوذ ومعزول ويعيش غربة سياسية حقيقة في كل بلد تقريبا؟ فإذا أردت أن يكون لك رأي، فلا بد من أن تكون مساهماً في اللعبة السياسية وليس مجرد صفر على الشمال.
في الغرب هناك أهمية للرأي العام لأن الشعوب هي التي تختار حكوماتها في انتخابات حرة ونزيهة، لهذا يأخذ الحكام برأي الشعوب، ويقيسونه، ويعتمدون عليه في وضع سياساتهم واتخاذ قراراتهم في بعض الأحيان على الأقل. أما عندنا فالعملية الانتخابية الحقيقة ما زالت حلماً بعيد المنال حتى بعد الربيع العربي. وحتى لو حصلت، فما اسهل الانقلاب عليها بخفة عجيبة، لأن الشعوب حتى الآن ما زالت غير مدركة لأهمية صوتها وضرورة الدفاع عنه بالنواجذ.
ربما لهذا السبب تتجنب وسائل الإعلام العربية الحديث عن الرأي العام العربي، لأنه لا وجود له في واقع الأمر، فهي وسائل أمينة على الأقل في هذا الصدد، فمتى كان للمواطن العربي رأي أصلا حتى في أبسط مناحي حياته، فهو كما هو معلوم للجميع، منزوع الإرادة. وحتى لو كان عنده رأي فلا أحد يأخذ به هذا إذا سمحوا له أصلا بالتعبير عن رأيه، فالتعبير عن الرأي في بلاد العرب كما شاهدنا قد يؤدي أحيانا إلى العالم الآخر. لا عجب إذاً ألا يكون لدينا ثقافة الاستطلاعات الميدانية. وهذا ناتج عن أنه ليس لدينا ثقافة الديموقراطية، فسبر الآراء ومعرفة الاتجاهات من عناصر ومقومات الديموقراطية.
ما قيمة الرأي العام بعد كل هذا؟ وما قيمة الناس؟ فطالما أن حياتنا السياسية تدار بهذا الطريقة القميئة جداً، فلا يمكن أن تنتشر عندنا ثقافة الاستطلاعات وسبر الآراء والرأي العام.
ثم أين المجتمع المدني الذي من حقه أن يشارك في الحياة السياسية من خلال هيئاته الخاصة بما يتيح له إجراء انتخابات واقتراعات خاصة بأعضائه؟ أين التجمعات والفعاليات والنقابات والاتحادات الشعبية والأهلية الحقيقية،وليس تلك المؤممة لصالح الدولة وأنظمة الحكم؟ فطالما أن الاقتراع المدني الحقيقي غائب وممنوع أيضا فلا يمكن أن نتحدث عن رأي عام أو عن ثقافة قياس الآراء المختلفة.
صحيح أن بعض الشعوب العربية قد تحررت من الخوف وفرضت بعضاً من رأيها عبر ثوراتها، لا بل استغلت مفهوم ‘الشارع′ إيجابياً لأول مرة في حياتها المعاصرة، لكن هل هي قادرة على أن تتحول من ‘أولاد شارع′ إلى رأي عام حقيقي او الى المواطنة بمفهومها الحديث؟
حتى الآن، لا تبدو الأمور مبشرة كثيراً، بدليل أن شعوب بلدان الربيع العربي التي من المفترض أنها تحررت من الطغيان، لا تتضامن مع بعضها البعض، وليست لديها حتى القدرة أو العزيمة لتنظيم تظاهرات شعبية، كي لا نقول رأياً عاماً يناصر بقية الشعوب التي تنازع للتخلص من الطغيان كالشعب السوري مثلاً!
هل شاهدتم مظاهرة عربية واحدة في بلدان الثورات تندد باستهداف أطفال سورية بالسلاح الكيماوي مثلاً؟ بالطبع لا! لكننا، ومن مهازل هذا الزمان، شاهدنا مظاهرات في تل أبيب تشجب استخدام الأسلحة المحرمة دولياً بحق الشعب السوري!!
إن موقف ما يسمى بالشارع العربي من محنة الشعب السوري تجعلنا نعتقد أننا كعرب ما زلنا ‘أولاد شوارع′، وربما سنبقى لفترة طويلة.

1