أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
هل يلتقي العرب بالديمقراطية!؟
بقلم : سهيل كيوان ... 07.11.2013

تحدثنا عنها في كل محفل وواد، تغزلنا بها عقودًا طويلة،وصفنا محاسنها واشتهيناها، ولكن عندما اقتربت منا وكشفنا عن وجهنا صدمناها فراحت تستغيث، وفوجئنا من ناحيتنا بأنها ليست الحسناء التي دأبنا على رسمها كما نشتهي في أخيلتنا وراكمنا لها وعنها قصص الجمال والعدل والحكمة والخير.
علاقتنا بها مثل علاقة قيس بليلى، علاقة حب عذري من بعيد لبعيد، ويبدو أنه الأفضل لنا ولها أن يستمر هذا الغرام مؤبدًا وبلا لقاء.
ولكن ما العمل وفي نهاية المطاف علينا أن نقرر هل نريدها أم لا! هل نحن بحاجة إليها أم لا! وهل نجاح الانقلاب في مصر وإغراق الثورة في سورية بالدم والتوتر المستمر في تونس والقبلية المسلحة في ليبيا يجعلنا نرتدع عن المطالبة بلقائنا ووصالنا معها،طبعا أقصد الديمقراطية.
وبناء على التجربة العربية الحديثة التي ما زالت خديجة،هل تستطيع الشعوب الفقيرة ممارسة الديمقراطية! بل هل يمكن لملايين الأميين ممارستها والسماح لهم بتقرير مصيرهم ومصير شعوبهم أو أمتهم،وهم الذين يمكن التصويت عنهم بالجملة! حيث يقوم رجل واحد في بعض الأماكن العشائرية بالتصويت عن مجموعات كبيرة من أبناء عشيرته،هذا إذا صوتوا أصلا، هل يمكن لمجتمع ما زالت القبيلة مرجعيته أن يمارس الديمقراطية!
ولكن إلى متى سنعتبر مجتمعاتنا قبلية أو دون سن الرشد المدني،أليس لدينا مدن يعيش فيها الملايين! وهل يستطيع ملايين الفقراء أن يختاروا بحرّية! ألا يمكن شراء ضمائرهم وذممهم وتوجيههم ليصوّتوا بأثمان بخسة حيث يشاء من يقدم لهم الرغيف،الطعام والدواء مقابل الأصوات،وحتى الدعاء بالنصر مقابل الرغيف، ثم هل هناك من معنى للتوجه الى صندوق الاقتراع عندما ينعدم الشعور بالكرامة الإنسانية!
من أسس عملية الانتخاب الديمقراطي أن تكون سرية كي لا يتعرض الناخب لأي ضغط من مسؤول في العمل أو حزب أو من قريب أو من زوج أو من ابن أو والـــــد أو أي بلطجي من أي نوع كان، ولهذا بنينا الآمال العريــضة على مصر، فمدينة مثل القاهرة تعد حوالي الســبعة عشر مليونا لا يمكن للقبيلة أو للبلطجة مهما كانت أذرعها قوية ومتشعبة أن تتغلب عليها.
محاكمة الرئيس المنتخب محمد مرسي تعني محاكمة ملايين الناس الذين انتخبوه،ومحاكمة الديمقراطية،ومحاكمة العقلية العربية، كذلك تعني محاكمة من انقلبوا عليه، ومحاكمة فكرة الديمقراطية من أساسها!
عندما يحاكم رئيس منتخب بيد انقلابيين، لا بد وأن نتوقف لنتساءل ماذا فعلت بنا الديمقراطية وماذا فعلنا بها، وهل هذا الدواء ينفع لأمراضنا! ألا توجد خصوصية لجينات كل أمّة، خصوصًا لدى الشعوب المنغلقة على نفسها، والتي لا تختلط ولا تتصاهر مع الشعوب الأخرى إلا القليل!
ولكن ألم تنجح الديمقراطية وتمارس في عدد كبير من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ولدى شعوب أقل عراقة من العرب! هل هي فكرة لا يمكن لها أن تلائم العقلية العربية ومصادر نشوئها وتبلورها!
هل أساء الدكتور محمد مرسي وحزبه استخدام السلطة؟ وكيف يمكن الحكم على ممارساته بهذه السرعة العجيبة! وما هي أفضلية مبارك زعيم الفساد المطلق عالميًا والسيسي الذي هبط بالمظلة إلى كرسي الحكم وبعنف ودماء وبشار الأسد الدموي الكيماوي وغيرهم من حكام على مرسي حتى يحاكم هو ويودع في قفص الاتهام ويهان، بينما القاتلون لعشرات الآلاف والمتسببين بدمار بلدانهم مثل بشار الأسد ما زالوا في الحكم بل ويحظون بتعاطف ورعاية دول عظمى!
علمًا أن مرسي هو الوحيد الذي انتخب بطريقة هي الأقرب لما يمكن أن نسميه اختيار الشعب، مع كل البؤس والأمراض التي تعانيها العملية الانتخابية في بلد فقير ممكن شراء الذمم والأصوات فيه من خلال المعدة الخاوية، ولكن هذا سلاح يستخدمه الجميع ولا فضل لحزب على آخر في هذا الأمر. الديمقراطية تحتاج إلى شعب أو لأكثرية لديها اكتفاء، لأناس يتمتعون باستقلال اقتصادي وفكري، غظظير قابلين للانكفاء، علمًا أن الفقراء هم أكثر الناس حاجة للديمقراطية كي يأخذوا فرصهم ليكونوا متساوين مع أصحاب الإمكانيات والتأثير، سواء المعنوي أو المادي، ولكن السؤال النقيض هو هل يمكن لمجتمع الوصول الى الاكتفاء المادي بدون الحرية والديمقراطية،إنه مثل سؤال البيضة والدجاجة، الديمقراطية تحتاج إلى شعب شبعان كي يستطيع ممارستها بدون ضغوط، ولكن كي تجد شعبًا غير جائع تحتاج إلى الديمقراطية! فالدكتاتوريات لا تجلب سوى البؤس والخوف وتقديس الأفراد، واللقمة حتى لو توفّرت تكون مغمّسة بالإذلال والخوف والخضوع وشلل التفكير والإبداع.
هناك من يدعون أننا شعوب لا تنفعنا سوى الدكتاتوريات، وأنها الوصفة الوحيدة الجيدة والملائمة لمجتمعاتنا القبلية والطائفية المتخلفة، ويتساءلون بخبث أو بغباء، ألم تكن سوريا ومصر وليبيا وحتى تونس أفضل مما هي عليه الآن وخصوصًا في سورية!ولكن أليست الدكتاتوريات العفنة الحقيرة القمعية مصّاصة الدماء هي التي أدّت إلى انفجار الشعوب!
يبدو أن ما نحتاجه هو أعمق بكثير من مجرد القول أننا نريد الديمقراطية،كذلك لا يمكن لنا التسليم ببقاء أنظمة الاستبداد والقمع الدكتاتورية أو استبدالها بحكم العسكر أو بدكتاتوريات جديدة بحجة عدم نضوج شعوبنا.
نحتاج فعلا إلى الجمع بين عوامل عدة، ولكن هذا لا يأتي بالأمنيات ولا بالقرارات، ويبدو أن هذا ما تفرضه الشعوب فرضًا في مسار تاريخي معقد قد يستغرق عقودًا وبتكاليف باهظة جدًا، الدلائل تقول أن العملية انطلقت ولن تتوقف مهما تعرجت الطرق واستوحشت ولا تراجع مهما علا وغلا الثمن.

1