أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
لماذا الذبح أمام الكاميرات؟!
بقلم : سهيل كيوان ... 19.09.2013

حمل الغرب وأمريكا وأجزاء أخرى من العالم أفكارًا سيئة عن العرب والمسلمين، فهم شهوانيون، مخادعون، منافقون، متوحشون، قذرون، والعربي لا يتقن عمله، مهمل،وغدّار. هذه الصورة عززتها صناعة السينما وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى المعادية للعرب، ولكن كل هذا يبقينا في الإطار الإنساني، ويمكن دحضه، ومناقشته.
أما التشويه المتعمد والأخطر الذي حدث للعربي، فقد افتعلته الأنظمة الدكتاتورية العربية وبعض القوى التي تقول إنها جاءت للتغيير وسببت ضررًا بالغًا يصعب إصلاحه، ليس فقط في نظرة الآخر للعرب والمسلمين بل في نظرتنا نحن تجاه أنفسنا.
الضرر الأعظم هو ضرر النظام الدكتاتوري القائم على اغتصاب السلطة والوصول إليها بالسيف أو الدبابة، ثم تحويل البلاد وثرواتها إلى مزرعة عائلية، رغم الاختلاف في التفاصيل من مكان إلى آخر، إلا أن الانقلاب العسكري هو الإنقلاب، وآخرها الذي وقع في مصر، رغم أن القائمين عليه حاولوا تجميله، فزعموا أنه نابع من إرادة الشعب، وكأن الجزء الآخر المطاح به ليس من الشعب، وكأن هذا الشعب نفسه ليس هو من انتخب رئيسه! وكأن الشرعية هي في تدخل الجيش وقلب السلطة وتسليمها لطرف ضد آخر بالقوة، ثم حبس كل النظام المطاح به بحجج ما أنزل الله بها من سلطان، أحقرها وأكثرها فضائحية هي تهمة تخابر الرئيس مع حماس!
الدكتاتوريات كي تبرر مواصلة اغتصابها للسلطة، زعمت أن الديمقراطية لا تليق بالشعوب العربية، وأن هذه الشعوب لن تحسن استعمالها، ولكن الذين زعموا هذا لم يقترحوا بديلا إنسانيًا آخر، حتى مجلس الشورى لم يمنحوه نصف الصلاحيات التي يتمتع بها البرلمان في الدول الديمقراطية، بل حولوه إلى ختم طيّع بين يدي الدكتاتور،لم يطرحوا بديلا عن الديمقراطية التي لا تلائمنا سوى الحكم بقوة السلاح، وتقديس شخصية الزعيم، بحيث يتحول اغتصاب الشعب الى مرض نفسي فيبدو كأنه يتم برضى وفرح الجانب المغتصب، فالمواطن يغتصب ويرقص ويشكر ويحمد!
الأنظمة تقول للعالم بأن العرب إذا تُركوا ليمارسوا الديمقراطية سوف يؤذون أنفسهم ويذبحون بعضهم البعض ذبح البهائم، والأكثرية سوف تفتك بالأقليات، هكذا يبرر الدكتاتور وحشيته التي يمارسها ضد أبناء شعبه، وهكذا يبرر السجون المكتظة بأسرى الضمير والرأي والسياسة الذين يتهمون عادة بالتحريض على العنف وتعريض أمن الوطن للخطر وإشعال نار الفتنة والتآمر.
هؤلاء الحكام ومن حولهم من شبيحة وبلطجية لم ولن يتورعوا عن ارتكاب أقذر المجازر ونسبها لمعارضيهم.
هكذا أحرقوا كنائس بتواطؤ أجهزة نظام مبارك ووزير داخليته بهدف شيطنة المعارضين، وإرهاب الأقليات الدينية والقومية حيث وجدت.
كيف نفهم تصوير فيلم فيديو عالي الجودة لبعض المسلحين وهم يعترضون سيارات نقل على حاجز في سورية، ثم يأمرون سائقيها بالنزول منها ثم يسألونهم عن ديانتهم، وعندما تكون الإجابة نصيري أو نصراني يقولون لهم إن ديننا يأمرنا بقتلكم، ثم يبطحونهم على قارعة الطريق ويكبّرون ثم يطلقون النار على رؤوسهم من مسافة قريبة.
لماذا التصوير بهذه الجودة العالية! وكيف اتفق وجود المصور المهني والعتاد المتقدم لتصوير هذه الجريمة بدقة متناهية ومن مسافة قريبة جدًا؟ وما المقصود من نشر فيلم فيديو كهذا وكأنما هو فيلم سينمائي، وما نوعية هؤلاء المقاتلين ‘الثوار’ الذين يقتلون على الهوية الدينية أمام عدسات الكاميرا ثم ينشرون جريمتهم على الناس! من هو المعني بنقل هذه الصورة المروّعة عن الثوار إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومنها إلى العالم، من هو المعني بتخويف الناس وإرهابهم من البدائل المطروحة لهذا النظام أو ذاك!
من هو المعني بنشر فيديو لعدد من الرجال وهم يثبتون رجلا على الأرض ثم يذبحونه كالنعجة أمام عين الكاميرا بمرافقة التكبيرات!
لماذا الإعدام ذبحًا وليس بالرصاص مثلا! أليس بهدف إبراز الوحشية والتخويف! ومن هو المستفيد من نشرها! الأرجح أن النظام المستفيد منها يقف من وراء معظم هذه الحالات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر!
المعارضة السورية تحاول استرضاء الغرب وإقناعه بأن هدفها هو تغيير الحكم والتحرر من الديكتاتورية، فكيف يمكن لمن هم بأمس الحاجة لدعم الغرب والعالم وكسب ثقته ووده بأن يقوموا بهكذا أعمال بل وتصويرها وبثها!
من المستفيد من شيطنتهم وإظهارهم كوحوش، ومع أي خطاب إعلامي تتناغم بل وتتطابق هذه الوحشية!
وسائل إعلام الأنظمة عمومًا ومنذ اللحظات الأولى للثورات اتهمت المعارضين بأنهم متآمرون على الوطن، تكفيريون، باعوا ضمائرهم، ويطمعون بالحوريات في الجنة، ثم وصموهم بنكاح الجهاد، ونسبت إليهم أعمال مقززة، لحجب تعاطف الناس معهم، ثم تحريض الرأي العام العربي والعالمي عليهم بتهمة الأصولية التكفيرية، هذه الشيطنة استمرت وتناغمت تمامًا مع الأعمال الحقيرة والجبانة والمروعة، التي تم تصوير معظمها وبثها بجودة عالية بشكل مقصود ليرى العالم!
الإعلام السوري الرسمي شيطن كل من ليس مع النظام، ثم راح ينافق للغرب ضد الإسلام والمسلمين، محاولا الظهور بمظهر المنقذ والمدافع الأمين عن الأقليات وخصوصًا المسيحيين العرب، وكأن المسيحيين يعيشون في خطر إبادة لولا دكتاتورياتهم الفاضلة!
هكذا شوهوا الإنسان العربي أكثر بكثير مما شوهته الصهيونية، لمجرد مطالبته بحريته، جعلوه وحشًا، ولكن هل يمكن لإنسان ينشد الحرية ويقاتل ويموت لأجلها، أن يفعل مثل هذه الأفعال التي تشمئز الوحوش من هولها ثم ينشرها! ربما قام بعض عناصر من المعارضين بمثل هذه الأعمال الإجرامية، ولكن بلا شك أن هناك مدسوسين ودسائس، وهناك شبيحة ومخابرات ومخربون مستعدون لارتكاب أكثر الجرائم خسّة لضمان البقاء في سدة الحكم، آخرها وأخسّها استعمال السلاح الكيماوي،والجريمة الأكبر هي اتهام المعارضين بتنفيذها!
الروس متأكدون أنها فعلة النظام، والنظام يعرف أن الدول العظمى تعرف ولديها الإثباتات، ولهذا أسرع ووافق على المبادرة الروسية بمقايضة سلاحه الكيماوي مقابل التنازل عن الضربة العسكرية الأمريكية، وسوف يتراجع ويتنازل أكثر وأكثر كي يبقى أطول فترة ممكنة في سدة الحكم، وليس حرصًا على حياة أبناء شعبه كما يدعي الآن، الذين لم يوفر طرقا من طرق القتل والإرهاب إلا ونفذها بهم…

1