أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
الشعوب المصلوبه: مكامن الخلَّل في الواقع العربي الراهن!!
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 13.06.2013

في هذه الايام وتحديدا في الخامس من حزيران مرت الذكرى ال46 لما اسماها العرب بنكسة حرب حزيران عام 1967 حينما هزمت القوات الاسرائيليه الجيوش العربيه على عدة جبهات في غضون ستة ايام وهي الايام اللتي كانت كافيه لهزيمة العرب واحتلال اسرائيل للمزيد من الاراضي العربيه وإستكمال احتلال كامل ارض فلسطين بما فيها قطاع غزه والضفه والشق الشرقي من القدس واحتلال كل من سيناء المصرية والجولان السوريه وحسب الاحصائيات أدت الحرب لاستشهاد ما بين 15 – 25 ألف شهيد من الدول العربية الثلاث التي شاركت في الحرب وهي مصر وسوريا والاردن فيما دمر قسم كبير من العتاد العسكري العربي وخاصة القوه العسكريه والجويه المصريه التي استهدفها العدوان الاسرائيلي في ضربه جويه مباغته ادت الى تدمير عدد كبير من الطائرات والدفاعات الجويه المصريه وبالتالي النتائج التي ترتبت على نكسة عام 1967 كانت وما زالت كارثيه وخاصة ما يتعلق بفلسطين والقضيه الفلسطينيه التي ما زالت تراوح مكانها في الخطاب العربي الرسمي منذعام 1948 وبعد مرور 46 عام على النكسه..منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا صدرت قرارات كثيره وعقدت مؤتمرات كثيره لبحث امكانية السلام المزعوم بين العرب واسرائيل ولم يتمخض عنها الا معاهدات سلام مذله وتضليليه كمعاهدة كامب ديفيد عام 1979 بين اسرائيل ومصر في اعقاب حرب اكتوبر 1973 وهي المعاهده التي تركت سيناء عمليا ونظريا خارج سلطة الدوله المصريه ومن ثم جاءت اتفاقية اوسلو عام 1993 بين بعض من الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي وهي الاتفاقيه التي دمرت مقومات القضيه الفلسطينيه وسمحت بالمزيد من الاستيطان الصهيوني في الضفه والقدس ومن ثم جاءت اتفاقية وادي عربه بين الاردن واسرائيل عام 1994 وهي الاتفاقيه التي ابقت على احتلال اسرائيل للاراضي ولمصادر المياه الاردنيه من خلال "تأجير" هذه الاراضي لمده غير محدده للمستوطنين والمستوطنات الاسرائيليه...امور واحداث جسيمه حدثت منذ العام 1967 وحتى يومنا هذا لا يمكن احصاءها في مقال واحد , لكن المهم ان هذه الامور المرتبطه دوما بالعجز العربي الرسمي ادت الى تراجع القضايا العربيه وعلى راسها القضيه الفلسطينيه التي تربض منذ عقود في محطة الانتظار ولم تتقدم ولو خطوه واحده نحو الامام والعكس هو الصحيح وهو ان الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي ومشتقاته من فلسطينيون وعرب قد قاموا بتقزيم القضيه الفلسطينيه وتحويلها الى قضيه انسانيه وفي احسن الاحوال قضية راتب لثلل المنتفعين المنتسبين للسلطه الفلسطينيه بشقيها الغربي والشرقي!!
التاريخ العربي طويل ومفعم بالاحداث والحروب ومن بينها حرب عام 1967 وحرب اكتوبر 1973 والغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 والحرب الايرانيه العراقيه في ثمانينات القرن الماضي وانتفاضة الحجاره الفلسطينيه عام 1987 والحرب على العراق عام 1991 وغيرها الكثير من الاحداث التي عصفت بالعالم العربي, لكن من وجهه نظرنا شكلت عملية غزو واحتلال العراق عام 2003 نقطة تحول خطيره وماساويه في التاريخ العربي ليست فقط بسبب الاحتلال الامريكي المباشر للعراق لابل ايضا بسبب زرع هذا الاحتلال للطائفيه وتجذيرها في العراق وهذه الطائفيه للاسف تمددت فكريا لتشمل كامل الوطن العربي, حيث يبدو اليوم الفرز الطائفي وتداعيات ما جرى في العراق واضحا في كل الاقطار العربيه وهذا الفرز اكتسب و يكتسب المزيد من الزخم من خلال الحرب الاهليه الدائره في سوريا اللتي تتجاذبها قوى اقليميه و عالميه وبالتالي ما نلحظه وما هو بالفعل ملاحظ وهو ان ما يسمى ب" الربيع العربي" الذي بدأ منذ اكثر من عامين قد صب في النهايه في مصب خراب ودمار الوطن العربي من جهه وفي مصب الفرز الطائفي الجاري في العالم العربي من جهه ثانيه وبالتالي ماهو جاري اليوم ان الثورات العربيه والحراك الجماهيري العربي قد تحول الى حرب دمويه وتدميريه بين المعارضات العربيه وانظمة الحكم الدكتاتوريه في العالم العربي وما جرى في ليبيا ويجري في سوريا دليل على مأزق فكري وسياسي وتاريخي تعيشه الشعوب فمن ناحيه اثبتت هذه الشعوب ان بامكانها كسر قيد السجَّان واسقاط الانظمه الدكتاتوريه لكن من ناحيه اخرى ظهر قصور واضح في تنظيم الحراك الجماهيري و في التصور حول كيفيية بناء الدوله الديموقراطيه بعد سقوط النظام وهذا ما نراه في جميع ما سمي بدول" الربيع العربي"...ارتباك وتشربك وتيه ليست بسبب قمع و دموية النظام فقط كما جرى في ليبيا وماهو جاري في سوريا مثلا لابل ايضا بسبب غوغائية وفوضوية الثورات والتدخل الاجنبي والعربي الرجعي السافر في مسار هذه الثورات التي تحولت الى نكسات وكوارث ضربت وتضرب اركان ومقومات الدول والمجتمعات العربيه..ضرب هذه الدول عسكريا وسياسيا واجتماعيا وطائفيا.. ما يجري في سوريا هو ان النظام والمعارضه معا قد قاما بتدمير منهجي طال كامل الوطن السوري وماجرى ويجري ان النظام وحلفاءه الاقليميين يحاربون المعارضه وحلفاءها الاقليميين ايضا والمنطق الذي يتحكم بهذا التحزُب هو سياسي ومذهبي وطائفي والنتيجه ان سوريا انزلقت بالفعل الى داخل اتون حرب طائفيه واهليه ستستغرق زمنا طويلا ولن تحط اوزارها غدا او بعد غدا.. النكسه السوريه ..ما جرى في ليبيا كان حربا بين النظام والمعارضه انتهت بدمار شامل للدوله الليبيه والموجود اليوم اقاليم وميليشيات ومناطق نفوذ وسيستغرق الوضع في ليبيا وقتا طويلا حتى يستتب الامن والاستقرار..النكسه الليبيه والسوريه..الناس تقف بين الفأس والرأس وتحاور اليأس...في سوريا اليوم ميليشيات شيعيه من دول الجوارأ تحارب لجانب النظام وميليشيات سنيه تحارب في صفوف المعارضه..فرز طائفي واضح المعالم!!
النكسه العربيه عام 1967 لم تتوقف لابل توالدت منذ ذلك الحين وصارت نكبات متواليه: النكبه والنكسه العراقيه, والسوريه, واللبنانيه, والليبيه, واليمنيه, والمصريه, والجزائريه والمغربيه والسودانيه, والبحرينيه, الخ..في كل بلد عربي يوجد نكسه ونكبه والاف القتلى والمفقودين وملاييين اللاجئين..فلسطين ليست وحدها..ما ان تتوقف النكسات و الحروب الاهليه في بلد عربي حتى تشتعل في بلد اخر من لبنان الى الجزائر والى العراق وسوريا ومن المحيط الى الخليج والخسائر في الارواح فادحه..عالم عربي منكوب ومنكوس عبر كل الازمان.. كل شئ بقي كماهو محنط ..لا تغيير ولا تنوير ولا ترميم للذاكره العربيه والامور تعاد وتتكرر وانهار الدماء العربيه ما زالت تسيل وتنهمر بغزاره وكأن قدر العربي مرتبط في نكسة عقله ووجدانه وذاكرته.. استمرار صناعة الموت بدل صناعة الوعي الجديد الذي من المفروض ان يتصدى لصناعة الموت ويخط خطوط عريضه وخرائط طرق لوعي جديد وعصر جديد..اين نحن اليوم من هذا الحلم؟..نقبع في حضيض الحروب والدمار والمأسي والثأريه والانتقام.. نحن ليس عظام لاننا ببساطه اصبحنا شعوب لكل حاكم ولكل طبَّال ولكل فضائيه ولكل متكالب على امتنا العربيه..هل يعقل ان امريكا الامبرياليه والصهيونيه تدعم ثورات التحرر العربيه؟..وهل يعقل ان امير تابع وساقط يملك فضائيه داعما للثورات العربيه؟..الى جانب من يحارب العرب؟..حاربوا الى جانب "فلورانس العرب" الذي خدعهم واليوم يحاربون الى جانب من هب ودب... صاروا اصدقاء امريكا واسرائيل تحت شعار الثوريه؟...ذاكره مثقوبه ووعي مُطلمَّس بطلاميس ثوريه دونكشوتيه وميليشيه في مجتمعات عربيه منكوسه وطنيا وفكريا.. اين نحن من العقل العربي المُدبر للوعي وليست مدبر للمؤامرات والدمار الذاتي؟..واقع عربي مُر.. لا عقل ولا تعقُل ولا عقل مدبر..غوغاء وغرائز تكاد تكون بهيميه لاتحترم حتى حرمة الميت.. الجثه الملقاه في ارض المعركه..يشوهونها ويقطعونها نظاما ومعارضه, وهؤلاء بدورهم يريدون دمقرطة الدول العربيه وفرض العداله..سخرية القدر وكارثة العقل...هل هذه نكسه ام ثوره؟... افيدونا او بالاحرى افيدوا هذه الشعوب المشبوحه والمصلوبه قسرا وسط معركة الطغاه والغوغاء والرعاع.. الجميع يتاجر بحقوق هذه الشعوب؟!!
لقد قمنا بتغييب العقل العربي ودخلنا في متاهات الغيبيات والخرافه والاقدار المحتومه والاستهتار بإنسانية العربي الى الحد اللذي نجيز فيه قتل وتشريد اكثريه من الشعب الى خارج وطنه لابل ذبح الشعب تحت مصنفات مذهبيه وطائفيه وتخلف مدقع..هذا الشيعي او السني او العلوي او اسموه ما شئتُم يقوم بقتل جاره واخوه العربي من منطلق الجهل الذي يجعله يستجيب الى تعبئة الطغاه والرعاع والطائفيين الانتهازيين الساعيين الى الحكم بكل ثمن حتى لو كان مقتل وتشريد ثلثي الشعب.. عرب الرده وانظمة العار العربي ينتظرون لابل يحرضون الامبرياليه على استعمال البند السابع لاحتلال الدول العربيه..اين هي جيوش الكارتون العربيه ولماذا لم تفض نزاع عربي واحد ولماذا لم تحمى الشعوب المصلوبه والمشبوحه؟..يحركون الدبابات والطائرات الى البحرين من منطلق مذهبي والحفاظ على النظام؟..بينما هذه الجيوش لم تشارك الا في حروبات ونزوات امريكا.. تشارك في العدوان على الشعوب العربيه كما جرى في العراق واحتلاله عام 2003.. الامر يصبح مجرد رقصة عرضه عابره مع بوش الذي قتل وشرد الملايين من الشعب العراقي؟!
نحن شعوب منكوسه ومنكوسه على عقب وبالمقلوب لابل معطوبه بعطب ابدي في العقل والذاكره والوعي ونحن ندرك ان الشعوب العربيه تستحق التغيير, لكن هذه الشعوب لم تدرك حتى اليوم متطلبات واستحقاقات هذا التغيير.. البندقيه والمدفع اذا لم يرافقهما وعي و فكر رشيد ستكون النتيجه كارثيه كما هو حال ليبيا وسوريا وكامل الوطن العربي.. النتيجه هي ان الثورات اصبحت مطيه لكل من هب ودب..مكمن من مكامن الخلل الكثيره في الواقع العربي المر...ندرك ان الطغاه لايهمهم الا كراسيهم وحاشيتهم, لكن متى ستصبح الثورات العربيه على مستوى الهَّم الوطني والجماهيري العربي؟..متى ستصحح الثورات العدميه مسارها؟..او بالاحرى : متى ستصحح الشعوب مسار الثورات بدلا من تكون هذه الشعوب حطب حروب الحاكم والمعارضه..موت مجاني وتضحيات سدى...واقع مر ونتائج كارثيه ومنكوسه على عقب.. خراف مصلوبه وسط وطنها !!
الطاسه ضائعه وما زالت ضائعه في العالم العربي.. الثورات والمواقف تُشترى بمال النفط والمخابرات الغربيه وكأننا في سوق عكاظ " الثوري" والمؤسف ان الشعوب يُزَّج بها في اتون الحريق واتون الحروب واتون الموت واللجوء قسرا ومن ثم تتحمل القسط الكبير من تفاصيل المأساه وعواقبها وبالتالي من المؤسف القول ان الشعوب العربيه صارت مصلوبه في اوطانها كالخراف المصلوبه اللتي تنتنظر القصاب والقصابون في بلادنا كثر وعلى راسهم انظمة واجهزة انظمة الحكم, لكن الانظمه ليس وحدها هنالك الان قصابون جدد وميليشيات مجرمه تدَّعي المعارضه وهي في الحقيقه اشد جزرا واجراما من شبيحة وبلطجية الانظمه..الحال العربي اليوم حال منكوس ومنكوب والشعوب تعيش في فوضى شامله وفي طيات غياهب المجهول.. الذي جرى في بعض الدول العربيه هو اسقاط الدوله وانهاءها وليس اسقاط النظام فقط.. كثيره هي مكامن الخلل ودون اصلاح وتصحيح هذا الخلل لن تنجح اي ثوره عربيه لا على المدى البعيد ولا القصير.. الشعوب المصلوبه: مكامن الخلَّل في الواقع العربي الراهن!!

1