أحدث الأخبار
الأحد 22 كانون أول/ديسمبر 2024
كي لا تبكوا على عمرو!!
بقلم : د.فيصل القاسم  ... 24.02.2013

لاشكَّ في أنَّ التغيير هدف عظيم للغاية، ولتعش الأيادي التي أسهمت وتسهم فيه. لكن هناك هدفاً آخر لا يقلُّ أهمية وخطورة عن الهدف الأول، ألا وهو قيادة المراحل التالية. فقد قدَّم لنا التاريخ أمثلة مرعبة يجب على العرب أجمعين التعلُّم منها وتجنُّبها بكلِّ ما أوتوا من قوة وعقل، كي لا يتحوَّل التغيير إلى تدمير، وإلى وبال على الشعوب.
لقد نجح المجاهدون الأفغان في يوم من الأيام في التخلُّص من نظام نجيب الله ومَن كان يدعمه سياسياً وعسكرياً، لا بل تمكَّن المجاهدون أيضاً من دحر الاحتلال الأجنبي لبلدهم. لكن الانتصار الأفغاني لم يأتِ لأفغانستان بالمنّ والسلوى، ولا بالتحرير الحقيقي؛ فما أن انتهى المجاهدون الأفغان من مهمة تنظيف البلاد من الاحتلال الداخلي والخارجي، حتى راحوا يتقاتلون فيما بينهم على الغنائم.
لاشكَّ في أنَّ الكثير منا يتذكَّر ما حلَّ بأفغانستان بعد انتصار المجاهدين، فقد تحوَّلت البلاد إلى ساحة حرب من أقصاها إلى أقصاها بين المجاهدين أنفسهم، ما أدَّى إلى الإمعان في تمزيق البلاد وزعزعة استقرارها وإفقارها وتحويل شعبها إلى لاجئين وجائعين. فبدلاً من التكاتف للملمة جراح أفغانستان الغائرة وتوحيد الصفوف، راح المجاهدون يذبحون بعضهم البعض من أجل الاستيلاء على السلطة، وكأنهم جاهدوا ليس لتحرير الوطن من ربقة المحتلين وأزلامهم، بل من أجل أن يحلّوا محلّهم في الجثم على صدور البلاد والعباد. ومن كثرة ما عانى الأفغان من اقتتال المجاهدين فيما بينهم، لم يكن لديهم أيُّ مانع بعد طول عناء من القبول بديكتاتورية جديدة أشدّ وأنكى من الديكتاتورية القديمة، ألا وهي ديكتاتورية طالبان التي تمكَّنت من الانتصار على المجاهدين والفوز بحكم البلاد. قد يجادل بعضهم بأنَّ حركة طالبان كانت في وقتها أفضل حلّ لبلد أنهكته الحرب الأهلية. وربما يكونون على حق. لكن الشعب الأفغاني لم يقدِّم كلَّ تلك التضحيات وقتها كي ينتقل من حضن الديكتاتورية الشيوعية إلى حضن ديكتاتورية دينية خانقة. ولو لم يتقاتل المجاهدون فيما بينهم لما أوصلوا السلطة إلى أيدي طالبان، ولما جعلوا أفغانستان مرتعاً للقاصي والداني كي يتدخَّل في شؤونها ويستغلّ معاناة أهلها. لاشكَّ في أننا نتذكَّر كيف أصبحت أفغانستان لاحقاً ساحة للاستخبارات الإقليمية والدولية والقوى المتصارعة على ذلك الجزء الحيوي جداً من العالم.
ولا ننسى الدرس الصومالي البشع. صحيح أنَّ الشعب الصومالي استطاع التخلُّص من الطاغية سيِّئ الصيت محمد سياد بري، لكنه فشل بسبب احترابه الداخلي ونزاعه الدموي على السلطة فيما بعد في بناء صومال جديد أفضل من ذلك الذي كان يرزح تحت ربقة الطاغوت سياد بري. ولو قارنّا وضع الصومال في عهد الطاغية القديم بوضع البلاد بعده، لرأينا حجم الدمار والانهيار اللذين حلا بالبلاد على مدى السنين الماضية. فقد أصبح الصومال مضرباً للأمثال في التشرذم والفشل والتفكُّك. فبدل أن يبني الصوماليون دولة ديمقراطية حديثة بعد التخلُّص من بري، أنتجوا دولة فاشلة بامتياز، لتصبح البلاد مرتعاً ليس فقط للعصابات المحلية المتقاتلة، بل أيضاً للطامعين والعابثين بأمن واستقرار البلاد من خارج الحدود. ولا ننسى أنَّ الفراغ السياسي يغري الخارج بالتدخُّل دائماً، لاسيَّما أنَّ الطبيعة نفسها لا تسمح بالفراغ.
ولاشكَّ في أنَّ الكثير من بلادنا العربية مرشَّحة للسقوط بسهولة في المستنقع الصومالي والأفغاني واليوغسلافي إذا ما سار الساعون إلى التغيير على النهج الأفغاني وغيره. لقد رأينا كم كان سهلاً تفتيت العراق. وما حلَّ بالعراق وبيوغسلافيا ممكن أن يحلَّ بالبقية. لهذا على الجميع أن يعملوا جاهدين على رصِّ الصفوف للحفاظ على النسيج الوطني وحماية الوحدات الوطنية. بعبارة أخرى، عليهم أن يعوا الدرس الأفغاني واليوغسلافي والصومالي والعراقي جيداً كي لا يقعوا في الحفرة نفسها.
ويجب أيضاً ألا ينسوا أنَّ هناك الكثير من القوى الإقليمية الطامعة بالمواقع الإستراتيجية للبلدان الثائرة، وهي مستعدَّة في أسرع وقت لمناصرة جماعة ضد أخرى، لتتحوَّل بلداننا إلى ساحات صراع كبرى تكون فيها الشعوب أكبر الخاسرين. وبالتالي، فإنَّ منع التناحر بين الجماعات والمعارضات المتنافسة والحيلولة دون الصراع على السلطة أمر في غاية الأهمية، كي لا يردِّدوا لاحقاً البيت الشهير: "دعوت على عمرو فمات فسرّني وعاشرت أقواماً بكيت على عمرو".

1