
رام الله- احتفلت دول كثيرة في العالم أمس الجمعة بعيد الأم، ومن بينها فلسطين المحتلة، التي تعاني النساء فيها الأمرّين جراء الانتهاكات الخطيرة والموثّقة لدولة الاحتلال، التي ترتكب جرائم حرب وضد الإنسانية في غزة، وكذلك في الضفة والقدس المحتلتين.
وفضلا عن أعمال القتل والتدمير التي تحرم الأمهات من عائلاتهن وأزواجهن وأبنائهن، يحتجز الاحتلال حرية أمهات فلسطينيات بمبررات واهية.
ففي معتقلاته تقبع تعسفا 14 أما فلسطينية، ويحرمهن السجان من أطفالهن، من بين 26 أسيرة فلسطينية يعانين أوضاعا بالغة الصعوبة والسوء. وقالت مؤسسات «هيئة شؤون الأسرى» (حكومية)، و«نادي الأسير» و«مؤسسة الضمير» (أهليتان)، الفلسطينية، في بيان مشترك، لمناسبة يوم الأم، إن «الفترة الأخيرة كانت من أكثر الشهور دموية ووحشية بحق النساء الفلسطينيات، حيث تصاعدت الانتهاكات بشكل ممنهج، لا سيما مع استمرار العدوان الوحشي وحرب الإبادة الجماعي على الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة».
وذكرت المؤسسات أنه خلال حرب الإبادة سجل أعلى معدل اعتقالات للنساء، حيث اعتقلت سلطات الاحتلال نحو 500 امرأة فلسطينية، من بينهن أمهات ونساء استخدمن رهائن للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه.
وتبدأ مأساة الأم الفلسطينية منذ اللحظة التي تقتحم فيها قوات الاحتلال منزلها بعنف، غالبا في ساعات الليل المتأخرة، حيث تُنتزع من بين أطفالها تحت تهديد السلاح، وسط صرخات صغارها ومشهد التنكيل المتعمد أمام أعينهم، ولا تقف معاناتها عند حدّ الاعتقال، بل تستمر خلال عمليات النقل والتحقيق القاسية، حيث تتعرض للإهانة والتعذيب النفسي والجسدي، كما تمنع الأسيرات من زيارات الأهالي منذ بداية حرب الإبادة الجماعية.
معاناة التحقيق والتوقيف
وبعد الاعتقال، تنتقل معاناة الأسيرات إلى مراكز التحقيق التابعة للاحتلال، حيث يتعرضن لأساليب تحقيق واستجواب قاسية، إذ يُجبرن على الوقوف لساعات طويلة، ويُحرمن من النوم والطعام، ويواجهن تهديدات مستمرة بالعنف. وتُحرم العديد منهن من التحدث مع محاميهن، ما يزيد من معاناتهن ويترك آثارا طويلة الأمد على صحتهن الجسدية والنفسية.
وتحتجز قوات الاحتلال الغالبية العظمى من الأسيرات في سجن «الدامون»، الذي يعتبر من أبرز مراكز اعتقال النساء الفلسطينيات، إذ تواجه الأسيرات في هذا السجن ظروفا قاسية ازدادت صعوبة بشكل كبير بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وطبقت إدارة السجون الإسرائيلية سياسة التجويع، حيث منعت الأسيرات كما بقية الأسرى من شراء المواد الغذائية عبر «الكانتينا» وأمدتهنّ بوجبات رديئة من حيث الكم والنوع. كما تمارس سياسة الإهمال الطبي المتعمد بحقهن. إضافة إلى ذلك، زاد الاكتظاظ في السجن من معاناة الأسيرات، حيث اضطُرّت العديد منهن إلى النوم على الأرض في ظل نقص شديد في الملابس والأغطية، والتي تفاقمت مع الطقس البارد، حيث كانت بعض الأسيرات مضطرة لارتداء نفس الملابس التي اعتُقلن بها لفترات طويلة دون تغيير.
وتعتبر الجرائم الطبيّة بحق الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال سياسة مستمرة لحقوق الإنسان منذ عشرات السنوات، حيث تُحرم العديد من الأسيرات من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة رغم معاناتهن من أمراض مزمنة أو إصابات تعرضن لها أثناء الاعتقال.
ومن بين الأسيرات الأمهات، هناك واحدة على الأقل حامل في شهرها الثالث، وهي أم لطفلتين، وتعاني من ظروف صحية صعبة بسبب الإهمال الطبي المتعمد. وليس الأسرى وحدهم من يذوقون مرارة العزل والحرمان، بل تمتد المعاناة إلى عائلاتهم وأمهاتهم خارج السجون، حيث تعيش آلاف الأمهات الفلسطينيات قلقا يوميا على مصير أبنائهن المعتقلين، دون قدرة على الاطمئنان عليهم أو سماع أصواتهم. فجميع الأسرى اليوم، بلا استثناء، محرومون من التواصل مع عائلاتهم بفعل إجراءات الاحتلال القمعية، التي تمنع الزيارات وتقطع كافة سُبل التواصل.
ومن بين حالات الأمهات الأسيرات، أم لشهيدين وهي الأسيرة حنين جابر من طولكرم، وأسيرة أخرى تعاني من السرطان وهي الأسيرة (ف.ع) من قلقيلية، إضافة إلى شقيقتين أمهات معتقلات وهن إيمان وأفنان زهور من الخليل، وهناك أم وابنتها معتقلات معا من نابلس وهما دلال الحلبي وابنتها إسلام، إضافة إلى الأسيرة آية الخطيب وهي معتقلة منذ قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
اعتقالات نساء غزة: قصص قاسية
ومن بين القصص الإنسانية المؤلمة، تبرز حالة أسيرة مسنة من قطاع غزة، التي لا تزال قابعة في سجون الاحتلال رغم تقدمها في السن. هذه الأم التي كانت قد اعتقلت إلى جانب ابنتيها الاثنتين، حيث مكثت إحداهما لفترة طويلة داخل المعتقلات قبل أن يتم الإفراج عنها فيما ظلت الأم رهن الاعتقال، ولا زالت تعايش الكثير من الألم، حيث تعاني من آثار التقدم بالعمر والأمراض التي تفاقمها الجرائم الطبية.
وذكر «نادي الأسير» أن أغلبية الأسيرات معتقلات على خلفية ما يدعيه الاحتلال بـ»التحريض» الذي يشكل وجها آخر لجريمة الاعتقال الإداري.
