أحدث الأخبار
السبت 07 كانون أول/ديسمبر 2024
غياب الأمان يدفع مصريات إلى تضمين "العصمة" في عقود الزواج!!
بقلم : أحمد حافظ ... 15.08.2023

**النوايا الحسنة شرط النجاح
بسبب التجارب الفاشلة التي عاشتها بعض المصريات في حياتهن الزوجية، وخاصة فيما يتعلق بطلاقهن إذا استحال العيش مع أزواجهن، توجهت بعضهن في الفترة الأخيرة إلى اختيار العصمة، أي اختيار تطليق أنفسهن بعد الزواج كشرط أساسي في عقود الصداق لضمان تحديد مصيرهن بحجة أنه إذا كانت نوايا الزوج طيبة فلن يؤثر ذلك على حياة العائلة.
القاهرة- تحولت وقائع اشتراط المرأة المصرية تطليق نفسها بعد الزواج من مجرد حالات فردية إلى ظاهرة أسرية بامتياز، وسط قبول ذكوري نسبيا لهذا الشرط، والموافقة على تضمينه في عقود الزواج الرسمية، ما يعكس مدى شعور الكثير من المصريات بغياب الأمان الأسري والخوف من عواقب العلاقة الزوجية مستقبلا.
وأعلنت نقابة المأذونين الشرعيين في مصر مؤخرا أن أكثر شرط يتم إدراجه في شروط عقد الزواج وجود العصمة في يد الزوجة (أي حقها في تطليق نفسها)، وأن نسبة 95 في المئة من النساء اللاتي يتمسكن بتسجيل هذا الشرط في عقود الزواج الرسمية لديهن تجارب زوجية فاشلة.
وتعكس الإحصائية التي كشفتها نقابة المأذونين أن الأمر عند الكثير من النساء المصريات تجاوز حدّ معاندة الرجال والخروج عن المألوف والأعراف والتقاليد، وأن هناك شعورا متناميا لدى نسبة كبيرة من المقبلات على الزواج بإمكانية تعرضهن للإذلال في حياتهن مع الشريك الجديد.
وتتمسك غالبية النساء اللاتي خضن تجارب زوجية فاشلة بالتخطيط للتحرر من العلاقة الجديدة مبكرا قبل أن يواجهن المأزق نفسه ويتعرضن لضغوط ومساومات ربما تدفعهن إلى التنازل عن الكثير من حقوقهن، مقابل طلب الطلاق والحصول عليه، أو إذلالهن بأي طريقة لمجرد الرغبة في نيل الحرية.
نقلة نسوية جديدة
ظلت فكرة تسليم العصمة الزوجية للمرأة ومنحها حق التصرف في شؤون نفسها وتطليق ذاتها مقتصرة على عائلات ميسورة تعيش في مناطق راقية، لكنها انتقلت إلى بيئات مختلفة، كانت حتى وقت قريب تتمسك بالتقاليد المجتمعية التي تعطي كل القرارات للرجل في الحياة الزوجية.
ولا تزال الفتاة الثلاثينية إيمان حمدي ترفض الزواج، إلا إذا قبل الرجل عن قناعة أن تكون العصمة في يدها، مهما جرى نعتها بالعانس، أو لا تتزوج أصلا، لاقتناعها بأن الخوف من الزواج وغياب الأمان من الأسباب الكفيلة بالتمسك بهذا الشرط.
وتدعم أسرة إيمان حقها في الحصول على العصمة، لكن الشبان الثلاثة الذين تقدموا لخطبتها رفضوا أن تكون حرة في إنهاء العلاقة الزوجية متى شاءت، وهو ما تبرره الفتاة بوجود عقول تعيش على فكرة أن الرجل هو الوصي الوحيد على المرأة في الطلاق.
وقالت الفتاة لـ “العرب” إن أغلب صديقاتها تزوجن بعد كتابة شرط العصمة في عقد الزواج، ولم يمانع أزواجهن، لافتة إلى أن “الرجل المتحضر يتعامل بعقلانية مع حق المرأة في تطليق نفسها، وهذا يمنحها المزيد من الأمان الأسري”.
ويصعب فصل التغيرات التي حدثت في نظرة الكثير من النساء للزواج عن بعض التقلبات الاجتماعية، وعلى رأسها العديد من وقائع إذلال المرأة لمجرد طلب الطلاق، وربما الانتقام منها، ما صدّر إلى فتيات مشاعر سلبية أثرت على تفكيرهن، وجعلتهن غير واثقات في الشركاء الذين يقبلن الحياة معهم.
ووصلت معدلات الطلاق في مصر إلى مستويات مرتفعة، لكن هناك وقائع يتم تصديرها إلى الرأي العام مثيرة للإحباط والرهبة عند الفتيات، وتدعو إلى الخوف من عدم وجود الأمان داخل الأسرة الجديدة، وباتت الكثير منهن ينظرن إلى حق العصمة على أنه طلب طبيعي لتجنب الوقوع في ورطة الشريك الخطأ.
بين العصمة والخلع
ترتبط مخاوف البعض بأن زيادة معدلات تسليم العصمة للمرأة قد تتسبب في انتشار الطلاق بشكل أوسع، عكس قانون الخلع الذي يعطي المرأة مهلة أطول للتفكير والهدوء وعدم اتخاذ قرارات انفعالية، لأن العاطفة جزء من التركيبة النسائية، وفي حال نشوب خلافات قد تلجأ بعض السيدات إلى الخيار السهل، من خلال تطليق نفسها.
واستبعدت هدى منصور، وهي سيدة خمسينية، أن يكون تسليم العصمة للزوجة سببا مباشرا للطلاق، فقد اشترطت قبل سنوات أن يكتب في عقد زوجها أن تظل العصمة معها، ومع ذلك لم تستغل هذا الشرط أو تدخل في مشكلة مع شريكها تقود إلى انهيار العلاقة بينهما، وتمضي حياتهما حتى الآن هادئة وبلا منغصات كبيرة، ما جعل فتياتها الثلاث يقررن الزواج مستقبلا من خلال حصولهن على العصمة كشرط في عقود زواجهن.
ودافعت منصور عن تحرك مصريات نحو امتلاك العصمة، قائلة “لا أحد ينكر وجود تجارب زواج مؤلمة، وهناك وقائع لأزواج رفضوا منح زوجاتهم حق الطلاق مع علمهم باستحالة الحياة، ومن الطبيعي أن تفكر كل امرأة في الفشل قبل النجاح وترسم لحياتها طريقا للخروج الآمن من العلاقة الفاشلة”.
وأكدت أهمية وجود العصمة في يد الزوجة، وهذا ليس تشكيكا في الرجل بقدر ما يحمل مخاوف جمة من تبعات الأزمات الأسرية التي تجعلها أسيرة في سجن أبدي، فمن يُنكر أن هناك رجالا يتزوجون أكثر من مرة بلا علم الزوجة الأولى، وبعد أن تعرف تتم مساومتها مقابل الحصول على الطلاق، لذلك تصبح “فكرة العصمة أن تكون المرأة حرة في مجتمع يعادي حرية النساء ويعتبرهن بحاجة إلى وصاية ذكورية ضرورية لضمان حريتهن في اتخاذ قراراتهن بأنفسهن”.
ويعزز هذا الطرح فكرة أن شبح الزواج الثاني الذي يطارد الكثير من النساء في المجتمعات الشرقية بات دافعا إلى تمسك المرأة بشرط أن تكون العصمة في يدها، رغبة منها في تأمين نفسها كي لا يتزوج زوجها عليها أو تتحرر من العلاقة حال وجود زوجة ثانية، فالكثير من الشباب يميلون إلى أن تكون لهم زوجة شريكة وأخرى سرية للمتعة.
ولا يمانع البعض من الشباب في أن تكون العصمة في يد الزوجة طالما أن ذلك يمنحها المزيد من الطمأنينة، ويجعلها تشعر بأن لديها حرية بشكل يعزز مكانتها داخل الأسرة، وهو تفكير متحضر يختلف عن النظرة التي يتعامل بها البعض في البيئة الشعبية.
ويعتقد الرجال والنساء المؤيدون للزيجات التي تكون فيها العصمة للنساء أن شعور المرأة بأنها لا تقل قيمة عن الرجل يعزز المساواة داخل الأسرة، ما ينعكس على الأبناء وتربيتهم، بحيث يشبون وسط أجواء عائلية مستقرة ويعايشون تعامل الأبوين باحترام متبادل ما يساهم في تهيئتهم ليكونوا عناصر سوية نفسيا في المجتمع.
العدالة والمساواة
قالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية لـ”العرب” إن “مشكلة الكثير من الأسر الشرقية في التعامل مع تسليم العصمة للزوجة تتمثل في أن ذلك ينتقص من رجولة الزوج، مع أنه يمكن القبول بشرط العصمة للتأكيد على حسن نوايا وأخلاق وتربية الرجل، وأنه لا يدمن العقلية الذكورية المسيطرة”.
وذكرت أن تحول زيجات العصمة النسائية من حالات فردية إلى ظاهرة أسرية في المجتمع المصري أمر مثير للمخاوف، ويحدث ذلك مع تزايد شعور العديد من النساء بالخوف من تعرضهن لتجارب زوجية فاشلة، أي أن قدسية العلاقة الأسرية تراجعت.
ويعكس قبول الرجل بتسليم العصمة للزوجة مدى إيمانه بقيم العدالة والمساواة، وأن له نظرة إيجابية للمرأة قائمة على التشارك والمودة والاحترام، لكن من المهم أن تبتعد العائلات عن رسم العلاقة بين الزوجين، لأنها قد ترفض مبدأ تسليم العصمة إلى المرأة.
ويؤشّر اشتراط الفتيات أن تكون العصمة معهن بعد الزواج على مدى ما تتمتع به المرأة المصرية من حرية في اختيار نمط الحياة التي يناسبها بعيدا عن تدخلات الأسرة وخاصة عائلة الزوج، كما أنه من المتعارف عليه في مصر تدخل الأبوين أحيانا لإجبار الفتاة على القبول بشاب معين.
وأكدت عبير سليمان، الباحثة في قضايا المرأة، لـ”العرب” أن “العصمة النسائية تعزز الشجاعة التي تتمتع بها المرأة، وهناك سيدات يعشن في بيئات ريفية وشعبية يشترطن امتلاك حق تطليق أنفسهن، وكل أسرة طبيعية تترك للمرأة حرية اختيار طريقة العلاقة الزوجية مع الشريك دون ضغوط”.
ولفتت إلى أن مشكلة المجتمع الشرقي تكمن في تعامله مع المرأة كمتهمة مشكوك في نواياها وتصرفاتها من دون منحها الحق في الانتصار ولو كانت على حق، ومن الطبيعي أن تكون أي سيدة تعرضت من قبل لتجربة زواج فاشلة أن تصبح حذرة وهي تستعد لزواج جديد. أين الأزمة إذًا، وما علاقة ذلك بوصم المرأة متمردة على
العادات؟
رجولة أم تحضر
على الرغم من ارتفاع معدلات العصمة النسائية، لا تزال الأغلبية الذكورية تتعامل مع المسألة بعنصرية وتذمر شديدين، على اعتبار أن الكثير من الرجال يعدون العصمة موضوعا مقدّسا وحقا يقتصر عليهم دون النساء ولا يجوز المساس به، وثمة من يعتبرها علامة رجولة والتخلّي عنها ينتقص من مكانة الزوج مجتمعيا.
وهناك شريحة في مصر تتعامل بحساسية مفرطة مع تركيز العصمة في يد الزوجة بذريعة احتمال سوء استغلالها عبر تعمد إهانة الزوج وكشف سلوك المرأة الاستبدادية، لكن يسهل على الرجل اكتشاف سلامة نية زوجته من خلال تصرفاتها المعتادة.
ويصعب فصل ظاهرة العصمة النسائية عن التغير الجذري الذي حدث في نظرة الفتاة المصرية للزواج عموما، وأنها تدرك جيدا مدى أهمية أن يكون قرارها مستقلا في ترتيب شؤون حياتها، وهذا توجه إيجابي يؤكد الشجاعة النسوية في المجتمع.
وتتفق الكثير من الأصوات النسوية على أن العلاقة السوية مع الرجل المتحضر لا يؤثر فيها وجود العصمة على العلاقة الزوجية والأسرية، لأنها مشرعة في الدين، ولا تسلب من الرجل حق الطلاق في الوقت الذي يريده، طالما كان من الصعب استمرار العلاقة، أي أن الطلاق هنا علاقة مشتركة لا يحتكرها شخص واحد.
والميزة الأهم، وفق القانون المصري، أن المرأة التي تطلق نفسها، مثل تلك التي يطلقها الزوج، تحتفظ بحقوقها الشرعية في النفقة هي وأولادها إذا كانت حاضنة، وتحصل على نفقة المتعة وإلزام الرجل بتوفير سكن للزوجة، لكن يشترط لذلك إثبات تعرضها لضرر نفسي وإلا حُرمت من هذه الحقوق.
ويكمن الخطر في أن يظل الخوف من الفشل مسيطرا على مشاعر المرأة طوال الوقت، وتظن أن العصمة وحدها كافية لحمايتها من معايشة تجربة زوجية قاسية، لأن سيطرة هذا الشعور قد يحول حياتها إلى جحيم، وإن كانت تعيش مع رجل مثالي.

1