أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
مدونة الأسرة المغربية: دعوات إلى مواكبة تطور بنية العائلة ومكانة المرأة فيها!!
بقلم : الديار ... 22.05.2023

***زواج القاصرات والطلاق والحضانة مواضيع استأثرت بالنقاش.
تتتالى الدعوات في المغرب إلى أن يكون إصلاح مدونة الأسرة ملائما لتطور بنية الأسرة ومكانة النساء داخلها. وقد دعا الخبراء والحقوقيون إلى مكافحة كافة أشكال الميز والعنف التي لا ‏تزال ‏المرأة ضحية لها، فضلا عن مناقشة كافة القضايا التي لا تزال تلقي بظلالها ‏على المدونة مثل زواج ‏القاصرات وطول إجراءات الطلاق الذي يزيد من حالات العنف داخل العائلة.‏ كما يرى عدد من الخبراء أن لغة المدونة لم تعد تناسب ‏العصر وكذلك مقاربتها الحقوقية.
الرباط - تحتل مدونة الأسرة أو الأحوال الشخصية حيزا هاما في النقاش العمومي المغربي في الآونة الأخيرة في سياق ‏مطالبة مجموعة من الهيئات والمنظمات بمراجعة ترسانة القوانين التي تنظم عمل الأسرة بعد عقدين من ‏تجربة المدونة انسجاما مع روح دستور 2011 ومسايرة للتحولات التي يشهدها المجتمع المغربي. ‏
وعلى الرغم من الغموض الذي يلف الجهة التي ستسند إليها مهمة مراجعة مدونة الأسرة سواء وزارة العدل ‏أو البرلمان أو لجنة خاصة مثلما حدث قبل عشرين سنة، فإن الكل يجمع على كون الوقت قد حان لإعادة النظر ‏في مجموعة من فصولها القانونية بسبب تنافي بعضها مع مقتضيات الدستور المعدل بعد موجة الربيع العربي ‏والطابع التمييزي لبعضها الآخر، فضلا عن الإشكاليات المطروحة في التنفيذ والتطبيق أخذا بعين الاعتبار ‏تطور بنية الأسرة ومكانة النساء داخلها.
وجاءت أولى الإشارات من أعلى هرم في السلطة حينما دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش يوم 30 ‏يوليو 2022 إلى مراجعة مدونة الأحوال الشخصية لتجاوز ما أسماها بالاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها ‏التجربة ‏ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها.‏
عندما اعتمدت مدونة الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة سنة 2004 اعتبرت حينها ثورة اعتبارا لما رافق ‏النقاش حولها في ذلك الوقت من جدال، حيث بلغ الأمر باللجنة المكلفة باقتراح التعديلات إلى الاستنجاد بمذاهب ‏أخرى غير المذهب المالكي من أجل الاستجابة لمجموعة من المتغيرات التي شهدها المجتمع المغربي.‏
وكما كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن، فإن مواضيع زواج القاصرات وتقسيم الأموال المكتسبة بين ‏الزوجين خلال فترة العلاقة الزوجية والطرد من بيت الزوجية والولاية الشرعية والحضانة تعتبر أبرز ‏المواضيع التي استأثرت بحيز واسع من النقاش العام خصوصا في مجتمع محافظ عمقا ومنفتح واقعا، ذي ‏حساسية من كل ما يمس الأحكام الدينية. ‏
ويقول محمد أوزين رئيس حزب الحركة الشعبية في ‏تصريح خاص لوكالة الأنباء الألمانية "إن القوانين مهما كانت متقدمة تظل غير كافية لبلوغ هدف إنصاف المرأة وتحقيق المساواة، لذلك ندعو إلى ‏فتح نقاش عميق يتجاوز ما هو تشريعي وقانوني إلى مراعاة الأبعاد الثقافية والاقتصادية والإعلامية ومحاربة ‏الصور النمطية التي تروجها وسائل التواصل الاجتماعي عن المرأة. وتشير المؤشرات الاقتصادية ‏والاجتماعية إلى أن المرأة هي الأكثر عرضة للهشاشة وتداعيات الأزمات الصحية والبيئية وتبعات موجة ‏الغلاء، لذلك يتعين علينا ضرورة صون كرامة النساء ودعمهن وتمكينهن اقتصاديا من خلال المشاريع ‏المدرة للدخل في إطار اقتصاد تضامني واجتماعي".
ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي باعتباره مؤسسة تحظى بالقوة الاقتراحية إلى إطلاق نقاش ‏عمومي وتعددي ‏ودينامية تفكير جماعي مسؤول من أجل مكافحة كافة أشكال الميز والعنف التي لا ‏تزال ‏المرأة ضحية لها، فضلا عن مناقشة كافة القضايا التي لا تزال تلقي بظلالها ‏على المدونة مثل زواج ‏القاصرات الخاضع للسلطة التقديرية للقضاة وطول إجراءات الطلاق التي تتجاوز ستة أشهر مما يجعل ‏التعايش الأسري مستحيلا بل يزيد من حالات العنف داخل العائلة.‏
وكشفت عاطفة تمجردين نائبة رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب في حديثها لوكالة الأنباء الألمانية عن معطى هام يتعلق بكون مدينة الدار البيضاء تتصدر قائمة المدن التي تسجل فيها أعلى نسبة من طلبات ‏تزويج القاصرات. ‏
وتضيف تمجردين موضّحة هذه النقطة “تزويج الطفلات يشكل ‏لنا مصدر قلق كبير. فقد زادت طلبات ‏الإذن ‏بزواج القاصرات من 30 ألفا عام 2006 إلى ما يفوق 32 ألف عام 2018، ومثلت نسبة زواج القاصرات 10 في المئة ‏من عقود الزواج الصادرة عام 2015 كما تمت ‏الموافقة على ما يقرب من 85 في المئة من الطلبات المقدمة بين ‏عامي 2011 و2018 ‏علما بأن هذه الإحصائيات لا تشمل الزيجات غير الرسمية ‏‏(مثل الزواج بالفاتحة) أو ‏الزيجات التي عقدت بموجب مادة ‏ثبوت الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة والتي تمثل وحدها 15 في المئة من ‏حالات ‏زواج القاصرات المبرمة بين عامي 2015 و2019). هناك تواطؤ بين الأسرة ‏والقضاء ما يجعل البنت ‏ضحية؛ فهذا الزواج يجعل القاصر في حكم الراشدة وهذا الأمر له تبعات نفسية واجتماعية خطيرة”.‏
ومقابل زيادة طلبات تسجيل زواج القاصرات فإن الأرقام تكشف وضعا آخر يتعلق بارتفاع كبير في حالات الطلاق مما يطرح أسئلة جوهرية عن مستقبل مؤسسة الأسرة والأدوار الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تضطلع بها وقدرتها على توفير فضاء ملائم لتربية الأطفال وتنشئتهم في ظل الصعوبات الحقيقية ذات الطبيعة المركبة التي تواجهها.
ولعل هذه النقطة هي التي تفسر تحفظ بعض الأحزاب والجمعيات المحافظة على المدونة الحالية مثل حزب العدالة والتنمية الذي عارض مجموعة من التعديلات قبل عشرين عاما، كما ساهم في النقاش الحالي من خلال بيان طالب فيه بتفعيل دور المؤسسات الدستورية وتنفيذ السياسات العمومية الخاصة ‏بشؤون الأسرة بما يساهم في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتنموية الحقيقية التي تعاني منها.
‏وشدد الحزب على ضرورة المحافظة على الهوية المغربية التي يتبوأ فيها الدين الإسلامي الصدارة، محذّرا من ‏خطورة استيراد عدد من الإشكاليات والقضايا والنماذج التي لا تمت بصلة إلى المجتمع المغربي ومرجعيّته ‏الدينية، ولا تطرح باعتبارها قضايا ذات بال لديه، مع التحذير من آثارها السلبية وخطورتها الكبيرة على ‏استقرار الأسرة وقوة المجتمع وصموده في وجه التحديات والصدمات التي تواجه البلد. ‏
وإذا كانت الجمعيات تجمع على المطالبة بإلغاء زواج القاصرات، فإن بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية تطالب بمعالجة هذه النقطة بالتدرج من أجل إعداد المجتمع لتقبلها رغم أنه أصبح ناضجا لكي يناقش المسألة بهدوء ويقبل مراجعة مجموعة من فصول المدونة التي شهد تطبيقها مجموعة من الإكراهات، مطالبة في الوقت ذاته بضرورة تعديل المادة 49 من المدونة لمزيد من التدقيق لأن ‏الإشكال القضائي المطروح هو عدم التمييز بين الكد والسعاية ونظام الأموال ‏المكتسبة حسب رأيها بخصوص موضوع تقسيم الأموال المكتسبة بين ‏الزوجين خلال فترة قيام العلاقة الزوجية.
من جهتها أوضحت زينب الفرنيني الخبيرة في الوساطة الأسرية في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن أغلب القضايا التي يتم حلها ‏عبر آلية الوساطة التي يعتمدها عدد من مراكز الاستماع التابعة للجمعيات النسائية لها ‏علاقة بقضايا الخلافات حول النفقة وحضانة الأبناء أو تقسيم الممتلكات بما فيه ‏بيت الزوجية، مؤكدة أن هذه الآلية تنجح في ‏كثير من الأحيان في ما يفشل فيه القضاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بإثبات مدخول ‏الزوج من طرف الزوجة.
وأضافت الفرنيني بخصوص رؤيتها لمدونة الأسرة الحالية "جمعيتنا لا تطالب بإصلاح بعض المواد فقط، بل أكثر من ‏ذلك تتطلع إلى مراجعة شاملة لها في لغتها التي لم تعد تناسب ‏العصر وكذلك من حيث المقاربة الحقوقية، حيث لا يعقل أننا في المدونة نقول إنها ‏يجب أن تعكس المشروع المجتمعي الذي يضمن الأمن والعيش الكريم لكل أطراف ‏الأسرة في حين نجد فصولا تكرس المكانة الدنيا للنساء مثل النيابة ‏الشرعية التي تعطى فقط للرجل وزواج الأم الحاضنة وتزويج ‏الطفلات وأشكال وأنواع الطلاق، فضلا عن كون المدونة كلها كتبت على أساس ‏مبدأ القوامة والاتجاه الأبوي الذي يجعل الرجل رئيسا للأسرة".

1