أحدث الأخبار
الأربعاء 04 كانون أول/ديسمبر 2024
فلسطين : زواج الأطفال.. قصص حبيسة مع ضحاياها داخل جدران المنازل !!
بقلم : الديار ... 02.11.2019

حالات الطلاق بين الأطفال المتزوجين مرتفعة، ويعزى ارتفاع هذه النسبة إلى عدم إدراكهم وعدم تقبلهم للتغيرات المرافقة للزواج.
رام الله (فلسطين) - ترافق مشاعر الخوف والقلق جل الفتيات اللاتي يجبرن على الزواج في سن صغيرة، كما أنهن يعانين من الأزمات النفسية الحادة والضغوطات من قبل الأزواج وعائلاتهم، هذا بالإضافة إلى ثقل المسؤوليات التي يتكبدنها في حياتهن الزوجية المشحونة بالقسوة، والتي تتفاقم بإنجاب الأطفال وما لذلك من تأثير على صحتهن.
وفي هذا السياق قالت الفتاة الفلسطينية “س.غ” متحدثة عن تجربة زواجها المبكر القاسية على لسان منسقة البرامج في جمعية مدرسة الأمهات المعنية بالارتقاء بدور وموقع المرأة الفلسطينية مها أحمد، “لم أكن أعرف في ذلك الوقت ما معنى كلمة زواج، ما كنت أعرفه أن العروس ترتدي ثوبا أبيض ويحضر أقاربها ويحتفلون بالغناء ويفرح الجميع”.
وأضافت في تصريح لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”، “ما إن انتهت مظاهر الفرح، حتى بدأت أكتشف معالم مرحلة جديدة لم أكن أعي أيا من تفاصيلها أو كيفية التعاطي معها، فخبرة طفلة بعمر 13 عاما، لا تكفي لعيش تجربة الزواج”.
وزُوجَت “س.غ” وهو اسم مستعار، بعمر 13 ربيعا، لشاب يكبرها بـ11 عاما، بشهادة ميلاد مزورة، ولم يدرك والدها حينها أنه ارتكب جريمة بحق طفلته.
ويعيش أقرانها في هذه المرحلة العمرية تحت جناح أوليائهن ينعمن بحمايتهم ورعايتهم، فلا مسؤوليات ولا أعباء يتحملنها، فتركيزهن ينصب على اللعب والدراسة استعدادا لمستقبلهن، بينما حرمت من ذلك كله، بل وأصبحت مسؤولة عن منزل وزوج وأطفال يحتاجون إلى رعاية لم تحظ بها أصلا.
وأضافت الطفلة الفلسطينية، “منذ الليلة الأولى تعرضت للضرب والتوبيخ من زوجي، وما كان يؤلمني أكثر من هذا، أنني لم أكن أعرف لماذا ضربني، لم أفعل له شيئا. هذا الوضع لم يكن لليلة واحدة فقط، بل أصبح جزءا من حياتي اليومية، إضافة إلى تهديده لي بالزواج من فتاة قاصر أخرى”. وعلقت أحمد قائلة “يتساءل البعض لماذا لا تلجأ القاصرات إلى الجهات المختصة للشكوى من معاناتهن”، مضيفة “غالبية القاصرات لا يتمتعن بالوعي والإدراك الكافيين، للتوجه إلى جهات الاختصاص، كما أن بعضهن لا يملكن الجرأة أو القوة للخروج من منازلهن للقيام بذلك، لذا هناك عشـرات القصص لا زالت حبيسة مع ضحاياها داخل جدران المنازل”.
وكشف التقرير أن أولياء الأمور يلجأون عادة إلى تزوير شهادات بناتهم القاصرات للاحتيال على قانون المحاكم الشرعية، التي حددت سن الزواج بـ15 عاما هجريا، بمعنى 14 عاما ميلاديا و6 شهور و21 يوما.
وفي قصة مشابهة، حاولت “ب.ك” العودة من بيت زوجها ليلة عرسها إلى بيت أبيها، لقناعتها “أن حفل الزواج قد انتهى، وأنها يجب أن تعود للنوم في سريرها”. وزُوجت هي الأخرى في سن الـ15 عاما، من شاب يكبرها بسبع سنوات، وتركها والداها وسافرا إلى دولة خليجية، وتعرضت بدورها للضرب والإهانة في بيت زوجها، وعندما لجأت إلى عمها الذي كان من المفترض أن يكون في مقام والدها ويدافع عنها، كانت الصدمة، حيث كان يعيدها إلى بيت زوجها، ويتجاهل شكواها، ما شجع زوجها وأهله على الاستمرار في ضربها”، وفق “وفا”.
وقالت “ب.ك” على لسان أحمد “في الليلة الأولى، تصرفت كأي طفلة لا تعي ما معنى الزواج، حاولت العودة مع والدي إلى منزلنا ببراءة. شقيقة زوجي منعتني وأدخلتني إلى غرفة النوم مع زوجي وأغلقت الباب علينا من الخارج، حتى دون أن تحاول أن تحتويني أو أن تشرح لي ما يجري”.
وتابعت متحدثة عن تجربتها “أنجبت سبعة أبناء من زوجي، وما زلت أعيش معه تحت سقف واحد، ولكن لرعاية أبنائي فقط”.
وأفاد تقرير الوكالة الفلسطينية أن الإحصائيات كشفت عن تسجيل 10256 عقد زواج في 2016 لإناث دون سن الـ18 في فلسطين، و9453 عقدا في 2017، و8559 عقدا العام 2018، بينما بلغت عقود الزواج المسجلة للذكور من الفئة العمرية ذاتها، 507 عقود سنة 2016، و429 عقدا عام 2017، و365 عقدا عام 2018، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وأشار إلى أن هذه الأرقام دفعت مجلس الوزراء لاتخاذ قرار في جلسته بتاريخ 21 أكتوبر الجاري نسب إلى الرئيس محمود عباس، لتعديل المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية لعام 76 القاضي بتحديد سن الزواج ليصبح 18 عاما لكلا الجنسين، مع استثناءات يقررها قاضي القضاة.
الإحصائيات كشفت عن تسجيل 10256 عقد زواج في 2016 لإناث دون سن الـ18 في فلسطين و9453 عقدا في 2017 و8559 عقدا العام 2018
وفي هذا السياق قالت مها عواد، القائمة بأعمال مدير عام صحة وتنمية المرأة في وزارة الصحة، إن الزواج المبكر يؤثر على الفتيات من الناحيتين النفسية والجسدية، موضحة أن الطفلة عندما تتزوج مبكرا لا يكون جسدها مكتمل النمو من ناحية، ولا تكون مستعدة نفسيا وفكريا لتحمل الزواج ومسؤولياته، فعندما تحمل الطفلة في سن الخامسة عشرة تعرض نفسها للخطر خلال مرحلة الحمل لضعف بنيتها في تلك المرحلة العمرية، إضافة إلى أنها ستعرض حياة جنينها للخطر لا لشيء سوى لأنها قليلة الخبرة ولا تستطيع رعايته، كما أنها في بعض الحالات تكون هي من يحتاج إلى الرعاية. وأضافت “في مرحلة الحمل تحدث تغيرات على الأنثى بسبب تقلب الهرمونات، الأمر الذي يمكن أن يحلق بها أضرارا من الناحية النفسية، فكيف لطفلة بعمر 14 عاما أن تتعامل مع كل هذه التغيّرات، وفي الوقت ذاته عليها مسؤوليات تجاه زوجها وعائلته”.
وبينت عواد أن حالات الطلاق بين الأطفال المتزوجين مرتفعة، ويعزى ارتفاع هذه النسبة إلى عدم إدراكهم وعدم تقبلهم للتغيرات المرافقة للزواج، خاصة بعد الإنجاب.
كما أشارت إلى أن “حالات الطلاق تزيد من تعقيد الأمور وتفاقم المشكلات الاجتماعية، فعندما تعود الطفلة إلى عائلتها ومعها طفل أو اثنين، تبدأ فصول مرحلة جديدة من المعاناة لها ولأطفالها، لعدم تقبل المحيطين بها والمجتمع لفكرة الطلاق، لهذا فالزواج المبكر يساهم في تدمير الأسرة”.
وتشهد نسب الطلاق بين القاصرات ارتفاعا ملحوظا وفق الإحصائيات التي كشفت عن وقوع 806 حالات طلاق للإناث دون 18 سنة في العام 2016، و807 حالات عام 2017، و769 حالة عام 2018، أما بالنسبة للذكور، سجلت 47 حالة طلاق عام 2016، و39 للعام 2017، و35 حالة عام 2018.
ومن جانبها اعتبرت وزيرة شؤون المرأة آمال حمد، قرار الحكومة المنسوب إلى الرئيس، انتصارا للمرأة الفلسطينية، وجاء نتاج عمل طويل بين الحكومة والمؤسسات النسوية، وينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها فلسطين والقانون الفلسطيني، الذي يحدد سن الطفولة بـ18 عاما.
وقالت حمد إن زواج القاصرات مشكلة اجتماعية كبيرة، وغالبية من يتزوجن دون 18 عاما، تنتهي تجربتهم القاسية بالطلاق، لأنهن غير ناضجات للزواج أًصلا في هذا العمر، خاصة أن الزواج قبل ذلك مخالف للمعايير الصحية ويمكن أن يهدد صحة الأم والجنين.وأوضحت قائلة “القانون على أهميته في الحد من هذه الإشكالية، إلا أنه يتوجب توعية المجتمع بشكل عام وأولياء الأمور بشكل خاص، بخطورة وتداعيات الزواج المبكر صحيا واجتماعيا واقتصاديا”.
وأشارت إلى أهمية هذا القرار في رفع مستوى التعليم لدى الفتيات القاصرات، باعتبار أن زواجهن تحت سن 18 عاما يشكل عائقا أمام إكمال دراستهن الثانوية والجامعية، ما يساعد في رفع نسبة التعليم بين الإناث بشكل عام، وهو ما ينعكس على وعيهن وأسرهن بشكل إيجابي.
ورأت حمد أن القرار إنجاز كبير في اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية، الذي أقرته الحكومة في 26 أكتوبر من كل عام.
هذا وأوضحت منسقة لجنة المرأة في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية سناء شبيطة، أن تزويج القاصرات ممن هن دون سن الـ18 يتعارض مع اتفاقية الطفل التي وقعت عليها فلسطين، وأن القانون الفلسطيني يعتبر من هن دون الـ18 عاما طفلات، وبذلك لا تتحقق لهن حرية الاختيار والأهلية القانونية لتزويج أنفسهن.
كما أشارت إلى أن تزويج القاصرات يتعارض مع اتفاقية “سيداو” وتحديدا المادة (16)، التي تنص على “عدم وجود أي أثر قانوني وتثبيت للعقد أو الحق في إجراء العقود للأطفال”، والمادة (2) التي تتحدث عن المساواة الكاملة التي تنعدم في تزويج القاصرات لأن لا حق لهن في اختيار شريك الحياة أو تزويج أنفسهن.
واعتبرت أن قرار الحكومة برفع سن الزواج إلى 18 عاما، إنجاز للمرأة وهو جزء من مطالب الحركة النسوية وأنه ما زال بحاجة إلى المزيد من العمل لتحقيق هدفه بإنهاء الزواج المبكر.

1