الأمهات العزباوات هو مصطلح ظهر خلال الفترة الأخيرة في بعض البلدان العربية، وارتبط هذا المصطلح بالنساء ممن أنجبن أطفالا خارج علاقة الزواج الشرعية، لكن في مصر فإن هذا المصطلح لا يشير في مدلوله الاجتماعي إلى النساء اللائي أنجبن أطفالا خارج علاقة الزواج، ولكن يستخدم للإشارة إلى الأمهات المطلقات والأرامل اللاتي يناضلن من أجل البقاء على قيد الحياة، وذلك بعد أن تخلى الزوج عن مسؤوليته القانونية والدينية في الإنفاق على أطفاله، أو بعد وفاة الزوج وعدم وجود مصدر رزق للزوجة الأرملة وأطفالها.
القاهرة - رصد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة ما يمكن اعتباره ارتفاعا مخيفا في عدد الأمهات العزباوات، خاصة نتيجة الطلاق الذي يفرق شمل الأسرة، أو حتى بسبب وفاة الزوج وترمل الزوجة وعدم وجود معاش تقاعدي للزوج يمكن أن يصبح مصدر دخل للإنفاق على الزوجة والأطفال بعد وفاة أبيهم، وقد أشارت نتائج المركز القومي للبحوث إلى أن نسبة النساء ممن يجدن أنفسهن مسؤولات عن إعالة أسرة بكاملها في مثل هذه الظروف بعد غياب دور الأب وصلت إلى 34 بالمئة، وهي النسبة التي ترتفع في دراسات أخرى إلى نحو 38 بالمئة، وفقا لما أعلنته مراكز دراسات مستقلة أخرى، وهذه الأرقام المخيفة تفزع المهتمين بالشأن الاجتماعي وخاصة المدافعين عن حقوق النساء.
إلا أن المفارقة أنه على الرغم من أن هذه الدراسات رصدت ارتفاع نسبة الأمهات العزباوات في القاهرة والمناطق العشوائية المتاخمة لها بشكل أساسي، في ظل ارتفاع نسبة الطلاق في هذه الأماكن، إلا أن بعض هذه الدراسات كشفت في نفس الوقت عن أن بعض محافظات صعيد مصر، والتي كانت تشتهر في الماضي بترابطها الاجتماعي والأسري طوال الوقت، قد شهدت هي الأخرى خلال الفترة الأخيرة زيادة غير متوقعة لظاهرة الأمهات العزباوات، حيث بلغت هذه النسبة في محافظة سوهاج بصعيد مصر 3.22 بالمئة من إجمالي عدد السكان في المحافظة.
أما الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو الجهة الرسمية المخولة بالتعداد في مصر، فقد كشف وفقا لإحصائيات أخرى حول هذه القضية أن 18.4 بالمئة من العائلات المصرية تقوم النساء فيها بإعالة أفرادها، وأن هناك نحو 3 ملايين مطلقة يقمن عمليا بإعالة أطفالهن من الزيجات الفاشلة التي تتحطم على صخرة الطلاق، أما بالنسبة إلى النساء الأرامل في مصر، فقد أشار الجهاز المركزي للمحاسبات أيضا إلى أن 30 بالمئة منهن يعشن في القاهرة، بينما تتوزع 70 بالمئة من الأرامل المصريات على باقي المحافظات.
أسماء إسماعيل واحدة من الأمهات العزباوات، وهي مطلقة وتنشر من وقت إلى آخر في صفحات التواصل الاجتماعي التي تعالج قضايا الأمهات العزباوات، ولا تخجل من كونها مطلقة في مجتمع شرقي مثل المجتمع المصري، وهو المجتمع الذي يتشابه أفراده في قيمه وظروفه الاجتماعية مع مجتمعات عربية أخرى.
وتؤكد أسماء على أنه من الأفضل للزوجة التي تجد أن حياتها مع زوجها لا يمكن أن تستقيم، أن تسعى للطلاق طالما تستطيع أن تنفق على أطفالها بعد طلاقها من زوجها، لكنها في نفس الوقت تنصح النساء اللاتي ليس لديهن دخل مستقل أن يحاولن التكيف مع أوضاعهن، لأنهن لن يستطعن الحصول على أي مستحقات مالية لهن من أزواجهن بعد الطلاق، مشيرة إلى أن الرجال بارعون في ما تصفه بتزوير المستندات التي تثبت عسرهم المالي وعدم استطاعتهم دفع نفقة للمطلقه ولأولادها.
أما ريهام الجندي ، فهي أم عزباء، بعد أن اضطرت إلى التنازل عن حقوقها المالية في النفقة من أجل الحصول على الطلاق، تقول إن طليقها كان يرسل لها بالطرق القانونية 100 جنيه مصري فقط، (الدولار الأميركي يساوي 18 جنيها مصريا تقريبا) وذلك من أجل أن يثبت أمام المحكمة أنه ينفق على أولاده ولا تستطيع القيام بدعاوى نفقة ضده، مؤكدة أن أكبر مشكلة واجهتها هي التعامل مع أم طليقها، جدة أبنائها، والتي تساومها دائما لتأخذ أطفالها وتحرمها من حضانتهم.
وتتفق نرمين أبوسالم، الناشطة في مجال الدفاع عن النساء العزباوات، مع ما سبق حول المشاكل التي تواجهها الأمهات العزباوات، وخاصة المطلقات بعد طلاقهن، في ما يتعلق بالحصول على النفقة، وتؤكد أن معظم الأزواج بعد الطلاق يرفضون دفع النفقة، سواء النفقة المقررة لهن بحكم المحكمة، أو حتى أي مبالغ يمكن أن تسد الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وتحذر نرمين من أن هذا الوضع تنتج عنه زيادة عدد الأمهات المديونات اللاتي يجدن أنفسهن في نهاية المطاف في السجون بسبب اضطرارهن إلى المديونية.
من ناحيتها حذرت الدكتورة سعاد عبدالله، أستاذ علم الاجتماع، من تردي أوضاع الأمهات العزباوات، مع الأخذ في الاعتبار أن أوضاع النساء العزباوات تزداد سوءا مع تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث تسلط الضوء على طبقة من الأمهات العزباوات اللائي يعانين من انفصال الزوج عنهن بطريقة غير رسمية، حيث يغادر الزوج المنزل من دون أن يقوم بإجراءات الطلاق الرسمية، ويكتفي الزوج في هذه الحالة بأن يترك الأسرة دون أن تعرف مكان سكنه أو حتى مقر عمله ويمتنع عن الإنفاق على الأبناء، وهو ما يجعل الأم العزباء في هذه الحالة عاجزة عن اللجوء إلى مؤسسات الدعم الاجتماعي التي توفر دعما ماليا للأمهات العزباوات، مثل بنك ناصر الاجتماعي وهو بنك يتبع وزارة التضامن المصرية، للحصول على دعم مالي، نظرا إلى أن هذه المؤسسات تعتبر أن الأم العزباء في مثل هذه الحالات هي أم متزوجة وليست معيلة لأبنائها.!!
الأمهات العزباوات.. نساء يحاربن لأجل تربية أطفالهن!!
بقلم : الديار ... 09.01.2018
المصدر : العرب