في كمبيوتري القديم ملفات تحوي مواد أدبية كانت تصلني شعراً أو نثراً من هواة كتبوا وأرسلوا لأنشر لهم يوم كنت أعمل محرراً أدبياً لإحدى الصحف المحلية.
بعض هؤلاء الهواة اختفى تماماً لأنه لم يملك موهبة أصلاً، ومنهم من واصل النشر لكنه ما زال يرش العطر نفسه ويلعب مع الغمامة والجديلة نفسها، ومنهم من أصدر ديواناً أو مجموعة قصصية جيدة. ولكن أكثر ما يوجع هو انطفاء مواهب حقيقية لبعض الفتيات، في بداياتهن يكن جريئات وطموحات يكتبن بانطلاق وفنية وحساسية عالية، يطرقن مواضيع اجتماعية وسياسية مهمة وحساسة، فجأة يصمتن، يختفين مثلما ظهرن فجأة، وأفهم أنهن قد خطبن أو تزوجن، وعلى الأرجح أُسْكِتن، غالباً من قبل الزوج الذي يدّعي غيرته الشديدة على حبيبته فيُترجم غيرته إلى حرمانها من الإبداع والنشر، في البداية ينتقد مواضيعها ثم يحددها ثم يرسم لها اللغة التي يسمح لها بتداولها ثم يطلب عدم نشر صورتها أو نشر صورة يختارها هو وقد تغضبه صورة نشرتها لدرجة الخصام والهجر في الفراش عقاباً، وقد يكون كريماً فيسمح لها بأن تكتب «في حدود اللياقة والذوق العام» كما يفهمه، ولكن قد يصل الأمر بأن يخيّرها بين حياتها الزوجية وبين الكتابة خصوصاً بعد إنجاب ابنهما الأول، فتنتحر المواهب ويذوي الحب وتتبخر الوعود من فترة الخطبة بحرية الإبداع والنشر.
أذكر إحداهن أرسلت لي قصصاً ذات مضامين جريئة وعلى أجنحة أحرف جميلة، ظننت في البداية أنها ليست من بنات أفكارها، فقد كان نضوجها مفاجئاً لي. في يوم ما أخبرتني أن زوجها طلب منها أن لا تكتب لكنها مصرة على الكتابة، قلت لها إذا اخترت الكتابة كهدف بعيد المدى في حياتك بكل ثمن فسوف تنجحين وتصبحين كاتبة معتبرة ولكن أحذرك بأنك ستواجهين مشاكل كبيرة، لأن كتابتك جريئة جداً وقد تفقدين زوجك، فأنا أعرف بيئته جيداً، ولديّ خبرة معقولة بتفكير الرجل الذي يوقّع على بياض قبيل الزواج ولكنه يُضمر ويخفي وينتظر اللحظة التي يُشهر فيها بوجه الزوجة شارة قفي مكانك.
أصرّت تلك السيدة على الكتابة معتبرة أن هذه حريتها الشخصية وظنّت أن بقدرة الحُبّ ترويض زوجها، ولكن كما توقعتُ طفت المشاكل، وتوترت علاقتهما وصار يشكوها لأسرتها بعد كل نص جديد، خصوصاً عندما تتطرق للعلاقة بين الرجل والمرأة، وكانت الذروة عندما كتبت نصاً سخرت فيه من عذرية الفتاة وفضها ليلة الدخلة وإمكانية خداع الزوج، وهي فكرة قديمة وليست جديدة، فقد عالجتها الدكتورة نوال السعداوي بتوسع. ورغم أن زوجها هو الذي فض خاتمها ليلة دخلتهما، فقدت طُلّقت على جناح السرعة.
بعدما تطلقت ظننت أن هذا سيمنحها انطلاقة جديدة وقوية فقد باتت متحررة من الرقابة، ولكن هل منحها الطلاق حريتها حقاً، وهل واصلت الإبداع كما بدأت! الغريب أنها انكتمت تماماً.
التقيتها صدفة في إحدى المناسبات فسألتها عن سبب صمتها ما دام أن ما حذرتها منه قد وقع، فقالت إنها لا تعرف كم سيمضي من الوقت حتى تعود إلى نفسها، فعملية الطلاق لم تمر بمعروف ولا بهدوء بل رافقها الكثير من المشاكل والتعقيدات، وعادت إلى أحضان أسرتها الأولى وصار إخوتها ينظرون إليها كقنبلة موقوتة تعيش بينهم فضاعفوا الرقابة عليها. صارت خطراً محيقاً منذراً بمن حولها وناراً يجب إخمادها، صحيح أنها كانت قوية وعنيدة وحتى شرسة في بداياتها وتتحدى الجميع بنظافتها واستقامتها، ولكن مشكلتها أنها كانت تكتب ما تفكر به بدون مراوغة ولا غموض، ويبدو أنها تعبت فتراخت ثم صمتت، حتى شكلها تغيّر وبدت مثل وردة ذاوية.
في الجهة الأخرى من عالمنا الصغير هناك فتاة ولدت في سلوفينيا لعائلة متوسطة الحال عملت كعارضة أزياء،
كان أول ظهور لها على مسار العرض وهي في السادسة عشرة من عمرها، حياة عارضة الأزياء الشابة ليست سهلة في بدايتها، فهن يتعرضن للاستغلال من قبل رجال الأعمال الذين يتبنون المعارض ومن قبل المصورين والعاملين في هذا المجال. عروضها للأزياء شملت عروض مايوهات سباحة يرافقها أفضل المصورين لالتقاط أكثر الوضعيات كشفاً وإثارة، هذه الفتاة صارت سيدة العالم الأولى.
بدت ميلينيا ترامب كأنها قادمة من أفلام الفضاء العلمي بحزامها الذهبي وهي تمشي بحذاء زوجها في قاعة مطار الرياض، كان في وقوفها إلى جانب أقوى رجل في العالم ومرورها أمام الملك سلمان وحاشيته وفخامة قاعات القصر كأنها بطلة من قصص ألف ليلة وليلة، تلك الفقيرة التي وصلت المجد وتزوجت الملك، كان في هذا المشهد رمزية كبيرة لمجتمعين وحضارتين مختلفتي المضامين والمعايير، تعيشان على هذا الكوكب نفسه ترنوان إلى القمر نفسه وتستمدان الدفء والفيتامين من شعاع الشمس نفسه.
سابقتها ميشيل أوباما كانت المدفع الذي دفع باراك حسين للوصول إلى قمة هرم المجد وتحقيق حلم الملايين الكبير بتتويج أول رئيس ملوّن للولايات المتحدة.
هذا يحيلنا إلى سيدة فرنسا الأولى الحالية المُعلّمة بريجيت التي دفعت عشيقها ماكرون الذي يصغرها بربع قرن ليصبح رئيساً لفرنسا، ولا ننسى زعيمتي ألمانيا وبريطانيا إنجيلا ميركل وتيريزا ماي القائدتين لدولتين عظميين.
دور المرأة الغربية من عارضة الأزياء إلى عالمة الفضاء يزداد قوة وتأثيراً في رسم خريطة السياسة العالمية وليس المحلية فقط. في المقابل فمعظم زوجات قادة العرب والمسلمين مجهولات الهوية ولا يظهرن إلا نادراً.
هذا لا يعني عدم تدخلهن بالسياسة، فهن يتدخلن منذ قرون ولكن من وراء الكواليس، فقد تدفع إحداهن زوجها لإعداد ابنه وريثاً إذا كان له منافس من أم ثانية كما في قصة دفع زبيدة هارون الرشيد لتفضيل الأمين على المأمون. وقد تتدخل في عزل مسؤول من منصبه أو تعيين أحد ما، ولكن بنعومة لا يشعر بها إلا المقرّبون جداً، أما إذا ظهرت على الملأ فتظهر في زيارة إلى جمعية خيرية وخصوصاً إلى دور الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة لإظهار حنانها وعطفها وقربها من نبض وآلام الشعب، وعادة ما يكون ظهورها بدون صوت وعلى خلفية موسيقى كلاسيكية يختارها مخرج نشرة الأخبار وهو يرتجف خشية أن لا يعجبها اختياره فيصبح نادماً مرذولاً ومن عمله مفصولاً.
نِساء ونُسوان…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 25.05.2017