أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مأساه : "زوجات" بوكوحرام.. بكى العالم عليهن كثيرا واليوم ينبذهن أكثر!!
بقلم : الديار ... 26.11.2016

أقامت مأساة مدرسة شيبوك النيجيرية عندما غزتها جماعة بوكو حرام سنة 2014 وخطفت أكثر من مئتين من تلميذاتها، الدنيا واستقطبت اهتماما دوليا كبيرا، حيث أشعلت الشموع في مختلف أنحاء العالم وخرجت المظاهرات ورفعت اللافتات المطالبة بتحرير البنات، من نيجيريا إلى أقصى بقاع العالم؛ لكن لم يتجاوز التعاطف مع هذه المشاهد فيما كشف صمت المجتمعات المحلية والدولية حجم النفاق الذي يختفي خلف تلك الشعارات والدموع التي انسكبت على تلميذات مدرسة شيبوك، اللاتي لم تجد من تحررن منهن من قبضة بوكوحرام من يدعمهن، بل بالعكس كان الرفض مصيرهن.
مايدوجوري (نيجيريا) – كانت حليمة عبدالله في الرابعة عشرة من عمرها عندما اختطفتها جماعة بوكو حرام، في شمال شرقي نيجيريا. ظلت حليمة في قبضة المتشددين لمدة ثمانية عشر شهرا، تعرضت خلالها للجوع والضرب والاغتصاب الجماعي، وكانت مهددة بأن ترتدي حزاما ناسفا يقضي عليها وعلى مجموعة من الأبرياء.
استقطبت حادثة خطف حليمة، وأكثر من 200 تلميذة من مدرسة ثانوية حكومية في بلدة تشيبوك بشمال شرق نيجيريا في أبريل 2014، اهتماما دوليا كبيرا. وتعالت الأصوات ورفعت اللافتات في نيجريا ومختلف أنحاء العالم منددة بهذه العملية الإرهابية.
وذهبت بعض الدول إلى عرض المساعدة على الحكومة النيجرية في البحث عن المختطفات، وبالفعل شاركت وحدات أميركية في البحث؛ كما انطلقت حملة على شبكات التواصل الاجتماعي تطالب بتحرير المخطوفات.
لشهور ملأت هذه الحادثة وسائل الإعلام وشغلت الناس من كل الأجناس والفئات، لكن شيئا فشيئا تقلص هذا الاهتمام إلى أن ضاع وسط أزمات ومشاكل أخرى، أنست العالم معاناة ضحايا بوكو حرام، وكشفت عن مدى الانتهازية والنفاق الإنساني، فالعالم، بشقيه المحلي والدولي، الذي بكى كثيرا على “سبايا” بوكو حرام، ينبذهم اليوم بعد أن تحررن من الأسر، لكن حملن معهن جروحا نفسية وندبات جسدية وأطفالا لم يخترن إنجابهم.
حالف الحظ حليمة، التي نجحت في الهرب من جحيم المتشددين المغتصبين. لم تفكر حليمة في تلك اللحظة التي استجمعت فيها شجاعتها وقررت الهرب، في مصيرها ومصير الطفل الذي تحمله في بطنها؛ كل ما سيطر على تفكيرها هو النجاة من الخاطفين.
من جحيم إلى جحيم آخر
وجدت المراهقة الحامل مأوى في مخيم باكاسي للنازحين في مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو، قلب تمرد بوكو حرام الذي أسفر عن مقتل 14 ألف شخص على الأقل منذ عام 2009. لا شك في أن المكان كان أكثر أمنا، لكن حليمة لم تكن سعيدة، فأينما ولت وجهها تقابلها الريبة والرفض.
السكان يرفضونها، لأن الفتيات اللائي احتجزن أسرى في أيدي بوكو حرام وأنصارها، الذين يريدون فرض تفسير متشدد للشريعة الإسلامية، ينظر إليهن على أنهن تم غسل أدمغتهن وتلقينهن عقيدة المتشددين وتحويلهن إلى متطرفات.
والريبة راسخة في النفوس، فقد تم استخدام النساء والفتيات على نحو متزايد كانتحاريات في شمال شرقي نيجيريا، وكذلك في الكاميرون وتشاد والنيجر المجاورة، لمظهرهن البريء وإمكانية إخفاء المتفجرات تحت حجابهن وفساتينهن الفضفاضة.
تتعرض حليمة، ومثيلاتها، بالإضافة إلى رفض المجتمع والسكان المحيطين بهن، إلى رفض أقسى وهو رفض العائلة والأهل؛ فهذه الفتاة الصغيرة، التي كانت ترتدي ثياب المدرسة وتحمل في أعماقها أحلاما بغدها الذي ستصبح فيه صبية جميلة ومتعلمة، لم تكن تعلم أن هذا الغد سيكون كابوسا.
حليمة اليوم حامل في شهرها الرابع بطفل والده إرهابي، ويكاد يكون مستحيلا أن تراه في يوم ما، لكن هذا الحمل لم يشفع للمراهقة المجروحة التي حكمت عليها الأعراف الثقافية والاجتماعية المتعلقة بالعنف الجنسي، ونفاق العالم الذي غاب صوت دفاعه عنها، بأن تكون منبوذة.لن تعيش حليمة وحدها في هذا الكابوس، فابنها أيضا رسم له هذا الواقع مستقبلا سوداويا، يعيش على وقع ظلمه عدد كبير من الأطفال الذين ولدوا من الاغتصاب من قبل المتمردين، والذين يوصفون بـ”نسل بوكو حرام” أو أو “أنوبا” التي تعني “وباء” في لغة الهوسا المحلية.
تخفض حليمة بصرها إلى بطنها الذي ينمو، في اشمئزاز، وتقول “لا أحب هذا الطفل الذي لم يولد بعد. إذا أمكنني إجهاض الحمل، سأفعل ذلك”. لكن حليمة لا تملك هذا الخيار، فالإجهاض غير قانوني في نيجيريا إلا لو كانت حياة الأم في خطر، حتى إذا كانت ضحية للعنف الجنسي.
وتتحدث عن تجربتها قائلة بمرارة “الناس يتحاشونني دوما. ويسمونني بزوجة بوكو حرام. عائلتي تبرأت مني. ولأني زوّجت غصبا لأحد مقاتلي الجماعة، لا تريد أن تكون لها علاقة بي”؛ نفس المرارة كانت تنضح من صوت أمينة محمود، التي نجحت أيضا في الهرب من بوكو حرام.
بدورها، تعيش أمينة داخل مخيم باكاسي منذ هربت من مختطفيها، وتقول هي الأخرى إن المجتمع معاد بشكل علني لها ولضحايا بوكو حرام من الفتيات والنساء المختطفات، اللاتي تمكّن من الهرب أو تم تحريرهن.
عدد كبير من الأطفال ولدوا من الاغتصاب
وتضيف الفتاة المنطوية ذات الأربعة عشر ربيعا “عندما نذهب لجلب المياه من الصنبور العمومي، يهينوننا. وفي بعض الأحيان يمنعوننا حتى من جلب الماء”.
وفي شهادة أخرى، تتحدث لوسي، التي لم تكن من ضمن مجموعة التلميذات المختطفات، بل تعرضت للخطف من عقر دراها، سنة 2012، وكغيرها من المختطفات تعرضت لوسي، التي كانت متزوجة، للعنف الجنسي والاغتصاب قبل أن تتمكن من الهرب.
لكن، عندما عادت إلى دارها، كان زوجها أول الرافضين لها، لأنها كانت حاملا. اضطرت لوسي إلى إجهاض الجنين عبر صبّ المواد الكيميائية في رحمها. نجح الإجهاض لكن ذلك لم يمنع زوجها من طلاقها.
وتبدو حالة عائشة أكثر قسوة، حيث لم يبحث عنها أحد منذ هربت من بوكو حرام، مازالت تنظر مع شروق كل شمس إلى خارج مخيم ميناوا للاجئين بدولة الكاميرون المجاورة، عسى أن تأتي عائلتها لتأخذها. تتذكر عائشة، ذات الخمسة عشر ربيعا، زواجها القسري من مقاتل بوكو حرام.
وتفضح عيناها ذلك الرعب الذي مازال داخلها وهي تتحدث عن تجربتها قائلة “إن الرجل الذي أجبرني على الزواج منه كان ضخم الجثة”.
وتضيف “عندما حاولت مقاومة أول محاولة من جانبه لاغتصابي، سحب سكينا وهدد بطعني بها، وحينما واصلت الرفض صوب نحوي مسدسا، حينئذ شعرت بالخوف واستسلمت في النهاية، وظل يغتصبني كل ليلة، وكان الأمر يسبب لي ألما شديدا وكنت أبكي في كل مرة”.
وتصف عائشة المعاناة التي تعيشها بالمخيم قائلة “إذا ذهبت للحصول على الماء أو جمع الحطب، يعبس الناس في وجهي ويتحاشونني مبتعدين كما لو كنت أحمل نوعا من الأمراض المعدية“؛ وبدلا من معاملتها كضحية، تم وصفها بأنها “زوجة لبوكو حرام” و”امرأة من غابة سامبيسا النيجيرية“.
قوات الأمن لا تحمي
حتى قوات الأمن المحلية تتشكك في الفتيات من أمثال حليمة ولوسي وأمنية وعائشة؛ حيث يقول أحد الضباط، معربا عن تشككه في احتمال تعرض الفتيات لغسيل مخ وقيامهن بنشر الدعاية الإسلامية، “إنك لا تستطيع أن تثق فيهن تماما”.
ولم يخف دانلادي يحيى، أحد ضباط الأمن في مخيم “مونا” في مايدوجوري بشمال شرق نيجيريا، اعتقاده بأن اللاتي تم إنقاذهن من بوكو حرام يشكلن “تهديدا أمنيا”. ويقول ضابط الأمن، ذو العشرين عاما، “إن الأطفال يعملون كجواسيس لبوكو حرام، يبحثون عن الأهداف المحتملة للهجوم ويعطونها المعلومات الحيوية كطرق للهروب”.
عائلات تبرأت من بناتها لأنهن زوجن غصبا لمقاتلي الجماعة
وكشف تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش كيف أن مسؤولين حكوميين وقوات الأمن ومسؤولين آخرين اغتصبوا واستغلوا جنسيا نساء وفتيات في مخيمات في مايدوجوري. كما نقلت منظمتا مجتمع مدني محليتان تقارير عن الاعتداءات الجنسية.
وتؤكد معظم الفتيات أن الحكومة النيجيرية لم توفّر لهن الحماية الكافية، ولم تقدم لهنّ دعما فعّالا، ولا رعاية ذهنية وصحية ونفسية، ولم تضمن لهنّ عودة آمنة إلى المدارس، ولم تساعدهن على الانخراط في المجتمع مجددا، ولم تفتح تحقيقا لتحاسب المسؤولين عن الانتهاكات التي تعرضن لها.
وتعمل مجموعة من منظمات الإغاثة حاليا مع المجتمعات المحلية والزعماء الدينيين لتبديد الخرافات حول ضحايا بوكو حرام. وتدير الحكومة “عملية اجتثاث التطرف”، وتقديم المشورة ورعاية ما بعد الصدمة.
لكن الأمر سيستدعي أكثر من ذلك بكثير لتمكين المختطفات من قبل الإرهابيين من العودة إلى ديارهن وإعادة اندماجهن في مجتمعاتهن. والأمر يتطلب وقتا للتعافي، وفق منسق الطوارئ في يونيسف عبدالقادر موسى.
ويشدد موسى على ضرورة اتخاذ تدابير تتعامل مع قضايا عميقة الجذور، خاصة وأن الظاهرة لا تقتصر على المجتمع النيجري فقط، فهؤلاء الفتيات وإن تم اختطافهن وحملن قسرا، فهناك حالات أخرى في دول أخرى، بعضها عربية، تم الحمل فيها في إطار ما بات يطلق عليه بجهاد النكاح.
وعلى غرار “زوجات بوكو حرام” تلاقي فتيات ‘جهاد النكاح’ رفضا من المجتمع، يرجعه عالم الاجتماع التونسي، سامي نصر، إلى نظرة الشك والارتياب، فبمجرد أن يتحررن ويعدن من بؤر الإرهاب، ينسى الناس أنهن ضحايا ويصبحن في نظرهم “قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة وسط مخاوف من أن يتحولن إلى صندوق أسود ينفذ أجندات إرهابية”.
ويحذر الخبير الاجتماعي، في تصريح لـ”العرب”، من أن غياب التأهيل بعد عودتهن والرفض الذي تلاقيه حليمة ومثيلاتها، يفسر في علم الاجتماع بنظرية الوصم وهو من أخطر الظواهر التي تولد النقمة والانفجار والسلوك المعادي.
ويزيد هذا من فرص تمدد الفكر المتطرف بالمجتمعات عوض الحد منه، خاصة عندما يترافق رفض الأم مع رفض الابن، وهو ما يجب أن تنتبه له المنظمات الحقوقية والأصوات التي لا يتجاوز تدخلها رفع الشعارات المنددة.

المصدر : العرب
1