العنوسة ليست قضية جديدة، إلا أن ارتفاع معدلاتها السنوية يدق ناقوس الخطر في الدول العربية، لأن الشباب يحاول الخروج من هذه الأزمة بطرق تخالف الشرع والقانون.
"باش نطلّق قبل ما نعرس".. ترامت إلى مسامعي هذه العبارات حين كنت مارة من أمام معهد ثانوي في طريقي إلى العمل، نظرت إلى الفتاة وصديقاتها فلم أجد سوى قاصرات لا تتجاوز أعمارهن الـ12 عاما.
أكملت طريقي وتفكيري منحصر في هذه العبارات التي أرجعتني إلى حادثة جدت منذ أيام قلائل بإحدى الدول العربية، حيث أفادت تقارير إخبارية بأن سيدة عربية تقدمت إلى المحكمة بطلب للطلاق من زوجها بعد أقل من أسبوع على عقد قرانها، بدعوى أنها تفضل لقب مطلقة على عانس.
وأفادت هذه السيدة في تصريحاتها أنها قررت الموافقة على زوج لا تريده لتحقق لقبا اجتماعيا أخف وطأة عليها من صفة العنوسة. الغريب في الأمر أن السيدة التي وافقت على الزواج من رجل لا تكن له أي مشاعر هربا من العنوسة لم تتجاوز الـ35 عاما بعد، والحال أن كثيرات تزوجن بعد هذه السن وأسسن عائلات.
“باش نطلّق قبل ما نعرس”.. لم تعد إلى ذهني هذه الحادثة فقط وإنما جعلتني أفكر مليا في هذه المسألة الشائكة؛ هل أن انتشار العنوسة في الدول العربية بنسب متفاوتة يجيز لفتيات لا يدركن بعد معاني الزواج ومسؤولياته أن يفكرن ويتحدثن ويدخلن في علاقات غرامية؟
حقيقة الفتاة التي نطقت هذه العبارات لا تبدو لي قادرة بعد على فهم ما تقوله ولا صديقاتها اللاتي يحطن بها، ولكنني قد أكون أخطأت التقدير فنحن نعيش في عصر قلبت فيه كل الموازين واختلت كل المفاهيم، عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والعلاقات الافتراضية التي ساهمت أغلبها في قتل الطفولة في مهدها وفتقت الأذهان على نواميس اجتماعية جديدة.
وعلى الرغم من أن العنوسة ليست قضية جديدة، إلا أن ارتفاع معدلاتها السنوية يدق ناقوس الخطر في الدول العربية، لأن الشباب يحاول الخروج من هذه الأزمة العائدة إلى أسباب اقتصادية واجتماعية، بطرق تخالف الشرع والقانون، إذ كثر الزواج العرفي أو المسيار في بعض الدول العربية أو زواج المتعة وظهر فصل آخر من الزواج في صفوف من نصبوا أنفسهم “مجاهدين” يسمى “جهاد النكاح”.
الإشكال الحقيقي أن الشباب بناتا وبنينا ينساقون بسهولة يوما بعد آخر وراء مروجي هذه الأنواع من الزواج الخارجة عن أعراف المجتمعات العربية المحافظة، والفضاءات الافتراضية ساهمت في استقطابهم كذلك.
ما معنى عانس؟ لا أطرح السؤال طلبا للإجابة لأنها حسب عرف المجتمعات العربية من جاوزت سن الزواج أو كما يقال فاتها القطار، ولكن أي سن هذه ومن حددها؟ أليست نواميس ذات المجتمعات، التي أراها تساهم في تعميق الأزمة إذا جازت لنا تسميتها كذلك بدل إيجاد حلول لها.
ولأن الضغط لا يولد غير الانفجار، فإن حصر الفتاة التي لم تحظ بزوج في لقب عانس حسب اعتقادي يجعلها تحاول الخروج من قيودها بكل الطرق التي قد تحيد عن المسار. تراجع الزواج التقليدي واندثرت ما تسمى في بعض المحافظات الخاطبة لتستبدل بالعلاقات المباشرة بين الشاب والشابة، لا أقول إن ذلك محبط للآمال فالكثيرات تزوجن بهذه الطرق، لكن فتح المجال أمام علاقات مباشرة تسبب في تراجع سن الزواج عن ذي قبل.
وفي سالف العصر حدثتنا الجدات أنهن تزوجن صغيرات غير بالغات ولا يفقهن من العالم حولهن غير مساعدة أمهاتهن في الأعمال المنزلية ولكنهن تأقلمن وأنجبن واحترمن أزواجهن.
اليوم شابات لكنهن لا يزلن يلعبن غير آبهات ولا عارفات بأصول المنزل ومسؤوليته، ويفتخرن بعلاقات عابرة دون أن يفهمن من الحياة غير فكرة الزواج الذي ترى فيه الكثيرات تحررا من قيود العائلة.
"ّباش نطلّق قبل ما نعرس"!!
بقلم : شيماء رحومة ... 11.10.2016
كاتبة من تونس..المصدر : العرب