أفادت منظمة العمل الدولية بأن العاملات في المنازل هن من بين القوى العاملة العالمية الأكثر عرضة للعنف وسوء المعاملة، وذلك جزئيا بسبب العزلة الجسدية، حيث أن الحقيقة كانت مخبأة وراء الأبواب المغلقة في المنازل الخاصة.
بيروت - رغم أن العديد من النساء اللواتي يهاجرن إلى لبنان للعمل كخادمات يجدن عائلات جيدة وآمنة، وعملا مستقرا،إلا أن البعض الآخر لا يحالفهن الحظ. وفي تقرير يتحدث عن الإساءات التي تواجهها الخادمات في منطقة الشرق الأوسط قالت إحدى الخادمات الفلبينيات المهاجرات “ضربني صاحب العمل على وجهي، ودفعني إلى أسفل الدرج”.
وتواجه جيما خوستو الأمينة العامة لأول اتحاد لعاملات المنازل في لبنان، مشكلة كبيرة: كيف يستطيع الاتحاد أن يبدأ تعبئة وتنظيم 250 ألفا من عاملات المنازل من المهاجرات في البلاد في حين أن أعدادا قليلة جدا منهن قادرات على مغادرة منازل أصحاب العمل من أجل الاجتماع؟
وأبدت خوستو حماسها قائلة إنها تعرف أن هذه المهمة سوف تكون شاقة. وبعد أن تعترف الحكومة بالاتحاد الوليد، سوف يتميز مناخ العمل ببيئته الصعبة والمعادية، ويعتبر لبنان مكانا خطيرا بالنسبة إلى العاملات المنزليات. وقد وثقت جماعات حقوق الإنسان انتهاكات واسعة بحق الخادمات. وهذا يجعلها عاقدة العزم على النجاح.
وأضافت خوستو، وهي التي اشتغلت كخادمة في بيروت لمدة 22 عاما، “كلما احتدمت المعركة، كانت الأضرار والكدمات أكثر، وكنت أكثر شجاعة، اليوم الذي سوف أقول فيه إنها حالة ميؤوس منها، سوف أحزم حقيبتي وأعود إلى الفلبين”.
وتعتبر النقابة العمالية الوليدة في لبنان هي الأولى من نوعها في العالم العربي. وتشكلت بدعم من منظمة العمل الدولية واتحاد النقابات الدولي، وهي تضم حوالي 400 عضو.
بدأ الاتحاد بتنظيم المظاهرات والضغط على وزارة العمل للمزيد من الحقوق لفائدة العاملات المنزليات، وتوفير الدعم المعنوي للمئات منهن، من طباخات وعاملات نظافة ومربيات، والكثير منهن بعيدات عن بيوتهن وعائلاتهن.
وكشفت دراسة أجرتها المنظمة النسوية اللبنانية “كفى” في عام 2014، حول طريقة معاملة الخادمات النيباليات في البلاد، أن 77 بالمئة من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع أجبرن على العمل أكثر من 14 ساعة في اليوم، ولم يسمح لهن بمغادرة المنزل، وقالت 8 بالمئة أخريات إنهن تعرضن لاعتداء جنسي من صاحب العمل.
وتترك طبيعة العمل النساء عرضة للاستغلال، حيث أن أجورهن متدنية، فالخادمة الإثيوبية تكلّف الأسر 150 دولارا (104 يوروهات) شهريا.
وتعمل الخادمات في لبنان تحت نظام الكفالة الذي يعتبر نظاما مكبلا، والذي يربط العاملات بصاحب عمل واحد، ولا يسمح لهن بمغادرة عملهن أو البلاد دون إذن منه، لذلك يزيد خطر الاستغلال.
وتقول خوستو إن الاتحاد يعمل مع المنظمات غير الحكومية ووزارة العمل لإيجاد بديل لنظام الكفالة، ولكن قدرتها على الضغط من أجل تغيير التشريع تمر بمرحلة حرجة بسبب رفض الحكومة الاعتراف بوجودها.
وقال وزير العمل، سجعان قزي، إنه يعتبر المنظمة غير مشروعة ومن المحتمل أن تكون خطرة بما أن القانون اللبناني يحظر على العمال الأجانب تكوين نقابات.
وأضاف “إذا سمحنا للعاملات المنزليات بأن يكوّن نقابة، بعد شهر واحد، سوف تصبح المرأة الفلبينية تريد نقابة فلبينية، والمرأة الإثيوبية تريد نقابة إثيوبية. وسوف تندلع بينهما حرب”.
وأوضح “قبل إلغاء نظام الكفالة نحن بحاجة إلى دولة قوية قادرة على مراقبة وتنفيذ القوانين، وهذا غير ممكن”.
وأفاد بأنه في غياب نظام الكفالة، سوف تغرق وكالات التوظيف السوق بالنساء الأجنبيات، “ونحن لا ندري أين سيتم تشغيلهن. وربما يتم إرسالهن إلى النوادي الليلية أوالدعارة أومنتجعات التدليك”.
عدم وجود تأييد حكومي يجعل من الصعب على الاتحاد الوصول إلى العاملات في المنازل واللاتي أكثر عرضة لخطر سوء المعاملة. ينشر أعضاء الاتحاد أخبار المنظمة في الكنائس وعبر تداولها بين الناس، ولكن يبقى تأثيرها محدودا. تتلقى العاملات اللاتي لم يتمكن الاتحاد من الوصول إليهن مساعدة قانونية ودعما ماليا، إلا أنهن بدأن في توثيق الوفيات وذكرن أن بعض عاملات المنازل انتحرن، وهو أمر كثيرا ما يحدث ولكن نادرا ما يتم التحقيق فيه.
وتتساءل خوسو “إذا كانت هناك حالة انتحار، ما هو السبب الذي دفع العاملة إلى الانتحار؟ سوف نعيد النظر في ذلك، وسوف نتابع مع وسائل الإعلام”.
ورغم أن الاتحاد يواجه تحديات هائلة، وهو جزء من حركة أوسع تهدف إلى تنظيم حوالي 53 مليونا من العاملات في المنازل في العالم، إلا أنه اتخذ بالفعل خطوات هامة نحو ضمان الحقوق وتوفير ظروف عمل أفضل. هناك الآن نقابات للعاملات في المنازل في المكسيك، وجنوب أفريقيا وهونغ كونغ وكمبوديا والهند وغيرها.
يذكر أنه في نيويورك، ضغط اتحاد عمال المنازل بنجاح من أجل مشروع قانون الحقوق. وكان لنقابات العاملات في المنازل دور فعال في توقيع اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بعاملات المنازل في عام 2011. وتختتم خوستو قائلة إنه من دون اتخاذ إجراءات جماعية، لن تحصل العاملات في المنازل في لبنان أبدا على الحماية التي يحتجنها للبقاء في مأمن، وتضيف “نحن نشهد الكثير من سوء المعاملة. هل هناك أي طريقة يمكنها أن توقف هذا؟ هذه هي معركتنا”.
جدير بالذكر أن الجهود المبذولة لتأسيس نقابة للعاملين والعاملات في المنازل في لبنان، أثمرت يوم 25 يناير 2015 ولادة أول نقابة لعمّال وعاملات المنازل الأجانب والأجنبيّات، في لبنان والدول العربية، وجوبهت هذه النقابة باعتراض من وزارة العمل اللبنانية التي اعتبرتها كيانا غير مرخص، مؤكدة أن قانون العمل يمنع إنشاء نقابة للعمّال الأجانب في لبنان.
خلف الأبواب الموصدة: وضعية الخادمات المهاجرات في لبنان !!
بقلم : الديار ... 05.03.2016
المصدر : العرب