أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الزواج المبكر يخرج القُصّر من سباق الترقي الاجتماعي!!
بقلم : الديار  ... 28.02.2016

تركز أغلب الأبحاث الاجتماعية على تأثيرات ونتائج الزواج المبكر على الفتيات صغيرات السن، بينما تهمل عواقبه بالنسبة إلى الفتيان القُصّر وتأثيره على مستقبلهم وحياتهم، إما من ناحية مواصلة التعليم وإما من نوعية العمل الذي يختارونه لتأمين حياتهم والاضطلاع بمسؤولياتهم الاجتماعية والأسرية.
يتمّ تزويج 39 ألف فتاة كل يوم تقريبا في مختلف أنحاء العالم بحسب ما كشفته إحصائيات منظمة الصحة العالمية في شهر يناير الماضي أي بما يعادل 14.2 مليون فتاة سنويا، حيث يحرمن من الاستمتاع بطفولتهن ومراهقتهن ليجدن أنفسهن في مواجهة الحياة الزوجية والمسؤوليات الأسرية والحمل والأمومة.
وغالبا ما يترتب عن الزواج المبكر ارتفاع معدلات وفيات الأمهات، ومعدلات الأمية في صفوفهن، وكذلك مواجهة مشاكل مثل الفقر والعنف بشكل يومي، هذا بجانب المعطيات العلمية والسوسيولوجية التي تفيد بأنه كلما كان سن الزواج أصغر كلما كانت احتمالات الفشل أكثر.
وعلى غرار الفتيات يتأثر الفتيان أيضا بالزواج في سن مبكرة، فغالبا ما يضطرون إلى ترك المدرسة والقبول بمهن وأعمال شاقة وزهيدة الأجر ليعولوا أسرهم الجديدة، في غياب اكتسابهم لمؤهلات علمية وخبرات تمكنهم من الحصول على وظائف أفضل وأكثر راحة. وهو ما يجعلهم يرزحون تحت وطأة وانعكاسات الفقر التي تلاحقهم باستمرار وتنغص حياتهم منذ أن كانوا أفرادا من أسر فقيرة زوّجتهم للتخلص من أعبائهم المادية.
في الواقع، هناك 156 مليون رجل اليوم من الذين تزوجوا في سن الطفولة، وفقا للبيانات الأخيرة لمنظمة اليونيسيف. وبالرغم من أن هذا الرقم يعتبر ضخما، إلا أن هناك بحوثا قليلة تعمل على معالجة مسألة زواج الذكور في سنّ مبكّرة، وهو ما يعني أن هناك عشرات الملايين من الفتيان والشبان لم تتطرق إليهم البحوث بالدراسة بعد، كي يتمّ العمل على التوقي من هذه الظاهرة بشكل فعّال.
وتقول جمعيات ومنظمات مدنية مهتمة بشأن الزواج المبكّر بالنسبة إلى الجنسين، إنّ هناك الكثير من الشبان الذين تزوّجوا في سنّ مبكّرة يشتكون من عدم حصولهم على وظائف جيدة بسبب زواجهم في سنّ الطفولة، وأنهم حرموا من تحصيل مستوى تعليمي مرموق أو حتى متوسط.
الزواج المبكّر في المجتمعات العربية وفي غيرها يكون في معظمه زواجا شكليا، ولكنّه يتسبب في مغادرة الفتيات لمقاعد الدراسة في سنّ مبكرة، إذ بعد سن البلوغ، أي في عمر الـ13 عاما، يتم تزويجهن وينتقلن إلى العيش في بيت أزواجهن وعادة ما يتوقفن عن مزاولة تعليمهن.
أعربت مجموعة من الخبراء في المنظمات الدولية العاملة في مجال مكافحة زواج الأطفال عن وجود فجوة معرفية حول قضية الزواج في سن مبكرة. وفي رسالة إلكترونية كتب جيفري إيدميدس، وهو خبير ديمغرافي واجتماعي في المركز الدولي للبحوث حول المرأة، "أعتقد أن هناك الكثير من الأسئلة المثيرة للاهتمام حول كيفية ترتيب الزواج، وخاصة زواج الأطفال وتأثيراته على العرسان. أنا لا أعرف أيا من البحوث التي ركزت بشكل خاص على هذا الموضوع".
وأوضح الخبراء أن الأولاد الذين يتزوّجون في سنّ مبكّرة لم يكتمل بناؤهم الجنسي بالقدر الكافي، وبالتالي لن يتمكنوا من جعل الفتيات حوامل، لكنّ الطلاق لا يضر الأزواج الذكور بقدر تهديده لمصير الفتيات وحياتهن الاجتماعية والشخصية.
وفي سياق مواز، فإن الزواج في سنّ مبكّرة له آثار مدمرة على الفتيات أكثر من الفتيان. وهناك تفاوت صارخ في القوانين، حيث يمكن تزويج الفتيات دون سن الـ15 عاما دون موافقتهن في 52 دولة، في حين أن نفس الأمر ينطبق على الفتيان في 23 بلدا فقط.
ويختلف السن القانوني للزواج من بلد إلى آخر، ودائما ما يكون سنّ الفتيات عند الزواج أقل من سنّ الفتيان. ففي جنوب آسيا، تزوجت 30 بالمئة من الفتيات في عمر ما بين 15 و19 عاما، في حين أن 5 بالمئة فقط من الأولاد تزوجوا في هذا العمر، فالفتيات غالبا ما يتم تزويجهن برجال كبار في السن.
ويرجّح علماء النفس أن الزواج المبكّر في البلدان النامية عموما يستند إلى أسباب لها علاقة بالطبيعة الثقافية والدينية وكذلك إلى ضرورات اقتصادية، ولكنها تخضع جميعها إلى فكرة أن الفتاة ليست إلا بضاعة يتم تبادلها.
أما بالنسبة إلى الأسر الفقيرة، فإن اللجوء إلى الزواج في سنّ مبكّرة لكلا الجنسين يعود إلى رغبة الأسر في التخلص من عبء تربية الطفل والإنفاق عليه في أقرب وقت ممكن.
وفي الحالات التي تشهد تزويج الأطفال في سنّ مبكّرة، غالبا ما يتوفر عامل مهم وهو غياب التعليم، إلى جانب الرغبة الملحة في إيجاد وسيلة للتخلص من الفقر.
وفي مسح أجراه المركز الدولي للبحوث حول المرأة في عام 2010، كشفت النتائج أن 71 بالمئة من الآباء زوجوا بناتهم وهنّ أميات، لم يتعلمن سوى أداء دورهن في المنزل.
وأكدت النتائج أيضا أن مسألة زواج الأطفال لا تحظى، رغم تجذّرها منذ عقود في ثقافة المجتمعات العربية، بالاهتمام بل ويتم تجاهل أسبابها والتعامل معها، وبالتالي يستمر تزويج الفتيات والفتيان في سنّ مبكّرة ليبلغ عددهم اليوم العديد من الملايين.
المجتمعات العربية بحاجة ماسة للنضال من أجل تكريس حقوق الطفل التي تحميه من التزويج قصرا وفي سنّ مبكّرة ومن أجل دعم هذه الحقوق بقوانين وتشريعات ردعية وعقابية تحض الآباء على تجنب تزويج أطفالهم لأسباب مادية أو اقتصادية أو اجتماعية، لا سيما وأن هؤلاء القصر سيكونون آباء وأمهات في المستقبل وسيؤسسون أسرا ويتحملون مسؤوليات إنجاب الأبناء وتربيتهم في حين أنهم مازالوا في سنّ الطفولة والمراهقة وفي حاجة لمن يعتني بهم ويحيطهم ويؤطرهم!!

1