أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المرأة الريفية مصدر الأمن الغذائي في العالم يطوقها الحرمان والتهميش!!
بقلم : الديار ... 25.10.2015

تطرح المشاكل الخاصة بالمرأة الريفية على نطاق واسع في يومها العالمي الموافق لـ15 أكتوبر من كل عام. ويمثل هذا اليوم فرصة للنظر في أوضاع النساء في الريف وللمقارنة بين ما تقدمنه من واجبات أسرية ومجتمعية ومن مساهمة اقتصادية من خلال توفير الأمن الغذائي للعالم نظرا لاشتغالهن في الزراعة وبين ما يتحصلن عليه في المقابل من إحاطة ورعاية اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤمن لهن تحقيق الذات والعيش الكريم في الوسط الريفي المتسم بقسوة الظروف المعيشية.
يظل البون شاسعا بين ما تقدمه المرأة التي تعيش في الأوساط الريفية من أعمال وواجبات داخل البيت وخارجه وبين ما تتمتع به من مكاسب وحقوق. وهذا ليس من باب الحكم المسبق أو الاستنتاج بل إنه من الحقائق المسلمة التي يعلمها القاصي والداني في المجتمعات العربية.
فالمرأة في الريف تعيش تقريبا بنمط حياة بدائي ينطلق يومها مع بزوغ الخيط الأول من الفجر نظرا لكومة الأعمال التي تنتظرها تقوم بشؤونها المنزلية تهتم بأفراد عائلتها وتساعدهم في الاستعداد لبداية يومهم ثم تنطلق نحو العمل الذي يؤمن لها الدخل الرئيسي -أو الإضافي للعائلة- بما أن المناطق الريفية هي الأماكن الأكثر فقرا إذا أخذنا في الاعتبار آخر إحصائيات الأمم المتحدة التي تظهر أن 76 بالمئة من الذين يعيشون في فقر مدقع في العالم، يتواجدون في المناطق الريفية.
وتباشر الريفية العاملة يومها بعد انتهاء المرحلة الأولى من المسؤوليات الأسرية والشؤون المنزلية لتنطلق في العمل خارج المنزل الذي غالبا ما يكون زراعيا فتجدها بين أحضان الطبيعة تحاول استخراج كل ما يمكن أن يفيدها في تأمين قوتها بما أنها المستخدمة الرئيسية للموارد الطبيعية في العالم.
ورغم أن النشاط الزراعي يتطلب جهدا بدنيا كبيرا إلا أن نساء الريف يشتغلن جميع مراحل الزراعة منذ بذر المواد الأولية إلى المرحلة النهائية من الإنتاج وأحيانا تمر لمرحلة ما بعد الإنتاج إما في الجمع أو التعليب أو التسويق.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة أن النساء الريفيات في البلدان النامية يمثلن نحو 43 بالمئة من القوة العاملة الزراعية، وينتجن الكثير من المواد الغذائية المتوفرة ويعدّونها، مما يجعلهن المسؤولات الأساسيات عن الأمن الغذائي لأسرهن ولقريتهن ولمجتمعاتهن المحلية.
هنا يبدأ دورهن الاقتصادي المحوري في تحقيق الأمن الغذائي الذي يعتبر محورا رئيسيا من محاور التنمية المستدامة المنشودة على الصعيد العالمي. لأجل ذلك تأخذ الخطط والاستراتيجيات الاقتصادية المعتمدة في الدول العربية كما في عدد من دول العالم في الاعتبار هذه المعطيات الدالة حسابيا وعلميا على أن المرأة رقم أساسي في العمل الزراعي في الوسط الريفي وهو ما يدفع الحكومات إلى البحث عن سبل ضمان وصول المرأة الريفية إلى الموارد الإنتاجية الزراعية بما يسهم في خفض الجوع والفقر في العالم، ويجعلها عنصرا فاعلا في إنجاح جدول أعمال التنمية المستدامة الجديد لعام 2030.
هذه الأدوار تجعل المرأة في الوسط الريفي تمثل أكثر من نصف المجتمع فهي فرد واحد بأدوار عديدة لا يقل أحدها أهمية عن الآخر، وقد أثبتت أنها قادرة على الجمع بين مسؤوليات مختلفة في آن، فهي الأم المربية والراعية لأبنائها وهي المعيلة للأسرة وهي الزوجة التي تتولى أغلب المسؤوليات الأسرية وهي العاملة الزراعية التي تساعد زوجها في تأمين الدخل العائلي.
رغم أنها تضطلع بمهامها الاقتصادية في ظروف قاسية منها الطبيعية ومنها التي تتعلق بالبنية التحتية في الريف ومنها التي تخص البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
المرأة الريفية تنتج معظم الأغذية في العالم، فهي العنصر الأساسي للنهوض بالأنشطة الزراعية، وهي المستخدمة الرئيسية للموارد الطبيعية إلخ.. اعترافات وشعارات تردد على ألسنة ممثلين للحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية إبان عيد المرأة الريفية ورغم أنها تأتي للتأكيد على الوعي بضرورة دعم سيدات الأرياف إلا أنها لم تأت بالكثير من الإنجازات الواقعية لفائدتهن. فهن يعانين من طبيعة العمل الزراعي المضنية ويؤدينه في أسوأ الظروف مقابل أجور متدنية وفي ظل حماية اجتماعية ضئيلة أو دونها.
كما يتقاسمن مع جميع متساكني القرى مصاعب الحياة في الريف ونقص أو غياب الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل أما بقية الخدمات المرتبطة بنمط العيش الحديث مثل أماكن الترفيه ووسائل الاتصال الرقمي مثل الإنترنت.. فهي بمثابة الحلم بالنسبة إليهن.
وتحرم المرأة العاملة في الزراعة في الوسط الريفي في غالب الأحوال من حيازة الأراضي وملكيتها ومن الخدمات والمساعدات الحكومية المخصصة للقطاع مثل القروض البنكية والأعمال التجارية اللازمة لترويج منتجاتها من أجل الازدهار. وهو ما أكدته دراسات لمنظمة الأمم المتحدة بينت أن المرأة في قطاع الزراعة والمناطق الريفية تحصل على موارد الإنتاج وعلى فرص الدعم المالي والفرص التجارية بصورة أقل من الرجل، رغم أنها تتقاسم المسؤوليات بالمساواة معه وأحيانا تلعب دورا إيجابيا أكثر منه في توفير الدخل المادي للعائلة إلا أنها نادرا ما تتمكن من إدارة والتصرف في هذا الدخل ونادرا ما تدلي بدلوها في اتخاذ قرارات الأسرة الكبرى.
هذه الظروف القاسية مجتمعة تجعل المسافة شاسعة بين الموجود والمنشود لنساء الأرياف وبين ما يبذلنه من جهد في جميع المجالات وما يتمتعن به في المقابل من وسائل العيش الكريم، وهي تفقد يومهن العالمي مكانته لديهن حتى أن بعضهن لا يعلمن أصلا بوجوده وتفقد الاستراتيجيات الدولية للارتقاء بالمرأة الريفية فاعليتها لأن جانبا هاما من أهدافها ظل حبرا على ورق ومجرد فصول في اتفاقيات دولية تردد من عام لآخر كمجرد إعلان على النوايا.

1