أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العالم الافتراضي يرسخ النظرة السطحية لكيان المرأة العربية !!
بقلم : الديار ... 26.07.2015

وجدت المرأة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي متنفسا تستخدمه للتعبير عن ذاتها وكسر الحواجز التي يكبلها بها المجتمع، إلا أنها جوبهت بصورة نمطية سلبية منبثقة عن السيطرة الذكورية التي تباركها مجتمعاتها المحافظة.
تكرس وسائل الاتصال الحديثة الصورة النمطية للمرأة في العالم الافتراضي، مما يرسخ النظرة السطحية لكيانها ويصرفها عن مجالات تحقيق ذاتها، ما يثبت في نفسها صورة أنها خلقت للمكانة التي أعطيت لها، ويرسخ في أذهان كل أفراد المجتمع هذه الصورة النمطية عنها.
وفي هذا السياق أصدر مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” بتونس، دراسة بعنوان “المرأة العربية في النقاش الافتراضي: دراسة في تمثّلات المرأة في صفحات الميديا التقليدية في الفيسبوك”، أعدّها مجموعة من الباحثين.
وأكد الباحث الرئيسي في الدراسة الدكتور الصادق الهمامي أن هذا البحث يعتبر مغامرة معرفية تتمثل أبرز تجلياتها في محاولة ملامسة موضوع التشعب في الإعلام، وذلك بعد أن استأثرت الميديا التقليدية والمهنية بتمثيل أدوار المرأة ومكانتها في المجتمع وفي المضامين المتعددة التي تنتجها أو تبثها كالبرامج الإخبارية والدرامية من جهة، وتركيز الدراسات والبحوث الأكاديمية على الصور أو التمثلات التي تنتجها الميديا التقليدية عن المرأة مع إهمال مقاربة أشكال تلقّي الناس لمضامين الصور التي تنتجها من جهة أخرى، وذلك في ظلّ ترويج صور نمطية وسلبية عن المرأة العربية وأدوارها.
واهتمت الدراسة برصد تفاعل المستخدمين من الجنسين مع المضامين المتصلة بالمرأة في سياق افتراضي وتفاعلي من خلال مؤشرات متنوعة كالإعجاب، والتعليقات، والمشاركة، باعتبارها مدخلا لكشف تمثلات المستخدمين والمستخدمات لمضامين الميديا حول المرأة، وبالتالي رصد تمثلاتهم حول المرأة ذاتها.
واستندت الدراسة في هذا الإطار إلى موقف نظري صريح يقر بدور الميديا في وضع أجندة الجمهور وإبرازها لقضايا أو لأحداث بعينها، كما اعتمدت الدراسة على منظومة منهجية مركبة وعلى مزيج من الأدوار الكمية والكيفية، بغية رصد منصاتها على الفيسبوك عن المرأة وتحليل أشكال ظهور المستخدمات عبر اسم المستخدم سواء الأصلي أو المستعار، والصور التعبيرية أو الحقيقية، والوسائط المستخدمة للتعبير والحجج التي يوظفها المستخدمون والمستخدمات للحديث عن المرأة.
وأكدت الدراسة أن صورة المرأة في الإعلام العربي المرئي والمسموع والإعلام الإلكتروني والورقي وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي لا تعكس حقيقة واقعها، حيث تقدم المرأة على أنها إما جسد فقط وجاهلة، ضيقة الأفق، فاسدة الأخلاق ومسيطرة أو تظهرها كأم وزوجة تابعة للرجل وليس لها علاقة بالشأن العام دون أي تقييم لعملها المنزلي أو باعتبارها موظفة في قطاعات نمطية تقليدية من اختصاص النساء.
„الرجال هم الأكثر اهتماما من النساء بقضايا المرأة، ولكنه اهتمام لا يعكس مناصرة لقضاياها، بل يتجسّد في تهكم واستهزاء وشتم وسلوكات لفظية عنيفة تحقر من شأنها“
وأشارت الدراسة إلى أنه إذا ما تم تقديم المرأة بصورة إيجابية وقيادية فلا تكتمل الصورة أبدا فإما أن تكون أمّا فاشلة أو زوجة فاشلة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار التطور الذي حصل في حياتها لتقديم صورة صحيحة وواقعية لإظهار مساهمة النساء في عملية التنمية.
ونبهت الدراسة إلى ضرورة تحفيز الإعلام العربي وخاصة الميديا الاجتماعية لتغير من اتجاهاتها وسلوكياتها وسياساتها نحو المرأة. وتمثلت أهم توصيات الدراسة في ضرورة وضع مواثيق أخلاقية تتضمن مبادئ تتعلق بكل التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أيّ من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة، إلى جانب الأساليب اللفظية العدائية والعنيفة التي يتم اعتمادها خلال التفاعل عبر هذه المنصات، وذلك لضمان توظيف الميديا الاجتماعية والإمكانات التواصلية التي تتيحها في تراكم ثقافة مجتمعية جديدة وتقدم نماذج واقعية لقضايا المرأة وتطرح صورا إيجابية لنساء من المجتمع، لتكريس أنماطا جديدة تتناسب مع الوقت الراهن والمكانة التي وصلت إليها المرأة أو التي تطمح أن تصل إليها وتساهم في تجاوز السلبيات في المجتمع عن طريق الترويج لخطاب إعلامي بديل معاصر وإيجابي، باعتبار أن للإعلام القدرة أن يكوّن وعيا لدى الرأي العام حول قضية أو مفهوم ما. فالرسالة الإعلامية تشكل قوة ثقافية واجتماعية تستطيع المساهمة في تغير أنماط تقليدية وترسيخ أخرى في المجتمع.
وتسعى الدراسة إلى وضع إطار نظري مبتكر ومقاربة منهجية مجدّدة لبلورة منظومة رصد المضامين عن المرأة في الميديا الاجتماعية، وفهم أدوار هذه الميديا في تشكيل صورة المرأة ومقاربة أشكال تلقّي الناس لها وتفاعلهم مع مضامين الميديا ذات العلاقة بالمرأة في السياقات التواصلية الجديدة.
وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الرجال هم الأكثر اهتماما من النساء بقضايا المرأة، ولكنه اهتمام لا يعكس مناصرة لقضاياها بل يتجسّد في أحيان كثيرة في شكل تهكّم واستهزاء وشتم وسلوكات لفظيّة عنيفة تحقّر من شأنها وتقلل من مكانتها، كما تتجّه النساء لاستعمال أسماء مستعارة قصد التمتّع بقدر من الحريّة ليستطعن التعبير عن آرائهنّ وبناء علاقات افتراضيّة مع المستخدمين والتواصل معهم، وعادة ما تعكس تعليقات المستخدمين على قضايا المرأة تمثلات تقليديّة ونمطيّة لمكانتها وأدوارها خاصّة لدى المستخدمين الشباب.
أمّا على مستوى تفاعل المرأة مع مضامين المستخدمين وتعليقاتهم على القضايا المتصلة بها، فغالبا ما تكون المرأة أقلّ انخراطا في الاتصال العدائي وأكثر جديّة في تفاعلها مع إدراجات المستخدمين.
يشار إلى أن تقريرا تمحور حول استخدام المرأة لمواقع التواصل الاجتماعي ذكر أن نحو 50 بالمئة من جمهور موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في العالم من النساء، في حين أن هذه النسبة في العالم العربي فيما يخص مشاركة النساء في فيسبوك هي 30 بالمئة فقط.
وأشار التقرير إلى أن السبب الأساسي في انخفاض هذه النسبة فيما يتعلق بنساء العالم العربي مقارنة بالعالم الغربي يرجع إلى الحواجز الثقافية والاجتماعية التي تجعل المرأة العربية تخشى من نشر أفكارها بالكامل وبحرية تامة على هذه المواقع، على الرغم من أن النساء العربيات يجدن في هذه الشبكات متنفسا وينشرن آراءهن حول الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية في بلدانهن والعالم، إلا أنهن يفرضن على أنفسهن قدرا كبيرا من الرقابة الذاتية خشية التعرض لانتقاد المجتمع.
كما أكّد التقرير أنه في بعض البلدان نجد المعايير الثقافية تنظر إلى استخدام المرأة للإنترنت بأنه أمر “غير لائق”، واستنتج أنه كلما ازدادت مدة استخدم المرأة للإنترنت كلما ازداد احتمال مشاركتها في نشاطات أخرى على الشبكة العنكبوتية ما يولّد لدى النساء فوائد معرفية ملموسة.
وتوصلت دراسة بريطانية إلى أن شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك تحول المرأة إلى مجرد “دمية” جميلة. وبينت نتائج هذه الدراسة أن البنات والنساء اللواتي يشاهدن صورا جميلة لحياة ترف أناس آخرين يملن أكثر للتفكير بأنهن مجرد “دمى جميلة” بين أيدي الرجال.
وأوضح الباحثون في الدراسة التي حملت عنوان “كيف تقيّم المرأة نفسها”، وشملت سلوك 150 امرأة تتراوح أعمارهن بين 17 و25 سنة، طلب منهن متابعة ما ينشر في شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك من صور وفيديو وأخبار مختلفة وإعلانات تجارية وكذلك الإطلاع على ما ينشر في مجلات الموضة، أنه كلما خصصت المرأة فترة أطول للبحث والمشاهدة ومطالعة المجلات المذكورة كلما ازداد استعدادها لمقارنة نفسها بغيرها من النساء وازداد شعورها بأنها مجرد “شيء” أو “دمية” لتلبية رغبات الرجال الجنسية. كما توصلت الدراسة أيضا إلى أن شبكة فيسبوك كان لها التأثير الأقوى على المرأة في هذا الإطار.
من جهة أخرى أشارت بعض الدراسات إلى أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في انتشار أنواع جديدة من العنف ضد المرأة، ومن أكثرها شيوعا المطاردة والملاحقة الإلكترونية والابتزاز الإلكتروني والتحرشات الجنسية الإلكترونية والمراقبة والتجسس على أجهزة الحاسوب، والاستخدامات غير القانونية باستعمال التكنولوجيا والإنترنت للصور ومقاطع الفيديو وتحريفها والتهديد بها، وانتحال أسماء وشخصيات معروفة للإيقاع بالفتيات والنساء خاصة في غرف الدردشة.
ولفتت هذه الدراسات إلى أن العنف الإلكتروني ضد المرأة أصبح يشكل خطرا متزايدا ضمن حيز واسع تصعب السيطرة عليه، إذ أنه يعد من أخطر أنواع العنف الواقع على المرأة.
وأكدت التقارير أن نساء عربيات يفضلن عدم وضع صورهن على صفحاتهن في مواقع التواصل والاستعاضة عنها بصورة زهرة أو رسم أو حتى تركها خالية كليا، كما أن كثيرات يضعن صورة لجزء محدد من وجوههن أو أجسادهن حيث تضع الواحدة منهن صورة لعينها أو فمها أو شعرها، لأن الصور يمكن استخدامها بطرق تشوه صورة المرأة أخلاقيا.
وفي المقابل يرى علماء اجتماع أن صورة المرأة لدى الرجل العربي باتت مشوشة، بفعل التغييرات التكنولوجية السريعة. والإنترنت بات يطرح صراعا يقود إلى مرحلة فوضى لم يتبين بعد كونها خلاقة أو غير خلاقة. وذكروا أن هناك صورة جديدة للمرأة، وهي التي تناقش وتحاور وتقرر وتشكل علاقاتها، سيكون لها صدى مختلف عن الصورة النمطية السابقة للمرأة العربية عند الرجل.
ويتلخص موقف هؤلاء العلماء في الصراع بين الموروثات الثقافية والحضارية والدينية من حيث قوامة الرجل وسيطرته وأولويته، وتصادم ذلك مع استقلالية المرأة المتزايدة اقتصاديا وحريتها وما تتيحه الحياة الحديثة من استقلالية، تجعل المرأة أكثر مشاركة وحضورا.
وأكد مفكرون أن المرأة عموما، والمبدعة خصوصا، ليست بمعزل عن الفضاء الرقمي، حيث أوجدت لنفسها مساحة واسعة لإنتاج الأفكار. وقامت بهيكلة جديدة لمواهب طالما ملكتها. وأشاروا إلى أن الحديث عن صورة المرأة في العالم الافتراضي يبدو للوهلة الأولى تكريسا للصورة النمطية المحمولة على وجه السخرية من الواقع والتي تروج لها أحيانا المرأة نفسها. لكن هناك منطق يختلف تماما مع فكرة الصورة النمطية. وأوضحوا أن صورة المرأة في المواقع الاجتماعية هي نتاج لما تقدمه المرأة نفسها، وأظهروا أن المواقع الإلكترونية تعكس صورة عصرية للمرأة العربية سواء تلك التي لم تكمل دراستها لكنها تحاول أن تساير عبر الإنترنت ركب التقدم والتطور العالمي، أو تلك التي درست وحصلت على أعلى الشهادات فدخلت إلى عالم المدونات، والمواقع الإلكترونية العلمية والأدبية. وشددوا على أن المواقع الإلكترونية يمكن أن تفيد المرأة العصرية في نشر أفكارها والاطلاع على كل جديد، وما عليها إلا اختيار أحسن المواقع التي تفيدها وذلك يقتضي منها وعيا لكي لا تقع في فخ اختيار صورها النمطية.
ويرى باحثون أن المرأة حققت مكتسبات هامّة غيرت النظرة النمطية حول صورتها ذلك أن المواقع الاجتماعية أصبحت اليوم منبرا إعلاميا مهما لربط أواصر التواصل الاجتماعي والفكري والثقافي.. وأصبح لها دور فعال في تقديم الجيد وإحداث نقلة مهمة في نمطية النظرة لصورتها وفي تحقيق الإبداع في مجال التواصل الفكري والثقافي.
وأكد هؤلاء المفكرون أن الصورة النمطية للمرأة في المواقع الاجتماعية سببها أن معظم الرجال يولون اهتماما بشكل المرأة على حساب فكرها، وأقروا بأن المرأة استطاعت غزو المواقع الاجتماعية بواسطة إبداعاتها ولكن نظرة المجتمع العربي لها لم تتغير كثيرا، ولا يزال معظم الرجال ينظرون إليها على أنها صورة أكثر منها فكرا وإبداعا.
وأشاروا إلى أن وضعية المرأة في المواقع الاجتماعية وخارجها وضعية متردية، وأوضحوا أن هذه الوضعية في العالم العربي، وربما في العالم كله لازالت شائكة، ولازالت المرأة تكافح للخروج من قوقعة الضغوط الاجتماعية.
وأكدت تقارير أن مشاركة المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي لا زالت خجولة بسبب القيود الاجتماعية والثقافية التي تحد من انطلاقها بحرية تامة على شبكة الإنترنت على الرغم من التغيير الجذري الذي أحدثته ثورات الربيع العربي في مجال مشاركتها.
وكشفت دراسات أن النقص في مواقع المرأة العربية باللغات الأجنبية على الإنترنت، والتي تتناول قضاياها وإنجازاتها، كبير جدا وشددت على تكثيف جهود الترجمة، وأشارت إلى أن صفحات الجنس والإباحية تغزو مساحة التصفح مما يطرح مخاوف كثيرة حول سرعة انتشار هذه الظاهرة.

1