أحدث الأخبار
الاثنين 28 نيسان/أبريل 2025
مؤامرة أسماك القِرش!!
بقلم : سهيل كيوان ... 24.04.2025

أفكار المؤامرات تأخذ أبعادا غير متوقعة، وذلك مع التطور التكنولوجي ووسائل التواصل والتصعيد في خلط الحقائق والصور والأصوات، بأنصافها وأرباعها، أو حتى خلقها كلها من لا شيء، فالتآمر أصبح علما قائما في ذاته، ويعمل فيه مختصون وجهات أمنية مدعومة بعلماء نفس واجتماع، وضباط كبار، وأظن أن الموضوع يستحق الدراسة والحصول على لقب أول وثالث والأستاذية في علم التآمر.
جمهور المؤامرات في اتساع مستمر، وينافس جمهور التنمية البشرية، وأي خبر أو حتى ظاهرة طبيعية صارت تقلّب على ألف وجه وتُحلل، لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا هذه الجهة وليس غيرها؟ ولماذا في الربيع وليس في الصيف، ولماذا في البر وليس في البحر! ولماذا من خلال جمهور كرة القدم؟ أو الكرة الطائرة! في أحيان كثيرة يبدع هؤلاء في خيالهم المؤامراتي. يوم الإثنين افترست أسماك القرش شابا مارس هوايته في الغطس على شاطئ مدينة الخضيرة جنوبي حيفا. لا أحد يذكر حادثة مشابهة لها في تاريخ شواطئ فلسطين التاريخية، لا قبل ولا بعد النكبة وقيام دولة إسرائيل.
**تشبه رواية «أحداث موت معلن» لماركيز
الجمهور فقد الإحساس بخطورة القرش، بعد ظهوره بأعداد كبيرة من غير حوادث اعتداء. القرش بدا مثل سمكة عادية، اتخذ المستجمون منها مادة للتسلية، فالتقطوا الصور والفيديوهات معها، بعضهم أمسك بذنبة القرش وجذبها إليه كما لو كان هذا دلفينا مسالما ولطيفا، حتى إن بعضهم ترك أطفاله الصغار يلهون إلى جانبها وبينها وهو يضحك. وبما أن الملاطفات الأولى مرت من غير أذى، فقد ظن الجمهور أن هذا القرش من نوع مسالم كسلحفاة بحرية مثلا. يوم الإثنين الأخير وفي المكان نفسه، هاجم القرش غطاسا، وخلال لحظات وأمام أعين المستجمين المذهولين قطعه إرَبا. دائما توجد مرة أولى، ابتداء من تلك اللحظة سوف يبتعد الناس عن دخول أي شاطئ يشكون أن فيه قرشا ولو على بعد كيلومترات. الحادثة مأساوية، وممكن أن تحدث في أي شاطئ في العالم، ولكنها لم تنج من شبهة المؤامرة، فقد سألني أحد العريقين في تحليل المؤامرات، الذي ظهرت موهبته خلال سنوات الربيع العربي: ألا تعتقد أن لليمن علاقة في موضوع أسماك القرش على شاطئ الخضيرة! كيف يا تُرى؟ تساءلتُ وتوقعت أن يقول، إن اليمنيين جندوا أسماك قرش يوجهونها من بعيد، من خلال أجهزة مغروسة في أجسادها، ولكنه قال: عند سماع صفارات الإنذار يهرب الناس في المُدن والأمكنة المأهولة إلى الملاجئ، أو إلى تحت العمارات، ولكن على الشواطئ لا توجد ملاجئ! ويبدو أن الحكومة باتت تخشى سقوط صواريخ يمنية على الشواطئ، وتريد منع الناس من النزول إلى الشواطئ، ولكنها لا تستطيع أن تفعل هذا مباشرة، لأن هذه ستكون فضيحة وفشلا لإسرائيل وأمريكا ودليلا على أن الحوثيين نجحوا في شل مجرى الحياة الطبيعية في إسرائيل! ألا تتفق معي أن هذه الحكومة ممكن أن تفعل أي شيء؟ أتفق ولكن ما علاقة هذا بالقرش؟ الحكومة هي التي أحضرت أسماك القرش إلى شاطئ الخضيرة، وظنت أن هذا سيخيف الناس ويبعدهم عن الشاطئ، ولكن الناس بجهلهم اتخذوها لعبة، ولم تنبههم الحكومة إلى خطورة الأمر، إلى أن افترس القرش أحدهم، الآن صار لديها سببٌ مقنعٌ لمطالبة الناس بعدم النزول إلى الشواطئ، إلا بإذن منها، الشواطئ الآن فارغة رغم حرارة الطقس، ليس في الخضيرة فقط، بل في كل شواطئ البلاد! ألم تسأل نفسك من أين أتت أسماك القرش بهذه الأعداد ولأول مرة في تاريخ هذه البلاد! ثم لماذا في الخضيرة؟ ألا تعتقد أنه بسبب وجود مواقع حساسة هناك مثل محطة توليد الكهرباء التي قد تكون هدفا للحوثيين؟ ألم يهدد حزب الله بضربها في السابق؟ أليست هذه مؤشرات إلى اقتراب توجيه ضربة ضد منشآت إيران النووية وتوقعات بالرد الإيراني إلى هذه المواقع الحساسة الخالية من الملاجئ، حينئذ ستقع كارثة لجمهور المستجمين! وستبدأ المعارضة بالتحقيق في الكارثة، وسوف تُسأل الحكومة لماذا لم تنبه الجمهور إلى خطر الوجود على الشواطئ من غير ملاجئ! وقد يظهر أحد المعارضين لنتنياهو ويقول، أنا نبهت من خطورة هذا، وحذرت من الكارثة، كما سبق وحذرت من كارثة السابع من أكتوبر!
الحياة باتت كلها مؤامرات، وهي أكثر من أن نُحصيَها، خصوصا المؤامرات على الأنظمة العربية، فدائما هنالك مؤامرات لتخريب إنجازاتها العظيمة. دائما هناك من يحول معارضة بسيطة للنظام إلى مؤامرة على الوطن وسلامة الجمهور، فالعدو ينتظر منا غلطة كي يستقطب العالم ضدنا ويدمر جيشنا واقتصادنا، وينزع عنا الرفاهية والسلام والأمن، الذي يحسدنا عليه الجيران وحتى الأخوة! الكشف عن المؤامرات مهم جدا، فهي مناسبة لشحذ الهمم في التطبيل لقائد البلاد وحكمته وشجاعته، والإعراب عن الاستعداد للتضحية بالروح والدم فداء له والتنافس في تجديد البيعة له وتوجيه الإهانات لمعارضيه والتحدي بقمعهم. وأمام المؤامرات، على الجميع أن يتحدوا كالبنيان المرصوص، ورفض أي تدخل خارجي في شؤوننا الداخلية، وعلى الجهات الأمنية واجبٌ بأن تضرب بيد من حديد، وعلى القُضاة أن يستعدوا لتغليظ الأحكام في حق المتآمرين على وحدة الوطن وسلامته.
**كشف المؤامرات مهم جدا، فهو مناسبة لشحذ الهمم والتطبيل لقائد البلاد وحكمته وشجاعته، والاستعداد للتضحية بالروح والدم فداء له وتوجيه الإهانات لمعارضيه والتحدي بقمعهم
سبحان الله، فإن النغمة واحدة لدى الجميع، كأنهم أوركسترا، فالمؤامرة دائما يجري توجيهها وتحريك أدواتها وتتلقى أوامرها من الخارج! يعني نحن أنقياء لا وجود لمؤامرات من الصناعة المحلية، كل المؤامرات مستوردة. في تونس الخضراء حكَم القضاء قبل أيام بالسجن على أربعين شخصا بأحكام بالسجن تراوحت بين 13 عاما إلى 66 عاما، وذلك على أعضاء ينتمون «إلى تنظيمات إرهابية» منهم محامون ورجال أعمال وإعلاميون.
«تنظيمات إرهابية»، هذه الثيمة التي تحولت إلى جملة موسيقية يفضلها الجميع، فهي سهلة ومتناسبة وتلقى ترحيبا في الغَرب. أتت هذه الأحكام بعد حل الرئيس التونسي قيس سعيد للبرلمان في مارس 2022 مستبقا مؤامرة الانقلاب على الحكم، وبعد حله للمجلس الأعلى للقضاء وعزل عشرات القضاة. وبهذا يلتحق بإخوانه من القادة العرب، على أمل اكتشاف المزيد من المؤامرات، فزيادتها خير وبركة لتثبيت الحُكم لمدى الحياة. لا تخلو حكومة فلسطين ورئيسها محمود عباس من المتآمرين الذين يظهرون على صورة مقاومين في مخيمات وقرى ومدن قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك بهدف إظهار ضعف السلطة، واستدعاء الاحتلال إلى حلها، واستفزازه لارتكاب مجازر بحق أبناء شعبنا.
أما في سوريا الجديدة فالمتهم بالتآمر هو الرئيس السوري أحمد الشرع بحاله، فمنذ وصوله تُطرح الأسئلة كيف هرب الأسد بصورة فجائية من غير مقاومة! لقد وعدوا أحمد الشرع بأن يكون رئيسا لسوريا مقابل التطبيع مع إسرائيل، واستيعاب مليون فلسطيني من الذين سيجري تهجيرهم من الضفة الغربية وغزة، بينما اتفقت تركيا وإسرائيل على تقاسم المصالح في سوريا بين البلدين. أما نتنياهو فقد قال في آخر تصريحاته اللامعة إنه لن يسمح بدولة خلافة على شاطئ المتوسط! هذا تهديد جامع وخطير، لأن جميع من حوله هم خلفاء! وهو يرفض بهذا بصريح العبارة خلافة أموية أو عباسية أو موحدية أو فاطمية أو مملوكية أو عثمانية أو أيوبية، وأي شيء فيه رائحة الإسلام. نتنياهو الحكيم، يجد دائما ما هو مشترك مع زملائه من الأنظمة العربية، خصوصا أهل السنة، وقد عبر أكثر من مرة عن كيمياء بينه وبينهم، فهم أيضا ضد نظام الخلافة، وضد «الإرهاب»، ويبدو أنه خجل هذه المرة من ذكر أهل السنة بصراحة، لأنه أباد أكثر من ستين ألف من السنة ولم ينته بعد.
في مقولته يلمح لزملائه العرب بأن الحل الأمثل هو الديكتاتور الحكيم والرحيم الذي يشنق المتآمرين أو يزج بهم في أحكام سجن طويلة، والقادر على العفو عن أعتى المجرمين بمناسبة عيد ميلاده، أو عيد جلوسه على عرش السلطة أو تسلله إليها، او انتخابه بصورة ديمقراطية خالية من المعارضين.

1